الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد التويجر: على هامش أزمة الكركرات المفتعلة.. لا تساهل مع أبواق الإنفصال

محمد التويجر: على هامش أزمة الكركرات المفتعلة.. لا تساهل مع أبواق الإنفصال محمد التويجر
يؤشر التدبير المغربي الحكيم لأزمة معبر الكركرات المفتعلة، وتدخل قواتنا المسلحة الملكية في الوقت المناسب بطريقة سلمية لم تهدد سلامة المدنيين، لإعادة الأمور إلى نصابها، إلى وجوب إحداث تغيرات جذرية في سياسة تفاعل الجهات المغربية المقررة مع التحركات المناوئة التي سخرت - على مدى أزيد من أربعة عقود - كل الوسائل لعرقلة حل ملف الصحراء المغربية وبناء المغرب الموحد.
ظل المغرب محترماً لقرار وقف إطلاق النار، منذ إقراره سنة 1991 تحت إشراف الأمم المتحدة، ومعبراً علناً عن انفتاحه على كل المبادرات التي تقود إلى وضع حد لمأساة إنسانية حولت إخواننا المحتجزين في "مخيمات تندوف" إلى حطب حرب عدائية تبخرت معها آمال ساكنة المنطقة المغاربية في مباشرة تكامل إقتصادي متاح لو توفرت الإرادة السياسية اللازمة لدى من يحركون اللعبة من خلف ستار...
لكن الأسلوب المغربي المعتمد على "ضبط النفس"، وقبول الأصوات الداخلية المناوئة اللاهثة خلف سراب الإنفصال، صار محتاجاً إلى إعادة نظر، في ظل أن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به جلالة الملك محمد السادس قبل 14 سنة، يشكل أقصى ما يمكن أن يمنحه المغاربة بغاية إغلاق الملف بشكل نهائي في إطار السيادة الوطنية للمملكة.
- شطحات تستلزم أقصى درجات الصرامة والحزم
اعتدنا على شطحات البوليساريو الدورية، كلما اقتربت ذكرى انطلاق المسيرة الخضراء أو حان موعد عقد اجتماع لمجلس الأمن لتدارس قضية الصحراء، وما أزمة الكركرات إلا واحدة من تجليات هذه التسخينات للفت الإنتباه، والتغطية على فشلها الذريع نتيجة تعقل الكثير من الدول وعودتها إلى جادة الصواب، بعدما كانت قد انساقت من قبل خلف طرح الإنفصال؛ إما لجهلها بتفاصيل القضية أو لعوزها الإقتصادي وسهولة شراء ذمم المقربين، كرها أو طواعية، من حكام الجزائر.
كان من الضروري أن تتحرك القوات المسلحة الملكية المغربية لتصحيح الوضع عبر مقاربة متأنية وذكية، تفادت الإستفزازات الخطيرة الصادرة عن ميلشيات البوليساريو المنتشرة في جزء من معبر الكركرات الحيوي، والتي يبدو أنها لم تدرك أن متغيرات عدة مست في الآونة الأخيرة المناخ الجيوسياسي عبر العالم، وأن حلم الإنفصال مجرد سراب ليس إلا...
بكل تأكيد، يجب أن يظل جنودنا الأشاوس يقظين ومتأهبين للدفاع عن أرض الصحراء المقدسة التي ضحى المغاربة من أجل استرجاعها بالغالي والنفيس، ولا يمكن التفريط - بأي شكل من الأشكال - في حبة واحدة من حبات رمالها، مستشعرين على الدوام بأن المناوئين للوحدة الترابية المغربية لن يكلوا، وفاء لروح من أطلق شرارة النزاع المصطنع، معتمدين إستراتيجية "وضع الحصى في الحذاء"، تحسباً لانطلاقة المملكة على درب التنمية والوحدة تجسيداً لروح المسيرة الخضراء.
من الواجب أيضاً التعامل بصرامة مع دعاة الإنفصال الذين يعيشون بيننا، مستفيدين من خيرات بلادنا، فيما قلوبهم حاملة لحقد دفين، يتفاعلون سراً وعلناً مع الأوامر والتعليمات التي تصلهم من مهندسي الخطط العدائية لوحدتنا الترابية قصد المس بأمن وطمأنينة الأغلبية الوحدوية من ساكنة الصحراء المغربية.
