أعدت وزارة التربية الوطنية مشروعا بيداغوجيا لتدريس التكنولوجيا في السلك الإعدادي باللغة الفرنسية. وهذا الأمر يعود بنا للجدالات التي كانت من قبل حول لغة التدريس واللغات المدرسة والتي أسالت مدادا كثيرا وكتبت فيها العديد من المقالات وتنوعت فيها الآراء. مما يدفعنا لمناقشة السياسة اللغوية بالمغرب، وكذا الهندسة اللغوية بالقانون الاطار للتربية والتعليم 51.17.
لا يخفى على أحد أن الدستور كان واضحا بخصوص اللغتين الرسميتين للبلاد. لكن في الهندسة اللغوية بالقانون الاطار نلفي تعددا لغويا إلا أنه لا يوازن بين اللغة بل يطمح لهيمنة لغة على لغة أخرى وهذا واضح من خلال ساعات التدريس أو كلغة لتدريس مواد معينة. إذا كانت اليوم اللغة الانجليزية هي لغة العلم كما يؤكدها جل الأكاديمين إلا وأنها اللغة التي ينبغي أن تدرس بها التكنولوجيا وليس الفرنسية. ولعل كل متخصصي التكنولوجيا يؤكدون بدورهم أنه لأجل تعميق تخصصهم هذا يحتاجون بالتأكيد للانجلزية. وليس الفرنسية. نعتقد أن الفرنسية قد تفرضها السياسة الاقتصادية للبلاد بحكم التبعية لفرنسا في عدة مجالات. لكن هل مستقبل يمكن رهنه فقط بالفرانكوفونية؟ ونحن في عصر أصبح منفتح على كل اللغات ولا يفرض لغة دون غيرها إلا من باب التثاقف والعلم وليس من باب الاقتصاد. لأنه من دون علم لن تتقدم وتزدهر بلادنا بمجرد الاقتصاد وفقط. كيف لنا أن نبني اقتصاد وطني بلغة واحدة أجنبية. إلا إذا كنا نخدم اقتصاد بلد آخر.
لهذا. إذا كانت الهندسة اللغوية للقانون الاطار تعتمد التعددية فعليها أن تضع كل لغة في مكانها المناسب لا أن تفرض لغة على مواد عدة وإن كانت غير مناسبة لها. فكل لغة في العالم تقريبا وخاصة اللغات الغربية لها مجالات توفر فيها ما توفره غيرها من المعلومات والمعطيات. وعلى سبيل المثال وفقط. اللغة الألمانية لا يمكن للمتخصص في الفلسفة والمتعمق فيها أن يستغني عن الألمانيةبحكم ما أنجز بها من أعمال فلسفية. لأن قراءة العلم بلغته الأصلية يجنبنا الوقوع في عدة متاهات لا سواء القراءة الخاطئة أي سوء فهم النص الأصلي عبر الترجمة. ولا سواء الهشاشة الأكاديمية التي تترتب عن صناعة المصطلحية المجانبة لتصور الصحيح المقصود عن صاحب النص الأصلي.
قد يعتقد البعض ممن سيقرؤون أسطري هاته أني أدافع عن لغة دون غيرها. لكني أساوي بين كل اللغات ولا أفاضل بينها إلا بما تقدمه من المعرفة. وكل ما في الأمر أني أطمح لأن تكون كل لغة في مكانها المناسب لا أقل ولا أكثر.
فالتعدد اللغوي بات يفرض نفسه أكثر من الأحادية أو الثنائية خاصة وأننا في تطور مستمر مع الرقمنة والشابكة. وبخصوص الهوية التي يدافع بها البعض عن لغة معينة. فتعلم لغات أخرى لا يعني بالبت والمطلق تمكين لغة دون أخرى. بل يسمح للانفتاح أكثر للاستفادة من كل مجاري المعرفة والعلم بالعالم. فما دمنا نصنف في الدول المتأخرة في التنمية فهذا يعزى لعدة أمور من بينها تقوقعنا على ثقافة دون أخرى. وانحصارنا في ثقافات أعطت سلفا وليس في ثقافة تعطي اليوم. نعم لنستفيد من اللغات التي تركت لنا ارثا لكن لا ننسى اللغات التي تفيد العالم اليوم.
لذا وجب التبصر في ما يمكننا أن نجنيه من اللغة الانجلزية وليس الثبوت على لغة لم تعد تفيد حتى نفسها.
المهدي الزمراني باحث في اللسانيات الاجتماعية