الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

"وشهد شاهد من أهلها" في تونس… ومحللون جزائريون يسقطون الطائرات فوق القنوات!

"وشهد شاهد من أهلها" في تونس… ومحللون جزائريون يسقطون الطائرات فوق القنوات!

تنفس المغاربة الصعداء، وهم يرون طائرات شحن مُحمَّلة باللقاحات ضد فيروس «كورونا» تأتي أخيرًا من المشرق، وبالضبط من الهند والصين؛ وأثلج صدورهم أكثر مشهد توزيع حصص اللقاح على مختلف الأقاليم في ظروف صحية وأمنية دقيقة.

 

وبما أننا بدأنا المقال بالطائرات، فيبدو أن الطيران والتحليق هو حديث الساعة في عدد من القنوات التلفزيونية، إذ وجدنا قناة تونسية تخصص إحدى حلقاتها للمغرب، واصفة إياه بعبارة «يطير... يطير... يطير» حسب كلمة منشطة البرنامج التي استعارت التعبير الفرنسي s’envoler بمعنى يحلّق بعيدًا.

 

وخلال تلك الحلقة، بَدَا الإعلاميّ التونسي محمد بوغلاب معجبًا بمسار التنمية الجديد في المغرب، وبالتوجّه الإفريقي لهذا البلد، وأعطى أمثلة على ذلك مُقارنًا بين المغرب وتونس: فعلى مستوى الدبلوماسية السياسية، يتوفر المغرب على 24 سفارة في دول أفريقية جنوب الصحراء. بينما لا تتوفر تونس سوى على ثماني سفارات فيها. وعلى مستوى «الدبلوماسية الدينية» يلاحظ الامتداد الروحي للمغرب في غرب القارة الافريقية لا سيما من خلال حركة التصوف، كما أن الرباط أنشأت معهدًا لتدريب المرشدات والمرشدين الدينيين، واستقطب له طلبة من مالي وتونس وغينيا وكوت ديفوار وغيرها، وأبرمت أيضا اتفاقية مع مالي لتدريب 500 إمام في المغرب.

 

وعلى مستوى «الدبلوماسية الثقافية» يقام سنويا مهرجان خريبكة للسينما الافريقية منذ 1977 ويتميز بحضور إفريقي لافت وبحفاوة بالغة للسينمائيين الأفارقة. أما نحن ـ يقول الإعلاميّ التونسي بوغلاب ـ فحين يأتي عندنا سينمائيون أفارقة جنوب الصحراء يجدون أنفسهم غرباء، حتى وسائل الإعلام لا تهتم بهم، وإنما تبحث عن النجم المصري والنجمة اللبنانية. وبخصوص «الدبلوماسية الأمنية» يوفر المغرب طواقم أمنية لرؤساء دول أفريقية، كالغابون وغينيا الاستوائية.

 

أما في ما يتعلق بـ«الدبلوماسية الاقتصادية» فيلاحظ الإعلامي التونسي أن المغرب يعدّ ثاني أكبر مستثمر أفريقي في القارة الأفريقية بعد جمهورية جنوب أفريقيا، والاستثمارات المغربية في دول جنوب الصحراء تتجاوز 50 في المئة من حجم استثمارات البلد ككل في الخارج، وتعدّ ثماني بنوك مغربية ضمن أهمّ 10 بنوك أفريقية منتشرة في القارة الأفريقية، كما أن مطار الدار البيضاء يُعتبر الرابع أفريقيا من حيث حجم الرواج، بعد مطارات جوهانسبورغ والقاهرة وكيب تاون، بينما يوجد مطار تونس في المرتبة العاشرة.

 

وقال بوغلاب: «حين يقارن المرء بين مطار الدار البيضاء ومطار تونس «قلبو يوجعو» (يحس بوجع في القلب) ملاحظا أنك حين تركب طائرة للخطوط الملكية المغربية لا بد أن تجد فيها ذوي البشرة السوداء، وهو ما يدخل ضمن البعد التواصلي والتوجه الأفريقي للمغرب.

 

"المخزن" والشعب والعسكر!

الواقع أن ما تحدّث عنه الإعلامي التونسي هو شهادة صادقة ورؤية موضوعية ومنصفة للواقع، ولكنّها غيض من فيض. فالتحوّل الذي يشهده المغرب يشمل مجالات عديدة ويتحقق بإيقاع سريع.

 

صحيح أننا حين ننظر إلى الجزء الفارغ من الكأس، نسجل نقاط ضعف كثيرة على الأداء الحكومي، وما يتصل به من استمرار للفقر والبطالة والفساد الإداري وضعف الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم وغيرها.

