الجمعة 26 إبريل 2024
سياسة

أحمد الفرحان: في الحاجة إلى تحديث المجال السياسي وفصل الدين عن السياسة

أحمد الفرحان: في الحاجة إلى تحديث المجال السياسي وفصل الدين عن السياسة أحمد الفرحان
قال الدكتورأحمد الفرحان، أستاذ الفلسفة في جامعة بن طفيل، "إننا  في حاجة إلى تحديث المجال السياسي وفصل الدين عن السياسة، وإقامة مؤسسات سياسية مدنية فاعلة، وهذا ما ندعوه بالحداثة السياسية والقانونية. أما البقاء في هذا الوضع الانتقالي الذي يطبعه الارتباك والتردد.. بالتأكيد ستظل الحركات الدينية تمارس السياسة بالدين كلما وجدت الفرصة سانحة لذلك" .. وفي هذا الحوار الذي أجرته معه "أنفاس بريس" يسلط الفرحان الضوء أكثرعلى "حركة الإصلاح والتوحيد" المغربية.
 
تدعي حركة الإصلاح والتوحيد أنه لا علاقة لها بالعمل السياسي، وهي مجرد ذراع دعوي، لكن واقع الحال ينفي هذا الادعاء بدليل بلاغها السياسي الأخير في موضوع قرار الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص مغربية الصحراء. كيف تقرأ حربائية هذه الحركة؟
 يجب أن نقف هنا عند موضوع البلاغ الذي أصدرته حركة التوحيد والإصلاح الذي يتعلق بالدفاع عن القضية الفلسطينية، وعلى الأخص القدس الشريف ضد الاحتلال الصهيوني وجرائمه في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، وهذا الأمر تشترك فيه كل القوى الحية بالبلاد دينية كانت أم علمانية، بما فيها تصريح الديوان الملكي الذي يتعهد بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني العادلة وعن القدس الشريف في إطار حل إقامة الدولتين. ورغم أن المنطلقات مختلفة دينية أو علمانية، فإن الاشتراك في نفس الموقف نابع من البعد الحقوقي للقضية الفلسطينية، ولكن عندما نتدرج قليلا في فهم طبيعة تصور الحقوق سنقف عند الاختلافات العميقة والجذرية والحادة بين تصور حقوقي وضعي وتاريخي وتصور حقوقي لاهوتي غير تاريخي. وهذا التصور اللاهوتي غير التاريخي الذي تنطلق منه الحركات الدينية في الدفاع عن القضية الفلسطينية هو ما يدفع بها إلى اتخاذ مواقف سياسية، لأن الحق في نظرها لا يمكن فهمه إلا من داخل اللاهوت السياسي.
 
 
إلى أي حد تستطيع الحركة الفصل بين الدعوية الدينية والممارسة السياسية؟ 
هذا يتوقف على طبيعة المجال السياسي الذي تمارس فيه نشاطها الدعوي. فالدولة والمجتمع المغربي يعيشان معا مرحلة تاريخية انتقالية بين الدولة السلطانية والمجتمع التقليدي وبين دولة المؤسسات والمجتمع الحديث، وهذه المرحلة الانتقالية التاريخية مطبوعة باللون الرمادي الذي يشير إلى عدم الوضوح وعدم القدرة على التمييز بين التقليدي والحديث، وبالتأكيد فهذه الحركة تمثل التصور التقليدي للدولة والمجتمع، وترى أن من واجبها الشرعي تقديم النصح لأولي الأمر، أي الحكام. إذن المسألة أعقد مما نتصور، ومهما حاولت الادعاء أنها بعيدة عن العمل السياسي فهو ادعاء لا ينفصل بدوره عن الفهم الديني الشرعي للسياسة، يعني عن اللاهوت السياسي الذي يشكل خلفية فكرها وممارستها.
 
