السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

أسباب نزول عيطة "شريفي سيدي حسن" على لسان الفنان حسن الزرهوني (6)

أسباب نزول عيطة "شريفي سيدي حسن" على لسان الفنان حسن الزرهوني (6) مشهد من مدينة مولاي إدريس زرهون والفنان التشكيلي والموسيقي حسن الزرهوني

تعتبر عيطة " شريفي سيدي حسن" من العيوط الجميلة والرائعة التي ساهمت في توثيق أحداث تاريخية عاشها المغرب في فترة حكم السلطان المولى الحسن الأول، وتعرضت هذه "القصيدة" للإندثار والتلاشي والنسيان، إلى أن جمع بعض متونها الشعرية شيوخ العيطة من مدينة أسفي، على لسان الرواد من أمثال الشيخ ميلود الداهمو والشيخة عيدة وغيرهم.

ضيف موقع " أنفاس بريس" الفنان التشكيلي والموسيقي حسن الزرهوني استجاب لنداء ثلة من أصدقائه المهووسين بفن العيطة، فغرد بلبل منطقة الكاب، وقام بتفكيك وتحليل قصيدة هذه العيطة في سياق أحداثها التاريخية ومواقعها ومجالاتها الجغرافية، وشرح مجموعة من متونها ومفرداتها، فكانت فرصة ثمينة لإشراك القراء في هذا الطبق التراثي في انتظار تفاعل المهتمين بفن العيطة والموسيقى التقليدية المغربية الأصيلة.

 

"شْرِيفِي سِيدِي حَسَنْ/ صْلَحْتِي وْ صَالَحْتِي/ وْطَاوَعْتِي الْبٌلْدَانْ"

ونحن بصدد مقاربة التشبيه والتفكيك في المتن العيطي بعيطة "شريفي سيدي حسن"، حسب سياق الأحداث التاريخية التي شهدتها فترة السلطان مولاي الحسن الأول، كان لابد من شرح دلالات هذا البيت الشعري "شْرِيفِي سِيدِي حَسَنْ/ صْلَحْتِي وْ صَالَحْتِي/ وْطَاوَعْتِي الْبٌلْدَانْ"، ووضعه في إطاره الأنثروبولوجي بحكم ما يحتويه من إشارات سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية وثقافية.

الإصلاحات العسكرية : إن الإصلاحات الكبرى التي ركز عليها السلطان المولى الحسن الأول خلال فترة حكمه (1873/1894) ارتبطت بإصلاح الجيش، الذي كان في وضعية هشة وضعيفة، خصوصا أن معظم المحاربين كانوا فلاحين وفي نفس الوقت جنودا في صفوف الجيش السلطاني، وكانت تجمعهم كلمة واحدة وراء السلطان، ويتحالفون فيما بينهم للقتال ضد "المخزن" أو مع "المخزن".

وكانت بداية إصلاحات نظام الجيش قد بدأت مع المولى عبد الرحمن بن هشام بعد هزيمته في معركة إيسلي سنة 1844 ، ولكنها كانت إصلاحات بطيئة وسطحية، واستمرت إلى عهد المولى الحسن الأول الذي سارع إلى بإصلاح نظام الجيش ومكوناته وتحديث تجهيزاته وعتاده الحربي، لوضع حد للهيمنة الأوروبية وفي نفس الوقت توسيع رقعة "المخزن"، لضمان مداخيل ضريبية لخزينة الدولة.

لقد عمل السلطان المولى الحسن الأول على إعادة النظر في الإنخراط ضمن الجيش النظامي، وتدريب الضباط والجنود في أوروبا، والإستعانة بمدربين أجانب، وشراء أسلحة حديثة. واستقطب مجموعة من المدربين العسكريين خريجي المدرسة الحربية التركية من تونس والجزائر.

كان الجيش السلطاني يتكون من أربعة قبائل وهي :

ـ جيش شراقة من جهة الشرق وكانت مجموعة أولاد جامع في شمال فاس من أهم مجموعاته العسكرية.

ـ جيش الشراردة المنتمي لقبيلتي أولاد دليم والشبانات، الوافدين من الحوز إلى وجدة في عهد السلطان المولى إسماعيل.

ـ جيش الوداية وكان يتواجد على ضفاف وادي مكس أحد روافد نهر سبو، وكذلك في قصبة الرباط وفي حوز مراكش و صفرو.

ـ جيش عبيد البخاري الذي تم تشكيله في عهد المولى إسماعيل، ويتكون من العبيد الذين تم جلبهم من طرف المنصور الذهبي خلال توسعه في السودان الغربي (مملكة غانا، ومملكة مالي، ومملكة سنغاي).

