السبت 20 إبريل 2024
سياسة

المرزوقي: في طبيعة الخلافات الجزائرية المغربية.. "لا يُمكن لدولة أن تنتصر على أمة"

المرزوقي: في طبيعة الخلافات الجزائرية المغربية.. "لا يُمكن لدولة أن تنتصر على أمة" بن يونس المرزوقي رفقة راية المغرب والجزائر

للعلاقات المغربية الجزائرية خصوصيات كثيرة.. فهي علاقات تتجاوز التجاور الجغرافي الذي لا مفر منه.. إلى علاقات يلعب فيها التاريخ الدور الأساس.

لكل من المغرب والجزائر تاريخه العامر بالأحداث التي أدى تراكمها إلى صيرورات مُختلفة..

كان للمغرب تراكماته التي حافظت على استقلاليته لفترات طويلة.. تشكلت خلالها الدولة بمعناها العربي/الإسلامي.. أي الدولة المُشتقة من "التداول"..

التداول الذي نجد له أصول قرئانية من قبيل الآية {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (آل عمران/140)..

التداول الذي قال فيه الشاعر أبو البقاء الرندي:

(هي الأمور كما شاهدتها دُوَل)(من سره زمن ساءته أزمان)

لذلك كان من ا لطبيعي أن تتداول على المغرب "دول" عديدة.. دولة الأدارسة.. دولة المرابطين.. دولة الموحدين.. دولة المرينيين.. دولة السعديين.. وكانت "الدولة العلوية" آخر العنقود..

وفي مُقابل ذلك.. كان للجزائر تراكماتها التاريخية.. نقرأ من عناوين كتب التاريخ: بعد العهد الفينيقي وعهد الرومان: عهد الممالك الأمازيغية.. الاحتلال الوندالي.. الاحتلال البيزنطي.. عهد الدولة الإسلامية.. فترة الاحتلال الإسباني فترة الحكم العثماني.. الاحتلال الفرنسي..

كان للدولتين تاريخ مُشترك.. حضارات أمازيغية.. حضارات مُتنوعة.. الفينيقيون... الرومان... العرب..

تعاقب الدول الحاكمة في المغرب "الأقصى" أدى في فترات عديدة لخضوع الجزائر أو جزء منها للإمبراطوريات المغربية.. وكانت مسألة طبيعية لأنها لم تكن إلا المغرب "الأوسط"..

ثم افترق طريقهما مرتين..

مرة أولى مع العثمانيين الذين حكموا الجزائر لما يفوق ثلاثة قرون.. أما المغرب فكان سدا منيعا أمام الأتراك..

ومرة ثانية أمام فرنسا.. فكان للجزائر الاستعمار (ما فوق 130 سنة).. وللمغرب الحماية (44 سنة)..

وحصلت "الدولتان" على استقلالهما.. وكان رد الفعل هو تأسيس دولة بمعناها الغربي (l’ETAT)..

وها نحن الآن أمام جوهر الخلاف الجزائري المغربي..

في المغرب ذهب التطور في اتجاه استغلال كل عناصر التنوع الداخلي لترسيخ مكانة الأمة.. وتوطيد دعائم الدولة..

هي مراحل مُتداخلة.. يُمكن تلخيصها فيما تمت دسترته لاحقا سنة 2011.. في تصدير هذا الدستور هناك أولا تسبيق للوحدة الوطنية على الوحدة الترابية.. في المغرب الأولوية للعنصر البشري.. وهو ما يجعل من قضية الصحراء بالنسبة للمغاربة أولا وقبل كل شيء مسألة وحدة وطنية.. لقاء أخوة وأشقاء.. وليس طمعا في رقعة جغرافية..

لم يكن لهذه الوحدة وهذا التلاحم أن يترسخ أكثر فأكثر في المملكة المغربية إلا بفضل "صيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية"..

والأكثر من هذا.. الحسم في ثوابت الأمة الأربعة والمتمثلة في "في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي" (الفصل الأول من الدستور).

ومرة أخرى نلاحظ أننا نتحدث عن الوحدة الوطنية وليس "الترابية".

الخلاصة تشكل أمة موحدة.. متشبثة بوحدتها الوطنية.. تذكروا هذا جيدا..

 

في مُقابل ذلك.. ذهبت الجزائر المستقلة في اتجاه آخر..

اتجاه تأسيس دولة على النمط الغربي.. سرعان ما توالت الأحداث فانتقلت إلى تأسيس دولة على النمط الاشتراكي (آنذاك).. الدولة الصلبة.. المستقرة.. الثابتة.. وفق قواعدخاصة..

دولة صلبة.. سرعان ما وجدت نفسها تدريجيا خارج التطور.. خاصة بعد سقوط الأنظمة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفياتي..

دولة مُستقرة.. لكن بأيدي مؤسسيها.. مؤسسة الجيش التي لا زالت تعتبر أن الشعب الجزائري مدين لها "بتحقيقه" استقلال الجزائر..

دولة ثابتة في نظامها السياسي الذي رغم تعدد الدساتير والمراجعات الدستورية.. لا زال جوهر النظام السياسي لم يتغير..

وهكذا.. تم التركيز منذ الاستقلال على مفهوم الوحدة الترابية..

دائما مطالب ترابية.. وكان المغرب يتجاوب لأنه كان منشغلا بوحدته الوطنية.. تندوف.. كلومب بشار.. لقنادسة.. بني ونيف..

لم يتبق للجيش من مطالب يتمكن بها من إطالة هيمنته على دواليب السلطة.. وخلق تعبئة "شعبية" مُساندة له.. فوجد ضالته في الصحراء المغربية التي يعرف القاصي والداني أنها جزء من الوحدة الوطنية للمغرب..

وهكذا تقوت الدولة الجزائرية على حساب الشعب الجزائري..

وتذكروا مرة أخرى أننا أمام "دولة" في ملكية مؤسسة الجيش.

 

وعلى سبيل الختم

في الخلاف الجزائري المغربي.. أصبح واضحا أن أننا أمام أمة في مواجهة دولة..

أمة موحدة تُعطي كل الأسبقية للوحدة الوطنية.. في مواجهة دولة استنفذت وحدتها الترابية.. وأصبحت تبحث عن تعطيل الوحدة الترابية للغير.. مُستعملا لذلك كل ما يمس بثوابت الأمة المغربية.. المس بمقدساته.. بدأ ذلك مع عرقلة وحدتنا الترابية والتشكيك في اختيارنا الديمقراطي.. ووصل حَد التهجم على أحد أهم مكونات أمتنا.. المؤسسة الملكية في شخص ملك البلاد.. لذلك لا تتعجبوا إن نازعونا يوما ما في ديننا الإسلامي.

بن يونس المرزوقي/ أستاذ باحث بكلية الحقوق وجدة