الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

اسمهان عمور: أسماءٌ في سجلات الميلاد، وهذه حكاية اسمي...

اسمهان عمور: أسماءٌ في سجلات الميلاد، وهذه حكاية اسمي... اسمهان عمور

أسماء كثيرة تظل لصيقة بأصحابها، قد يحدث أن تكون ظلا وفيئا، وقد يحدث أن تكون جهنم زمهريرا...

 

على عاتق الأولياء اختيار الاسم عن وعي، وكثير منهم انزلقوا في مكاتب المواليد الجدد فشهد عقد الميلاد أسماء يود حاملوها لو تخلصوا منها في دهاليز المحاكم.

 

زمان، كانت لائحة الاختيار لا تتعدى أسماء الأنبياء والصحابة والمجاهدين ومناصري العقيدة. وارتبطت أسماء الإناث بزوجات أولائك أو بناتهم تيمنا وتبركا.

 

في الأسر العريقة والميسورة، منحت الأسماء الدالة على البريق والجواهر لذوات البشرة السوداء، كياقوت وعنبر ومرجان... أما السلالة الأمازيغية فلم تجد حرجا في الجمع بين الأسماء العربية وأخرى أمازيغية. قد يتكرر الاسم الواحد في العائلة المتشعبة فروعها، ولا يشكل ذلك بأسا.. إذ لا يفرق بين أبناء العمومة إلا تاريخ الميلاد إن كان موثقا.

 

في تطور صارخ للمجتمع المغربي الذي انفتح على عوالم جديدة عبر المذياع والتلفاز، أصبحت الأسماء تحاكي أبطال الأفلام المصرية والمسلسلات اللبنانية والتركية، حيث أصبحت موردا لانتقاء جميل الأسماء حتى لو لم تنسجم مع حامليها.. فأميرة قد لا تعكس إلا ضنك العيش وليس البلاط الذي ترفل فيه؛ وجميلة قد لا تحمل صاحبته منه إلا الاسم لفرط قبحها..

 

هكذا تفننت الأسر في انتقاء أسماء ضخمت سجلات الميلاد، وضاعت أسماء أصيلة كشامة وكنزة وغيثة وراضية وأم الغيث لتحتويها أسر أخرى مؤمنة بتجذر السلالة.

 

أنا وجدتني حاملة لاسم استوقفني للسؤال طوال مسيرتي الدراسية أمام أساتذتي، مغاربة ومشارقة وأجانب. غابت عني الإجابة أنا المعنية، لأنني لم أتساءل مطلقا ما الذي جعل الوالد وهو في مكتب تسجيل المواليد أن ينزلق لسانه فيدون اسم اسمهان. هذا الاسم الذي اندس وسط أسرة امازيغية تعذر على أفرادها سلامة نطقه من فرط غرابته.

 

كنت الوحيدة الحاملة لهذا الاسم... لم ينافسني أحد، وكثيرا ما كنت مزهوة به حين يثني عليه أساتذتي مستغربين آنذاك، سنوات 60 70 و80، كيف تدحرج اسم مشرقي إلى سجلات الميلاد في المغرب الأقصى.

 

لم يكن الوالد الذي انتقى الاسم على دراية بالثقافة المشرقية، هو المنحدر من قرية لم ترتبط بشبكة الماء ولا الكهرباء. من صلب أب لا يعرف من الكتب إلا القرآن واللوح المصقول بالصلصال، وأم لا تجيد نطق العربية من فرط جهلها بها.

 

علمت بعد سنين طويلة أن الوالد المغرق في الأمازيغية والمنغمس في قاموس اللغة الفرنسية استهواه صوت اسمهان، وهي تغني "ليالي الأنس"، حين كان يلتقط عبر مذياعه الصغير ذبذبات الإذاعة؛ وحين وقف في مكتب تسجيل المواليد الجدد قفز الاسم لتكتب حروفه في شهادة ميلادي.. اسمهان..

 

فهل تكهن الوالد بأن الذبذبات التي أطلعته على اسم مشرقي، هو في الأصل فارسي، هي نفسها الذبذبات التي حملت اسمي إلى جمهور غرب الوطن وشرقه.

 

لك الرحمة والدي. أنت الذي مددت يدك مبكرا إلى رقعة في الشرق، وتحديت غرابة لفظ الاسم وسط عائلة تعثرت طويلا لتحسن نطقه.