في هذا السياق سيستعين السلطان المولى الحسن الأول بالخبرات العسكرية الأوروبية لتدريب وتكوين الجيش، إلا أنه انتبه لخطورة هؤلاء المدربين على مستوى قيامهم بالتجسس لصالح دولهم، واستحال عليه أمر تقليص نفوذهم بحكم انتشارهم في ربوع البلاد، بعد أن التحقت عدة بعثات أوروبية، كالبعثة الفرنسية سنة 1876، والتي تكلفت بتدريب فيلق الرماة بمراكش، وتكلفت البعثة الإنجليزية سنة 1887 بقيادة الجيش الخاص لحماية وحراسة السلطان، أما البعثة الإيطالية فقد أسندت إليها مهمة إدارة مصنع الأسلحة بمدينة فاس سنة 1887، في حين أسندت مأمورية الأشغال الهندسية لبناء الجسور للبعثة الإسبانية سنة 1890 .

ولتشكيل جيش مغربي قوي وحديث، شيد السلطان الحسن الأول معمل للسلاح سنة 1892، و عمل على استيراد العديد من الأسلحة (البنادق والمسدسات والرشاشات و المدافع) وعزز تحصينات الجيش لمواجهة التهديد الخارجي خصوصا بمدينتي طنجة والرباط، وأنشأ قوة بحرية منظمة، بعد تزويد الجيش بمختلف الأسلحة.

الإصلاحات الثقافية والإجتماعية: قام السلطان بإصلاحات ثقافية في الميدان العسكري من خلال تأسيس مدرسة مركزية للمدفعية والمدرسة الحسنية في طنجة وعمل على إرسال بعثات إلى القاهرة، وعدة دول أوروبية لدراسة مجموعة من العلوم المرتبطة بالرياضيات، وتدريس كيفية نصب الجسور، وصناعة البارود، ومهن الحدادة والنجارة وغيرها من المهن، فضلا عن عنايته بالعلوم الشرعية والدينية والرياضية والآداب والجغرافيا والفلسفة. وقام بإصلاحات اجتماعية على اعتبار أن المجتمع المغربي كان يتكون من عدة عناصر (المجتمع الريفي ـ سكان المدن الأندلسيون المسيطرين على التجارة والصناعة ـ الزنوج الذين بلغ عددهم 2000 زنجي ـ الأوربيون الذين تضاعف عددهم نتيجة الإمتيازات المترتبة عن نظام الحماية الديبلوماسية والقنصلية (ما يقارب 9000 أوروبي سنة 1894 ) ينحدرون من جنسيات فرنسية وإسبانية و إيطالية وإنجليزية و ألمانية.

في سياق متصل عمل السلطان على تنظيم الجبايات والحرص على استخلاصها للرفع من منسوب مداخيل الضريبة، حيث وضع لها سجلات، وتنظيم الجمارك وترتيب البريد مع إصلاح نظام الإدارة والقضاء والتعليم.

الإصلاح الإقتصادي: ربط علاقات تجارية مع الدول الأوروبية لتصدير بعض المنتجات الزراعية و الفلاحية مثل (الصوف، الجلد، الحبوب، الكروم، الزيتون، اللوز والفواكه..)، كما عمل على إعادة تشغيل معمل السكر، وشيد ميناء صغير بمدينة الصويرة وآخر بمدينة الدار البيضاء.

الصلح الاجتماعي بوساطة "دار الضمانة" بين السلطة المركزية والقبائل المتمردة

لما تولى السلطان الحسن الأول الخلافة بمدينة مراكش كان يحظى باحترام كبير من لدن فئة المثقفين والأغنياء وعامة الشعب، وكانوا يشبهونه بالسلطان المولى إسماعيل. ولإحلال النظام اضطر الحسن الأول لإخضاع عائلة "أوبيهي" التي كانت متمردة ضد قائدها المحلي، وأثناء عودته اصطحب معه مجموعة من الوحدات العسكرية من قبائل عبدة وأحمر و دكالة و الشياظمة و متوكة و لاوة و دمنات..وحضي عند دخوله لمراكش باستقبال كبير، وبعد معالجته الملفات والمشاكل القائمة وحرص على تصالح القبائل مع المخزن المحلي، شد الرحال لمدينة فاس ومكناس بعد أن برمج زيارة ضريح مولاي إدريس زرهون من أجل البيعة . وخلال رحلته من مراكش عبرت لمحلة السلطانية وادي أم الربيع ثم مشرع بن عبو، والنزول في سيدي حجاج ومن تم إلى مناطق مزاب و زعير وصولا إلى مدينة الرباط.

