السبت 23 نوفمبر 2024
منوعات

تعرف على جزء من ثقافة الكسكس المغربي "كلمة سر" حضارة المغاربة على امتداد قرون من الزمن

تعرف على جزء من ثقافة الكسكس المغربي "كلمة سر" حضارة المغاربة على امتداد قرون من الزمن الزميل أحمد فردوس، رفقة طبق كسكس مغربي
اعتراف اليونيسكو بطبق الكسكس يوم 16 دجنبر 2020، كوجبة عالمية وتراث إنساني لامادي يرد الاعتبار لأكلة تمثل نمطا للعيش وإرثا ثقافيا توارثه المغاربة عبر قرون. الكسكس المغربي ليس مجرد وجبة تفنن فيها المغاربة على وجه الخصوص في منطقة المغرب العربي، بل هو "كلمة السر" لعمق حضارة مغربية كانت مترامية الأطراف من النيجر إلى أبواب طرابلس وحتى وراء البحر بالتخوم الإسبانية. الكسكس المغربي تحول إلى لوحة تشكيلية بألوان خضره الزاهية وتشكيلاته المختلفة وطقوسه المتنوعة من منطقة إلى أخرى. اليونيسكو لم تقم إلى بتقديم بصمة المصادقة على أكلة تحمل الكثير من الفن والسحر.
الكُسْكُس "سُكسُو" بالأمازيغية من أشهر الأطباق في منطقة المغرب العربي، وهو وجبة غذائية تعد من سميد القمح، أو الذرة أو الشعير، على شكل حبيبات صغيرة، تطبخ بالبخار بواسطة آنية "الكسكاس" الذي يوضع فوق "القدر/ لخديمة/ البرمة" التي تستوعب مكونات الخضر واللحم والمرق الممزوج بالتوابل الأساسية لهذه الوجبة.
ومن المعلوم أن وجبة "الكسكس" كانت وجبة غذائية لدى أمازيغ شمال إفريقيا، قبل أن ينتقل خلال القرون الموالية إلى الشرق الأوسط وجنوب إفريقيا، ثم إلى شبه الجزيرة الإيبيرية مع الفتح الإسلامي ولاحقا إلى القارة الأمريكية مع الرحلات الاستكشافية البرتغالية.
بعد اعتراف اليونسكو بموسيقى كناوة كتراث اللامادي لتلج العالمية، يأتي الدور من طرف هذه المنظمة على طبق الكسكس لتعترف به وتصنفه يوم 16 دجنبر 2020، كتراث اللامادي أيضا، بحضور وزير الثقافة الفردوس، وسفير المغرب لدى هذه المنظمة، وإن كان المكسب مغاربيا، فهو حسم في التنافس القائم بين المغرب والجزائر حول من يفوز بربط هذا الطبق بثقافته.
المكون الثقافي أصبح عاملا مساهما في الإنتشار السهل والسريع لصورة البلد إقتصاديا وسياسيا والتعريف به إيجابا بالمنتظم الدولي، بدون مجهود مالي، أو دعائي، بل بات من العوامل الأساسية المنتجة للثروة عبر الملتقيات، والمهرجانات حين يتعلق الأمر بالموسيقى التقليدية التي منها كناوة ، عيساوة ، الملحون، الأندلسي، الإنشاد الديني، العيطة. 
هي أوراش تنتظر من يشتغل عليها لأجل أن تلج  العالمية، لغاية استثمارها في الديبلوماسية الثقافية، التي تخدم ما هو اقتصادي، وسياسي، وتعمل على نشر النموذج الحضاري للمغرب الغني بثرائه الروحي الذي ينعكس على عاداته وطقوسه، و موسيقاه، وزينته، ومطبخه. 
حيث أن الزمن الذي يتم التحضير فيه لهذا الطبق ينساب إنسيابا تلقائيا مع زمن القداسة، فالكسكس ارتبط بيوم الجمعة كيوم مقدس عند المغاربة. و التدين الشعبي يعتبره عيدا للمسلمين، فكل حنطات الحرفيين والصناع التقليديين تتعطل، ويتوقف العمل بالإدارات خلال وجبة الغذاء، كما تحضر أطباق الكسكس ونقلها للمساجد، واستضافة الفقراء والمحتاجين يوم الجمعة بعد إقامة الصلاة.
يعتبر الكسكس بالنسبة للمغاربة طبقا أساسيا في الكثير من المناسبات الدينية، كصدقة نعي الميت، وإقامة المعروف، وخلال المواسم التراثية والدينية، وأثناء موسم الحصاد، وفي أعراس البادية، بل يكون له حضور حتى في الأعياد الدينية .
طبق الكسكس هو نتاج الحضارة المغربية التي تسعى دوما إلى التفرد، وإن كان البعض يشير إلى وجوده في بعض المناطق من فرنسا، وإيطاليا، قد يكون الأمر مقبولا باعتبار انتمائهما إلى حوض البحر الأبيض المتوسط، لكن البصمة المغربية تبقى حاضرة بقوة في إعداد وتقديم طبق الكسكس المميز للمطبخ المغربي الغني بأطباقه.
