الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: الإستوزار بين الأمس واليوم

أحمد الحطاب: الإستوزار بين الأمس واليوم أحمد الحطاب

شتان ما بين وزير الأمس ووزير اليوم. وزير الأمس، و بالأخص وزير فترة الستينيات والسبعينيات، كان شخصيةً مثقفة و رصيدُه العلمي يُحترم و يهتمُّ بالسياسة كعلم له قواعده و ركائزه.

 كان لا يفرض على الناس أن يحترمونَه، بل كانت شخصيتُه وكارزمتُه هما اللتان تحثان الناسَ على احترامه. و كان يتحدَّثُ عن أمور وزارته بطلاقة و دراية. دراية سياسية و في نفس الوقت، دراية بأمور تسيير وتدبير الشأن العام.

 

كان رجلَ دولة بما للكلمة من معنى.

 

وزير الأمس، قبل أن يكونَ و زيرا، كان من الشخصيات البارزة داخل الحزب السياسي الذي ينتمي إليه. كانت له مكانة عالية في الأوساط السياسية الوطنية والدولية. و كان معروفا لدى جميع المواطنين الذين كانوا يقدِّرونه و يفتخرون به.

 

أما اليوم، مَن هم المواطنون الذين يعرفون بالتَّدقيق عددَ الأحزاب السياسية و تسمياتِها وزعماءَها (إن كانوا يستحقون هذا التشريف) وعددَ المنخرطين فيها  وإيديولوجياتها و مبادئها… لماذا؟

لأنه ليس هناك شيء يدفع ويُحفِّز المواطنَ على الاهتمام بهذا الحزب أو ذاك. كما ليس هناك حزب برز من بين أحزاب الساحة السياسية بأفكاره وباهتمامه بالمواطن وبمشاكله وتطلُّعاته وبكرامته.

 

في الماضي، كانت الأحزاب السياسية (الوطنية) معروفةً لدى الجميع. وكلما أُثِيرَ الحديث عن حزب، كلما تبادرت للأذهان شخصياته وأطره وزعمائه ووزرائه..

 

هذا النوع من الشخصيات الحزبية والوزراء، انقرض لأن الأحزاب لم تعد كما كانت في الماضي مدارس لتكوين وإنتاج السياسيين من الوزن الثقيل.

 

اليوم، منصب وزير لم تعد له تلك الهيبة و المهابة والقيمة التي تميز بها في الماضي.

لقد أصبح مفتوحا على مصراعيه لمن هب ودب، لأن الأحزاب السياسية نفسَها لم تعد تنتج شيئا يُذكرُ، لا في مجال السياسة و الفكر  ولا في مجال الاقتصاد و التسيير

 

فكم هم الوزراء الذين، عندما استوزروا، لم يسمع عنهم المواطنون شيئا قبل هذا الإستوزار. كانوا مغمورين داخل أحزابهم.

 

في الماضي، كانت كفاءة وثقافة الشخصية الحزبية ووزنُه داخل الحزب ودرايته بالسياسة كعلم وأمور التسيير والتدبير هي المعايير التي تؤهِّله للإستوزار.

أما اليوم، غابت هذه المعايير وحلَّ محلَّها الزبونية والمحسوبية والقرابة والتَّملُّق للقيادات الحزبية وتبادل المصالح...