 

غير أن ثمة دينامية قوية من أجل لفت الانتباه إلى هذه النقاط المعتمة، من خلال وسائل الإعلام والمجتمع المدني والأحزاب السياسية والنقابات العمّالية والقِطاعية والهيئات الحقوقية الأهلية والرسمية والمنظمات الشبابية ومؤسسات الحَوْكَمَة المتعلقة بالنزاهة ومحاربة الرشوة وكذا تلك المتعلقة بضبط قواعد المنافسة التجارية أو غيرها.

 

بمعنى أنه ليس هناك صوت واحد مهيمن على الساحة، كما هو الحال في عدة أقطار عربية؛ وهو ما يجعل الكثيرين يُفاجَؤون حين يجدون انتقادًا حادًّا للدولة المغربية في إحدى وسائل الإعلام، لأنهم يعلمون أن ذلك مستعصٍ في بلدانهم، خاصة تلك التي يحكمها العسكر.

 

بعض المحللين الجزائريين ممّن يتحدثون في التلفزيونات العربية والعالمية، حين يتطرقون إلى موضوع ذي صلة في المغرب، يقولون إنهم يميّزون بين «المخزن» والشعب، وكأنهم يكتشفون شيئا عجبًا.

 

والحال أن المغاربة أنفسهم يُقيمون هذا التمييز، ويوجّهون النقد صباح مساء «للمخزن» الذي يعني تحالف السلطة السياسية مع السلطة المالية. لكن أولئك المحللين الجزائريين لا يجرؤون على التمييز بين الشعب و"العسكر" في بلدهم، فهم يتماهون مع خطابه ومواقفه، ولا يمكنهم الخروج عن المربّع الذي يرسمه لهم.

 

الطريف في الحوارات التلفزيونية التي يشارك فيها محللون من الجزائر أنهم يُطبّقون سيرة «مُسقِط الطائرات» التي كان المغاربة يطلقونها على مُذيع تلفزيوني شهير.

 

وأصل القصة أن تلميذا لا يتقن غير وصف الحديقة، فكلما طلب منه الأستاذ نصًّا تعبيريا يصف فيه منظرا ما، إلا وأدخل فيه وصف الحديقة بورودها وأشجارها ومياهها. فكّر الأستاذ في حيلة يتخلص فيها التلميذ من تلك العادة، فطلب من التلاميذ أن يحكوا سفرهم عبر الطائرة.

 

وفعلا، شرع التلميذ المعني في الحديث عن الطائرة وتحليقها في السماء، ثم كتب أن عطبًا طرأ عليها، فسقطت فوق الحديقة، وشرع يسهب في وصف الحديقة!

 

هذا هو حال المحللين الجزائريين هذه الأيام، إذْ أُصيبوا بـ "متلازمة" اسمها المغرب. فحين يُسأَلون في برنامج حواري عن قضية ما، يتركون السؤال جانبًا، ويركّزون حديثهم عن المغرب وموضوع الصحراء المغربية.

 

سُئل أحدهم أخيرًا عن الأوضاع في ليبيا وتونس، فأجاب أن وزير خارجية بلاده قام بزيارة لجمهورية جنوب إفريقيا، ومنها لمملكة ليسوتو التي قال إنها اتخذت موقفا مشرفًا إزاء "العدوان المغربي على الصحراء الغربية"!

 

مشاهد للتسلية!

محلل آخر استضافته قناة جزائرية، سأله الإعلامي عن زيارة وزير الخارجية الجزائري إلى ليبيا، وعمّا إذا كانت الجزائر تميل أكثر نحو حكومة طرابلس، فترك السؤال جانبًا، واختار أن يتحدث عن قرار بورندي إغلاق سفارتها في العيون، وعن موقف الاتحاد الإفريقي من الصحراء الغربية الذي هو الموقف الجزائري نفسه، وفق تعبيره!

 

مثل هذه التصريحات الغريبة صارت موضوع تندر في المغرب، إذ تتناقل عبر شبكات التواصل الاجتماعي، للبرهنة على أن العديد من الأصوات الجزائرية «مبرمجة» نحو هدف أوحد: مهاجمة المغرب، من أجل التغطية على الأوضاع الداخلية في البلد.

 

وما يدل أكثر على أن المسألة تتعلق بخطة مرسومة، لكنها غير محكمة الإتقان، ما يقوم به التلفزيون الجزائري منذ أسابيع من «فبركة» للصّور وبثها على أساس أنها هجومات «للبوليساريو» على الجيش المغربي المُرابط خلف الجدار الأمني.

 

وقد وجد المغاربة في هذه المشاهد فرصة للتسلية والترويح عن النفس، مع استمرار إغلاق المسارح ودور السينما والقاعات الرياضية… تمامًا، مثلما يتسلّون بهرطقة مَن يتحدثون باسم جبهة «البوليساريو» في القنوات التلفزيونية، انطلاقًا من مدريد أو باريس أو الجزائر العاصمة، ويقعون في حيص بيص حينما يمطرهم الإعلاميون المحترفون بالأسئلة الوجيهة!

 

عن "القدس العربي"