في عهد سنوات الرصاص كان الجنوب الشرقي للمغرب، مجرد «مزبلة» تستعملها الدولة للتخلص من معارضيها المدنيين منهم والعسكريين. ولم تكن السلطة العمومية تنظر إلى أقاليم: ورزازات وزاكورة وتنغير والراشيدية، كمجالات ترابية زاخرة بالطاقات والمؤهلات والإمكانات. كما لم تكن تنظر إلى سكان هذه الأقاليم بوصفهم مغاربة لهم حقوق مثلما عليهم واجبات. بل كانت تعتبرهم مجرد «خماسة» في الخدمات التي تتطلب الأشغال الشاقة في أوراش البناء والحفر والأفران، أو «كسالة» في الحمامات الشعبية لتصديرها نحو باقي مدن المغرب.
من هنا الفظاعات الكبرى التي ارتكبتها الدولة في حق الجنوب الشرقي، الذي تحول في عهد سنوات الرصاص إلى مجرد معتقل رهيب (من أشهرها سجون: تازمامارت - أكدز - قلعة مكونة - تاكونيت وغيرها من السجون السرية).
ومع طي سنوات الجمر، كان الأمل أن يتصالح المغرب مع مجاله الترابي بالجنوب الشرقي عبر الإنصاف الترابي وجبر ضرر ساكنة هذا الشريط "المحكور"، من خلال تبني "مخطط مارشال" لضمان المساواة في الإنفاق العمومي بينه وبين كافة التراب الوطني.
لكن للأسف، لم يتم سوى الإكثار من القيادات والعمالات بالجنوب الشرقي لضبط السكان أكثر وفق تقطيع ترابي "مخدوم"، (تم إحداث عمالة تنغير بعد اقتطاعها من ورزازات ، وخلق زاكورة بعد فصلها هي الأخرى من ورزازات، وإحداث عمالة ميدلت التي جردت من مجال الراشيدية)، بدل الإكثار من المهندسين والأطباء والأساتذة والبيطريين، والإكثار من الأوراش المدرة للدخل والمساعدة على إنعاش السياحة بهذا الحوض الجغرافي.
وهنا يطفو على السطح ملف "نفق تيشكا"، الذي يعد أحد أهم الأوراش المهيكلة لهذه الأقاليم المنكوبة. فمنذ سنين والحكومات المتعاقبة ترفض إدراج إنجاز "نفق تيشكا" في الأجندة العمومية، لسبب بسيط يتجلى في أن الميزانية العامة للدولة لا توزع بمنطق إنصاف المجالات الهشة، بقدر ما توزع وفق مبدأ :" للي مو في العرس ما يباتش بلا عشا".
وبما أن هذه الأقاليم الأربعة: "وارزازات، زاكورة، تنغير والراشيدية"، لا تتوفر على لوبي سياسي واقتصادي قوي قادر على الضغط على السلطة المركزية لبرمجة إنجاز هذا النفق، فإن 1.345.671 نسمة (أي ما يمثل 4% من سكان المغرب)، كتب لهم أن يعيشوا بالجنوب الشرقي في عزلة تامة عن باقي التراب الوطني.
وتزداد «الحكَرة» إيلاما، حين بادرت السلطة المركزية إلى تحويل الجنوب الشرقي إلى أكبر مضخة لإنتاج الطاقة الشمسية بالعالم، وأكبر حقل لإنتاج تمر "المجهول" وأكبر مجال للإنتاج المعدني. وبدل أن تكون هذا المشاريع الضخمة فأل خير للتصالح مع الجنوب الشرقي، تحولت هي الأخرى إلى عنوان يكرس استمرار النظرة التحقيرية للحكومة لهذا الشريط.
لنترك الأرقام تتحدث:
أولا : إقليم ورزازات يمثل 2.7 % من مساحة المغرب.
ثانيا: إقليم زاكورة يمثل 3.2% من مساحة المغرب.
ثالثا: إقليم تنغير يشكل 1.8% من المساحة الإجمالية للمغرب.
رابعا: إقليم الراشيدية يشكل 8.4% من مساحة البلاد.
ثانيا: إقليم زاكورة يمثل 3.2% من مساحة المغرب.
ثالثا: إقليم تنغير يشكل 1.8% من المساحة الإجمالية للمغرب.
رابعا: إقليم الراشيدية يشكل 8.4% من مساحة البلاد.
