لازال حضور المرأة في المشهد السياسي الوطني والجهوي باهتا ولا يرقى إلى طموحات النخب السياسية النسائية التي راكمت الكثير من المكتسبات الحقوقية في مجال النهوض بحقوق المرأة، بفضل ترافع الحركة النسوية ونضالها المستميت منذ الاستقلال لتمكين المرأة وضمان انخراطها في العمل السياسي، بيد أن الواقع الفعلي يبرز بشكل جلي أوجه القصور التي تحول دون تحقيق فعلية المشاركة السياسية للمرأة بسبب التوظيف الملتبس لمفهوم المساواة والمناصفة واستغلاله في الاستحقاقات الانتخابية كأداة لتطويع النخب النسائية واستمالة اصواتها التي تشكل أكثر من نصف الكتلة الناخبة.
فرغم التطور التشريعي الذي عرفه المغرب في مجال التمكين السياسي للمرأة سواء من خلال المقتضيات الدستورية التي كرست المناصفة والمساواة وعدم التمييز كخيار ديمقراطي لا محيد عنه، أو من خلال الممارسة الاتفاقية للمغرب ومصادقته على العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة بحقوق المرأة ورفع التحفظات عنها و ملاءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية ، إلا ان هذا الزخم التشريعي لم يساهم في انحسار الممارسات التمييزية اتجاه النساء وتمكينهن من بلورة وصناعة القرار السياسي بسبب هيمنة العقلية الذكورية وتمثلات التنشئة التمييزية.
فالأنظمة التحفيزية التي تم سنها لتشجيع المشاركة السياسية للنساء و تدارك النقص الحاد على مستوى تمثيليتهن بالبرلمان والمجالس الترابية لم تحقق النتائج المرجوة منها، وذلك راجع إلى أن فلسفة الإنشاء قد كرست البعد الكمي على حساب المعطى النوعي، فمن أصل 6673 مقعدا نسائيا في الانتخابات الجماعية لسنة 2015، لم تتمكن إلا نسبة قليلة جدا من الوصول إلى صناعة القرار بالمجالس الجماعية في حين لم تستطع أي أمرأة ترؤس جهة من الجهات الإثني عشر .
من جانب أخر، لم تستطع الأحزاب السياسية التماهي مع مضمون الوثيقة الدستورية لسنة 2011 التي أقرت مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء واكتفت بتأثيث المشهد السياسي بترشيحات نسائية ضمن اللوائح الانتخابية لترويج خطاب سياسي معتدل ويقوم على إدماج مقاربة النوع ومناهضة التمييز، إلا أن واقع الحال يفند تصورات الأحزاب لمفهوم المشاركة السياسية للمرأة بسبب تداخل العديد من العوامل ذات الصلة بالتكوين الثقافي للنساء وتفشي معدلات الأمية وضعف الديموقراطية الداخلية داخل التنظيمات الحزبية وفتور العرض السياسي الموجه للنساء، حيث لم تستطع أي أمرأة الوصول إلى رئاسة حزب سياسي مغربي باستثناء نبيلة منيب التي تترأس حزب اليسار الإشتراكي الموحد.
وقد أثار الجدل الاخير حول الآلية التشريعية المتعلقة بالتمثيلية النسوية بعد إلغاء اللائحة الوطنية وتعويضها بلوائح جهوية تتبوأ فيها النساء المرتبتين الأولى والثانية، الكثير من التساؤلات حول جدوى استمرار السياسات التحفيزية الموجهة للنساء في غياب رؤية واضحة لإدماج النساء في مراكز صنع القرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي سواء على المستوى الوطني أو الجهوي، فبين أصوات تعتبرها ريعا سياسيا تتحكم فيه الإحزاب السياسية لمحاباة القيادات السياسية النسائية بدون استحضار معايير الكفاءة والإستحقاق، تشيد أصوات أخرى بهذا الإنجاز التشريعي معتبرة إياه خطوة مهمة في مسلسل أنصاف النساء وتعزيز مكانتهن في المشهد السياسي الوطني.
الحسين العويمر، باحث في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة، رئيس مركز طاقات للدراسات والأبحاث والتدريب