الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

محمود التكني: الاعتراف الأمريكي بالصحراء والخريطة الجيوسياسية الجديدة بالمنطقة

محمود التكني: الاعتراف الأمريكي بالصحراء والخريطة الجيوسياسية الجديدة بالمنطقة محمود التكني
إن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه نقطة مفصلية في تسوية الملف المفتعل الذي عمر ما يقارب نصف قرن لكنه يعتبر بمثابة القنبلة النووية كالتي ضربت هيروشيما باليابان إبان الحرب العالمية الثانية،مما أدى إلى انتهائها .فهذا الاعتراف سيغير موازين القوى في المنطقة على اعتبار أن ملف الصحراء المغربية باطل يراد به حق، و قد نتج في إطار ما كان يعرف في النصف الثاني من القرن العشرين بالحرب الباردة بين المعسكر الشرقي متمثلا في النظام الشيوعي و المعسكر الغربي الذي يشكل النظام الرأسمالي. ومن أبرز نتائج هذه الحرب إعلان قانون حقوق الأقليات الذي لا أعارضه إذا طبق بدون نية سوء أو ضغينة سياسية كحاله في الصحراء المغربية.
ان أفريقيا عامة و شمالها خاصة ظل محط أنظار كل من أوربا وأمريكا و روسيا حيث راهنت هذه الأخيرة على الجزائر التي أوهمتها أن لها تأثيرا على دول أفريقيا ، لكن هذا التأثير المزيف أفل سريعا و لم يصمد أمام الدبلوماسية المغربية التي تتميز بالصرامة في وقتها و الهدوء و التريث و ضبط النفس أمام الاستفزازات الجوفاء بفضل توجيهات وتعليمات الملك محمد السادس.
أما بخصوص تعامل المغرب مع هذا الثلاثي - أمريكا ، روسيا، أوربا- والذي اعتبره طرفا غير مباشر في النزاع المفتعل فقد صمد ولم يقدم أي تنازل ، و خير دليل على ذلك قطع التعاون الأمني مع فرنسا سنة 2015 و لم تنته قطيعة هذا الاتفاق الأمنيإلا بعد أحداث شارلي إيبدو التي خلفت 17 قتيلا في مطلع يناير من 2015 ، وبعدها جاء رفض المغرب لاتفاقية الصيد البحري دون سيادته على مياه الأقاليم الجنوبية حتى صوت برلمان الاتحاد الأوروبي في يونيو 2019 على الاتفاقية بالبنود المغربية مما سبب توترا بين المغرب و البوليساريو آنذاك.
أما بخصوص روسيا فقد قام عاهل البلاد بزيارة لموسكو في مارس 2016 بدعوة من الرئيس فلاديمير بوتين حيث ترأس جلالته إلى جانب الرئيس الروسي بالكريملين توقيع اتفاق للتعاون بين المغرب و روسيا حول التشجيع و الحماية المتبادلة للاستثمارات. لكن روسيا الاتحادية لم تفعل هذه الاتفاقية لأسباب مجهولة، كذا فإن تعامل المملكة مع الولايات المتحدة الأمريكية كان في إطار دبلوماسي متخلق و احترام تام للشؤون الداخلية لكلا البلدين.
إن المغرب لم يقدم أي تنازل في ملف قضيته الوطنية لأنها عادلة ويؤمن بها ايمان المسلم بالله ، أما عن الجارة الشمالية اسبانيا فإن علاقتها مع المغرب تمر بأحلك أيامها حيث استطاع المغرب ترسيم حدوده البحرية معها من طرف واحد و قام بإغلاق الحدود البرية الوهمية بين المغرب و السليبتين حتى أصبح سكانها يعانون ظروفا مزرية أجبرتهم على التفكير في الهجرة نحو اسبانيا .
أما عن الاعتراف الأمريكي الشجاع فقد جاء عن قناعة و اقتناع ، بهذا تكون أمريكا قد وضعت موطئ قدم بأفريقيا عبر الاستثمارات الضخمة التي ستفعلها في الصحراء المغربية و لقد كان هذا اختيارا في محله و سيعمل لا محالة على تغيير الخريطة الجيوسياسية لشمال أفريقيا و دول جنوب الصحراء .و لقد بدأت ملامح التغيير تظهر لأن المناورات العسكرية الأمريكية المغربية لم تكن لترى النور قرب جزر الكناري لولا هذا الاعتراف . وهي رسالة لمن يهمه الأمر فقد قضت مضجع حكام برشلونة ، بهذا فإن الجزائر واسبانيا لن يجدا بدا من تغيير موقفهما من سيادة المغرب على صحرائه كرها و ليس اختيارا.
 
محمود التكني، أستاذ التعليم العالي بجامعة مولاي إسماعيل مكناس