يجب أن نقطع مع أسلوب التساهل مع دعاة الإنفصال بالداخل، المتشبعين بخيار القدمين المعتمد على "أكل الغلة وسب الملة"، والملة هنا إحالة على وحدة الوطن وأمنه... إما الإنخراط في المخطط الوحدوي والإستفادة مما يقدمه مقترح الحكم الذاتي من حلول جدية تحفظ شيئاً من ماء وجه اللاهثين خلف سراب التمرد على حقائق التاريخ المرتكزة على ارتباط القبائل الصحراوية بالعرش المغربي، خدمة لأجندة المناوئين لوحدة البلاد... وإما المغادرة صوب "مخيمات تندوف" حتى يكونوا منسجمين مع قناعاتهم، رغم إدراكنا الراسخ أن الغالبية الصامتة المقهورة، هناك، تحلم بحلول اليوم الذي تعتق فيها رقابها وتلتحق بحضن الوطن الدافئ.
وفي هذا السياق، أفتح قوساً للقول إن وثائقي قناة (ميدي 1 تيفي) بعنوان "من تندوف إلى العيون... طريق الكرامة"، كان موفقاً جداً ًًًًًًًًًًًفي كشف البون الشاسع بين خرافة الإنفصال وحقيقة الوحدة... بين تجليات الحط من كرامة الإنسان بتندوف، وانخراط أبناء الداخل في الدفع بعجلة التنمية نحو الأفضل في ظل الوحدة والتكامل اللذين يبشر بهما خيار "الجهوية المتقدمة" الذي سيحقق أهدافه الكبرى من خلال تنزيله على أرض الواقع بشكل سليم وناجع.
- حالة نفسية مرضية تستحق فعلاً الشفقة...
أشفق على من كان، حتى الأمس القريب، يتسابق ليكون واحداً من بعثة التلفزيون المغربي الرسمي (SNRT) إلى بلدة "مانهاست" الأمريكية لتغطية اللقاءات التي كانت تعقدها الأمم المتحدة حول ملف الصحراء المغربية، مستفيداً من التعويضات السمينة الرسمية منها والخفية، قبل أن يرتمي في حضن دعاة الإنفصال، رغم أن انتماءه إلى مدينة "ݣلميم" بوابة الصحراء، لا يؤهله بتاتاً ل"قلب الفيستة" والدفاع عن قضية خاسرة منذ ولادتها أيام الحرب الباردة.
أشفق على من يسيء إلى أخلاقيات الصحافة باختلاق الأحداث واستعمال صور وأشرطة قديمة، ويزعم أنها لعمليات "الجيش الصحراوي الحر الأبي" حين رده على "تحركات القوات المحتلة"، حسب تلفيقاته المرضية.
هو واحد من اثنين: إما أنه يعيش تخبطاً نفسياً داخلياً وانفصاماً في الشخصية، أو أنه ممن تستهويهم جاذبية الأورو والدولار ومختلف العملات التي تغذي حسابه البنكي المفتوح بفرنسا، ومن السهل أن يبيع نفسه رخيصاً مهاناً في سوق بيع الذمم والشرف... علماً أن من يسخره، حالياً، لن يتأخر في التخلي عنه لمعرفته المسبقة بماضيه المقزز وشطحاته العلنية والخفية.
على فكرة، ارتأيت أن من واجبي وحق الوطن عليَّ أن أسهم بهذه الكلمات المتواضعة بحكم أن جذوري ونسبي من الصحراء المغربية، وواحد من سليلي "قبيلة شرفاء أبي السباع"، الممتد صيتها وتأثيرها إلى ما وراء  الحدود (موريتانيا نموذجاً)... لا أتصور نفسي إلا واحداً من أبناء هذه المملكة الأبية التي استرخص أبناؤها الغالي والنفيس للذود على وحدتها وسؤددها ومجدها.
نعم... لا ضير في أن نختلف في ما بيننا، وتتعارض رؤانا حول المناهج المعتمدة لتنمية البلد وتحسين ظروف عيش ساكنته والقضايا السياسية الداخلية، لكن الترويج للفكر الإنفصالي والعمل على زعزعة أمن واستقرار البلاد حد فاصل، يجب أن يجابه بالحديد والنار، ولكم في تدبير إسبانيا الحازم لملف انفصال إقليم كاتالونيا ما يكفي من دروس وعبر...
آخر الكلام:
المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها، فليخسىء ذوو القلوب الضعيفة المليئة بالحقد والضغينة... قافلة الوحدة تسير غير آبهة بنباح الكلاب الضالة المتشردة في باريس.
 
ٍمحمد التويجر، إعلامي