"والله ما قفلتي إلا فورتي"
تداول وجبة الكسكس في البادية المغربية ارتبط بمصطلحات و مفردات شعبية قديمة، لا يمكن الاستغناء عنها في ثقافة المطبخ المغربي، منها مثلا، أواني إعداده وتقديمه لأفراد الأسرة و كانت تصنع سابقا من مادة النحاس أو الطين و الخشب (لخديمة، أو القدر، و الكسكاس، و المغرفة، و القصرية)، حيث ارتبط إعداد الكسكس بمثل شعبي مغربي ضارب في القدم القائل "والله ما قفلتي إلا فورتي"
تهيئ وجبة الكسكس عن طريق طهي "السميد" في إناء مثقب يطلق عليه اسم "الكسكاس"، وهو إناء نصف كروي الشكل بقاع يحتوي على ثقوب صغيرة تسمح بصعود البخار المنسم بعطر المرق من الإناء السفلي إلى مادة "السميد"، ويوضع "الكسكاس" فوق إناء مليء بالمرق، يسمى (القدر/ لخديمة / البرمة)، وهي آنية يطابق مقاس فوهتها قعر "الكسكاس"، ولحجز البخار ومنع تسربه يتم أقال الفراغ بين "الكسكاس" و"البرمة" بشريط طويل من القماش يطلق عليه اسم "القفال".
"ثلاثة دحادح.. عايشة وصالح"
 في الأحاجي المغربية البدوية كانت الجدة تمتحن أحفادها وتطلب منهم فك لغز "حاجيتك على ثلاثة دحادح وعيشة وصالح" . ونفتح القوس للتفسير فـ (الدحادح في لغتنا الدارجة هي "لمناصب" التي يوضع عليها القدر وفي غالب الأحيان تكون عبارة عن ثلاثة حجارة تشكل (مثلث) هندسي لـ (الكانون) تشعل تحتها الطباخة نار الطهي بواسطة مخلفات براز الأبقار (لوكيد) وبريو الغنم، أما بالنسبة لـ (عيشة وصالح) فهما يشكلان جزأين منفصلين، وهما القدر الذي يوضع فيه اللحم والخضر والتوابل كجزء سفلي، أما الجزء الفوقي فيسمى الكسكاس الذي يوضع فيها فتيل الكسكس سواء من مادة القمح أو الذرة أو بلبولة الشعير.
البرمة( القَدْرة) والكسكاس والقصرية والمغرف( لمْعليلقَة)
بخصوص المغرفة فهي الآلية التي يتم بها سقي طعام الكسكس، وبواسطتها يتم إخراج اللحم والخضر من وسط المرق (لبلول)، وبالمغرفة يتم بناء النموذج الهندسي لتقديم الكسكس في آنية "الكصرية"، حيث تبدو للضيف مثل لوحة تشكيلية بسبع خضاري تغطي اللحم (سواء دجاج بلدي أو لحم الغنم والبقر)...ومن الأمثال الشعبية المذكورة في مجال البناء الهندسي للكسكس "عالي عالي يفرحو بيك الدراري"، وهناك مثل يقال للضيف الذي يحضر صدفة أثناء تناول طعام الكسكس "ضاربك لمرا بمغرف"
مازالت بعض المناطق بالبادية المغربية تقدم الكسكس في أواني "قصريات" من خشب العرعار أو الطين، ولا يمكن حملها إلا من طرف عدة أشخاص أو نقلها فوق ظهر البعير، (بواسطة شبكة) نظرا لاتساع مساحة شعاعها في علاقة مع صفة الكرم. وهذا النوع من قصريات الكسكس يقدم في مواسم ركراكة (الشياظمة) وفي مناطق عبدة ودكالة وأحمر..ويتم تزينها بالمكسرات والحلويات وأشياء أخرى حسب القدرة.
"الكنة" أجود جزء يفضله خبراء تناول وجبة الكسكس في قصرية الطعام
مذاق ولذة الكسكس المغربي مرتبط بحداقة (حداكة) ومهارة المرأة المغربية في إعداد وجبته ويقال: "إيد الحادكة في الطعام إيدام"، وهذا اللذة والنكهة الساحرة تعكسها فخامة آنية "الكصرية" وأدوارها الإيجابية في المحافظة على لذة الطعام الذي يؤكل بالأيدي دون ملاعق أو شوكات، و لا يفهم في اللذة والمذاق إلا المتمرسون والخبراء في جودة "الكنة" (الكاف مثلثة) وهي ما يتبقى من طعام الكسكس في وسط "القصرية"، لأن "الكنة" تختزن عصارة المرق والخضر واللحوم، وتحافظ على حرارة سخونة الطعام، لذلك تجد البعض يفضل انتهاء الضيوف من الأكل لينقض على "الكنة" التي يتصاعد منها دخان حرارة الطهي.
بعض أنواع الكسكس المغربي
أنواع الكسكس المغربي متنوعة ومختلفة حسب المواد التي تدخل في إعداده، حسب فصول السنة، فأغلب المغاربة يفضلون في فصل الشتاء إعداد طبق الكسكس بطحين الذرة، وهذا أصعب أطباق الكسكس في الإعداد، ويفضله المغاربة بلحم الراس، ومختلف الخضر (اللفت المحفور، الجزر، الكرعة الدكالية، الدنجال، الفول، الطماطم...)، فضلا عن كسكس (بلبولة) طحين الشعير وبنفس المقومات مع تفضيل إضافي للحم المجفف ( قديد وكرداس) عيد الأضحى. أما الكسكس بطحين القمح من النوع الرفيع، بلحم البقر أو الغنم بمختلف الخضر التي ذكرنا أعلاه، فيعتبر من الوجبات الأساسية طيلة السنة كل يوم جمعة في مناسبات احتفالية يتم تهييء كسكس بـ "التفاية" وهذا النموذج غالبا ما يقدم بعد وجبة الشواء، ويعتمد في إعداده على (تفاية) بالبصل والزبيب ومذاقه حلو (القرفة والسكر) حيث يستقيم مع لحم الدجاج البلدي. وكل أطباق الكسكس المغربي تقدم مع مشروب لبن البقر، بحيث يساعد على الهضم ويحمي المعدة من مضاعفات الدهون. بل أن هناك من يفضل "صيكوك" (الطعام باللبن) بعد وجبة الكسكس.