هناك من يعتبر أن حركة التوحيد والإصلاح هي الحزب السياسي الحقيقي الذي يملي أجندته على قيادة العدالة والتنمية (خرجة الوزير أمكراز) وهي الحزب الأغلبي الذي يحكم بدل البيجيدي، والدليل البلاغ الأخير؟
حزب العدالة والتنمية لا يخفي أن مرجعيته إسلامية، ولكن الإسلام بالمعنى الضيق الديني الشرعي، أي الذي يعتمد الشريعة في تحديد مرجعيته السياسية، ويتحدث أيضا أن الشريعة التي يعتمدها قائمة على الاجتهاد وفق حاجيات العصر ومتطلباته. وهنا يمكن أن تتساءل ما هو الفقه السياسي الذي يعتمد عليه في بناء إيديولوجية حزبه؟ بالتأكيد هو الفقه السياسي الذي راكمته حركة التوحيد والإصلاح منذ نشأتها بأسماء أخرى، ويجب ألا ننسى أن أطر الحزب المؤسسين كانوا أعضاء ناشطين في الجماعة الإسلامية. الأحزاب الدينية في العالم العربي والإسلامي لا تشتغل دون حركة دينية فكرية تؤسس لإيديولوجيتها في الممارسة السياسية. ولهذا ليس غريبا أن تكون حركة التوحيد والإصلاح هم أهل الحل والعقد في الحزب. لكن هل تستطيع أن توجه الحزب كما تريد؟ أعتقد بأن داخل الحزب هناك جيوب مقاومة صنعها الانخراط في الممارسة السياسية الانتخابية القائمة على الاستقطاب والمصالح، وبهذا يمكن أن نتوقع عند اتساع تناقض المصالح داخل الحزب أن يشهد تحولات عميقة في علاقته بالحركة.
 
ألا ترى أن بلاغ الحركة يحمل إملاءات سياسية على الملك، ويشكل ذلك تدخلا سافرا في مهام ومسؤولية المؤسسات السياسية؟
حركة التوحيد والإصلاح هي حركة دينية تقليدية وتعمل بمبدأ الدين نصيحة. وهي تعتبر نفسها أنها تقدم النصيحة درءا لمفاسد التطبيع التي قد تصل إلى ضرب استقرار الوطن ووحدته. ولكن لأن الحركة تقليدية فهي تربط بين النصح والتحذير، وهنا يجب أن نحاول لماذا كان هذا الربط بين النصح والتحذير؟ إن اللاشعور السياسي للحركة يقوم على فكرة الجهاد لتحرير القدس الشريف. ولهذا فأسلوب البلاغ فيه توتر شديد بين الخطاب السياسي المدني الحديث الذي يقوم على مفاهيم الوحدة الوطنية والسيادة السياسية...والخطاب السياسي الديني التقليدي الذي يقوم على النصح والتحذير وإشهاد الله ورسوله على أداء الواجب الشرعي أمام الله ورسوله وأئمة المسلمين... ويغيب عنه الحديث عن حل القضية الفلسطينية بما فيها القدس في إطار الشرعية الدولية، بل يتحدث عن مسؤولية أمير المؤمنين في رئاسته للجنة القدس، وبالتالي فهو خطاب سياسي يتأسس على فقه الجهاد.
 
لماذا الدولة تسمح لحد الآن لمثل هذه الحركات استغلال الدين في السياسة ضد مؤسسات الدولة؟
حسنا، إذا قلنا الدولة تتسامح، فهذا تجاوز للقانون، لأنه يجب على الدولة أن تسهر على حفظ الحقوق وتطبيق القانون من خلال المؤسسات السياسية الدستورية. ولكن دعني أتساءل معك عن القانون الذي يجب على الدولة تطبيقه. أليس هو بدوره مازال يخلط بين الدين والسياسة؟ أليس القانون الجنائي مثلا مازالت بعض بنوده التي تحد من حرية الأفراد تستند إلى المرجعية الدينية؟ كما قلت منذ البداية أن الوضع التاريخي الانتقالي للدولة والمجتمع السائرة نحو الدولة المدنية والمجتمع الحديث هو الذي يجعل مثل هذا الخلط والإرتجال يظهر في الممارسات السياسية. كما أن المؤسسات السياسية المنتخبة للدولة مازالت بعيدة عن التداول والنقاش واتخاذ القرارات في القضايا المصيرية للبلاد، وعلى الخصوص قضايا السياسة الخارجية، ولهذا فإن المؤسسة الملكية هي التي تتكفل بذلك، والمؤسسة الملكية بدورها تنبني على الشرعية الدينية الممثلة بإمارة المؤمنين والشرعية الحديثة الممثلة بالدستور، وهذه الحركات الدينية تجد في هذا الوضع السياسي والدستوري الملتبس مجالا لممارسة نشاطها السياسي.