وقد تمكن السلطان من الإنتصار وإخماد تمرد قبائل زمور وبني حسين، وتدخل أهل وزان "شرفاء دار الضمانة" من أجل إقامة الصلح بينهم وبين قيادهم (المخزن المحلي) بعد أن قاموا بمساعي لدى السلطان وتم العفو عليهم. وفي الطريق إلى مكناس انتفضت قبائل "كروان" التي كانت تتعرض للقوافل التجارية، فتم السيطرة على تمردهم وإخماد انتفاضتهم، نفس الشيء وقع عند وصوله لمدينة مكناس، حيث فوجئ السلطان بانتفاضة طوائف بني مطير المحصنين بين تضاريس الجبال بمواقع إستراتيجية، كانوا يشنون منها حرب عصابات، حيث تمكن السلطان من إخماد حركتهم المتمردة إلا أنهم ظلوا يناوشون المخزن المحلي بين الفينة والأخرى. بدورها مدينة فاس في هذه الفترة عاشت قلاقل وفوضى بعد وصول السلطان، تمثلت في السرقة و نهب الأموال والسطو على ثروة كبار الأغنياء، حيث تصدى المولى الحسن الأول لهذا التمرد وانتهت العملية بالصلح.

انتفاضة أخرى اندلعت بقيادة المسمى "بوعزة الهبري" بناحية تازة، والذي كان ينعت آنذاك بـ "الساحر" للتأثير على مريديه وأتباعه، وتم التصدي لهذا التمرد عبر منطقة بني وارين إلى حدود غياثة،  حيث اضطر السلطان للإستقرار في منطقة تازة للبحث عن زعيم التمرد، بين جبال الريف و صخرة وجبال بني وارين إلى أن تم القبض عليه في هوارة بالقرب من تازة. وبرجوع المحلة السلطانية إلى فاس اندلع تمرد قبيلة بني يزناسن وعرفت مقاومة شديدة برآسة قائدهم البشير بن مسعود إلى أن تم اعتقاله سنة 1876 .

لقد كان عرش السلطان المولى الحسن الأول على صهوة جواده، من خلال ما سجلته الوثائق التاريخية عن "الحركات السلطانية" وإخماد الإنتفاضات والتمردات في البلاد، بالإضافة إلى الحملات العسكرية المتكررة إلى سوس وتادلة وأحداث أيت سخمان وغيرها، أي أن السلطان عانى كثيرا من ذلك لكنه عرف كيف يتعاطى معها وإخمادها وعقد الصلح مع أطرافها بوساطة شرفاء "دار الضمانة" سواء من الوزانيين أو الركراكيين أو التيجانيين أو الغليميين وغيرهم، وبين المخزن المحلي بأمر من السلطان .

تكالب الدول الإمبريالية على المغرب: التي كانت تتربص بالبلاد لاستغلال مواردها ومواقعها الإستراتيجية ،وكان المغرب آنذاك يعيش على إيقاع عدة مشاكل أفرزتها الإمتيازات والتنازلات في سياق ما يعرف بنظام الحماية الديبلوماسية والقنصلية على إثر مؤتمر مدريد سنة 1880، هذا النظام الذي مكن الدول الأوربية من تطبيق سياسة استيطانية تسمح لجاليتها بالإستقرار وامتهان السياسة والصناعة والتجارة و التحوز على العقارات، وحماية بعض المواطنين المغاربة التابعين لها، مما أدى إلى توتر العلاقات بين المغرب وتلك الدول الأوروبية، نتج عنه التدخل في شؤونه الخاصة، وإقرار غرامات وضرائب.

إن المتن العيطي/ الشعري "شْرِيفِي سِيدِي حَسَنْ/ صْلَحْتِي وْ صَالَحْتِي/ وْطَاوَعْتِي الْبٌلْدَانْ"، له حمولة ودلالات سياسية واقتصادية، و رمزية اجتماعية ودينية في ظل كل الإكراهات التي تناولنا سياقها التاريخي خلال فترة حكم السلطان المولى الحسن الأول، لذلك يرى ضيف الجريدة حسن الزرهوني أن "بعض الفنانين من شيوخ العطية لا يتناولون في غنائهم هذا المتن العيطي أو يمرون عليه مرور الكرام، بل أن منهم لا يستحضر هذه الحمولة"...