أي أن هذه الأقاليم الأربعة المعنية بملف "نفق تيشكا" تمثل مجتمعة 16.1 % من مساحة المغرب ككل.
أليس عارا على الحكومة وعلى صناع القرار، أن نترك 16% من تراب المغرب غير مرتبط ببنية طرقية آمنة وسريعة وجذابة؟ أليس من حق 4 % من سكان المغرب أن يحظوا بالتفاتة جادة من الحكومة عبر الإعلان الرسمي عن مونطاج مالي ومؤسساتي لإخراج هذا الورش الكبير لحيز الوجود في أقرب وقت؟
ماالفرق بين جهة درعة وجهة الشمال؟!
ها هي طنجة تطوان، فقد كانت هذه الجهة إلى حدود عام 2000، أفظع من حيث البنية الطرقية مقارنة مع الجنوب الشرقي، فإذا بالإرادة السياسية تحقق المعجزات، لدرجة أن محور طنجة تطوان يشكو حاليا تخمة في البنية الطرقية (أوطوروت، تيجيفي، طرق سريعة ، مدار ساحلي، تثنية المحاور الكبرى الرابطة بين المدن، قناطر، أنفاق، موانئ، إلخ...).
ها هي طنجة تطوان، فقد كانت هذه الجهة إلى حدود عام 2000، أفظع من حيث البنية الطرقية مقارنة مع الجنوب الشرقي، فإذا بالإرادة السياسية تحقق المعجزات، لدرجة أن محور طنجة تطوان يشكو حاليا تخمة في البنية الطرقية (أوطوروت، تيجيفي، طرق سريعة ، مدار ساحلي، تثنية المحاور الكبرى الرابطة بين المدن، قناطر، أنفاق، موانئ، إلخ...).
فلماذا لا يتم إسعاد سكان ورزازات وتنغير وزاكورة والرشيدية هم الآخرين؟ أليسوا هم كذلك مغاربة؟!
قد يقول قائل إن "نفق تيشكا" سيكلف غلافا ماليا مهما (بين 10 و8 ملايير درهم). وهذا قول واه ومردود، لأن سيادة الدولة لا تقاس بالمال، ولأن تلحيم الروابط بين الدولة والشعب لا يقاس بغلاف مالي.
ماذا تمثل 8 أو 10، أو حتى 12 مليار درهم لسكان أربعة أقاليم بالجنوب الشرقي للمملكة؟ إن المبلغ لن يتجاوز تخصيص6000 درهما من الخزينة العامة لكل مواطن بورزازات وتنغير وزاكورة والراشيدية.
ألم تمنح الحكومة 7 ملايير درهم لوجدة لإنجاز أوطوروت فاس؟ ألم تخصص الحكومة 6 ملايير درهم لربط أكادير بمراكش عبر الأوطوروت؟ ألم ترصد الدولة 4 مليار درهم لربط مدينة الجبهة بتطوان عبر المدار الساحلي؟ ألم تخصص الحكومة 4 ملايير درهم لتشبيك تطوان والمضيق وطنجة بالطرق السيارة والقناطرالمعلقة؟ ألم تبرمج الحكومة غلاف 10 ملايير درهم لإنجاز الطريق السريع بين تيزنيت والداخلة؟ ألم تضع السلطات 4 ملايير درهم لربط الحسيمة بتازة؟ ألم تنفق 6 ملايير درهم لإنجاز أوطوروت برشيد بني ملال؟ ألم تخصص الحكومة 20 مليار درهم لإنجاز الخط الأول من قطار التيجيفي بين طنجة والبيضاء ؟!
إذا كانت هذه المشاريع الرائعة والمحمودة مكسبا لكل المغاربة، فما المانع من تخصيص 8 أو 10 ملايير درهم لإنجاز "نفق تيشكا"؟ أليس سكان ورزازات وتنغير وزاكورة والراشيدية مغاربة مثلنا، من واجب الحكومة أن تهيئ لنا سبل التواصل معهم، وتضمن لنا الحق في التنقل من وإلى المغرب الشرقي في بنية طرقية سريعة وآمنة؟!
إن التلكؤ في تنفيذ مطلب "نفق تيشكا" والتعثر في إخراجه لحيز الوجود، سيظل وصمة عار تطارد كل مسؤول خان الأمانة، وخان القسم أمام الله وأمام الوطن وأمام الملك.