السبت 20 إبريل 2024
سياسة

المصطفى الفارح: في محاولة فهم الاستراتيجية العسكرية والنزاع المفتعل في الصحراء المغربية

المصطفى الفارح: في محاولة فهم الاستراتيجية العسكرية والنزاع المفتعل في الصحراء المغربية المصطفى الفارح ومشهد لجنود مغاربة
هل جاء التدخل العسكري في الكركرات متأخرا ؟
هل تمتد العمليات العسكرية لتشمل باقي المناطق خارج الحزام الأمني ؟

من أجل فهم الوضع العسكري الحالي في الصحراء المغربية وما ترتب عن أزمة الكركرات المفتعلة من قبل بوليساريو صنيعة الجزائر ودعم حليفتها الأولى جنوب إفريقيا ، لا بد من ربط الأحداث وعدم عزلها وعدم اجتثاثها من سياقاتها السياسية والجغرافية . ما حدث صبيحة الجمعة 13 نوفمبر 2020 من تصحيح ميداني عسكري وجغرافي وسياسي يمكن اعتباره قد جاء متأخرا جدا ، منذ أن تبين منذ السنوات الأولى الموقف الموريتاني المحابي لمرتزقة البوليساريو والجزائر والناتج أساسا عن ضعف المؤسسة العسكرية الموريتانية وعدم استقرار نظامها السياسي ذي الطابع القبلي وما لهذا الأخير من علاقات متشابكة ممتدة عبر مختلف الدول الجارة لموريتانيا ، علاقات دم ومصاهرة وتجارة وترحال من أجل الرعي وغيرها من العلاقات الاجتماعية والثقافية .علاقات أقدم، أوثق وأقوى على كل المستويات مع المملكة المغربية ، لكن الموقف المغربي المعتدل ، النابذ للعنف وللتدخل في الشؤون الداخلية للدول اعتبر ضعفا وخوفا من قبل الجزائر الحديثة النشأة ، الخارجة للتو من برد وصقيع فرنسا الذي شل أطرافها لأزيد من قرن من الزمان ، الباحثة عن مكان وموقع في إفريقيا وتحت شمسها الدافئة .

المتتبع لتطورات الوضع العسكري الميداني والعمليات العسكرية التي أنجزها الجيش المغربي منذ بداية الصراع يلاحظ بأن المغرب لم يأخذ زمام المبادرة في يوم من الأيام، فجل تحركاته وعملياته تشكل ردود أفعال ضد عمليات العدو ، حتى عمليات التمشيط التي كانت تقوم بها ألوية النخبة ، اللوائين الثالث والسادس المحمولين للمشاة كانت محدودة و تقتصر على جبهات محدودة في العمق وفي المساحة ولهذا دوافعه وأسبابه التكتيكية واستراتيجية الدفاع المعتمدة التي تتفادى استنزاف جهود القوات المحاربة وعدم المغامرة بها وجعلها عرضة لكمائن وهجومات عصابات مباغثة يصعب مطاردتها في صحراء مترامية الأطراف وعندما تجتاز حدود دول مجاورة وقد تتوسع رقعة الحرب وهو ما لايخدم القضية سياسيا واستراتيجية الحرب المعتمدة ، كما إنه تمت المراهنة على اتخاذ موريتانيا موقفا إيجابيا من الصراع من أجل السلم والاستقرار في المنطقة وعدم فتح مجالها الترابي لصالح مرتزقة بوليساريو.

ونحن نقرأ خارطة الحزام الأمني بتمعن يثير انتباهنا ونستنتج وجود ثلاثة مناطق رئيسية تشكل ما يسمى بالمنطقة العازلة: 

 

-المنطقة " أ" التي تضم جزءا من منطقة الفارسية ، بير لحلو ، تيفاريتي ومهيريز وهي مراكز حدودية مع موريتانيا جعل منها الحزام الأمني منطقة شبه معزولة عن باقي المنطقة لكون جزء من الحزام تم تشييده بمحاذاة الحدود الموريتانية وهو ما يجعل التنقل إلى المناطق الأخرى مستحيلا من دون المرور عبر التراب الموريتاني الذي يفترض أن يكون ممنوعا على كل تحرك لوحدات عسكرية مسلحة ، على الخصوص . لكن عوض هذا نجدها مفتوحة في وجه المرتزقة من كل حدب وصوب ينتقلون منها إلى المنطقة " ب" ومن هذه الأخيرة إلى المنطقة " ج " بيسر وسهولة.

-المنطقة " ب " تضم منطقة ميجيك ، أكونيت ، الزوك وتيشلا  وهي منطقة يعزلها الحزام الأمني  من الجهة الشمالية الشرقية على مسافة عدة كيلومترات عن المنطقة " أ " ويعزلها في الجهة الجنوبية في منطقة تيشلا حيث يقام الحزام بمحاذاة الحدود الموريتانية .

-المنطقة "ج " تضم جزءا من منطقة تيشلا وبير كندوز حتى المحيط الأطلسي وهي منطقة تعتبر مغلقة كليا ، من الشرق على مستوى تيشلا بجدار بمحاذاة الحدود الموريتانية وغربا المحيط الأطلسي حيث الكركارات على بعد كيلومترات قليلة.

مهندسي الأحزمة الأمنية كانوا يدركون أهمية الشريط الحدودي الجنوبي مع دولة موريتانيا ، الممتد من منطقة تيشلا إلى بئر كندوز والكركرات حتى المحيط الأطلسي ، لهذا تم تضييق الشريط الحدودي بشكل كبير بالمقارنة مع باقي المناطق وساد الاعتقاد بأن شريطا بعمق يقل عن عشرة كيلومترات لن يسمح لأي قوة عسكرية بالمغامرة بالتسلل منه ، سواء لمهاجمة القوات المغربية المرابطة على الحزام أو لأجل التسلل إلى المحيط و إلى موريتانيا التي من المفترض أن تكون قواتها على الجانب الآخر تحمي حدودها وتراقبها . رهان ما كان يجب وضعه في الحسبان نظرا لعدة معطيات، يأتي على رأسها كون موريتانيا تعترف بالجمهورية الصحراوية الوهمية رغما عن أنفها ، اتقاء شر بوليساريو والجزائر وبالتالي فكل تعرض لمرتزقة بوليساريو عسكريين أو مدنيين في مناطق عازلة لا ينسجم مع الموقف السياسي الموريتاني .

تبين الأحداث بأن قضية الصحراء محطة مهمة وحاسمة في الصراع المغربي الجزائري ولن تكون هي الأخيرة قطعا بالنظر لطموحات النظام الجزائري والإغراءات المقدمة له من قبل قوى أجنبية ، من أجل لعب دور أكبر وأقوى على الساحة الإقليمية و الدولية . في الماضي في إطار الصراع بين الشرق والغرب والحرب الباردة ، واليوم في إطار النظام العالمي الجديد ، الذي تراهن فيه دولة جنوب إفريقيا باعتبارها قوة ناشئة على لعب دور رئيسي ولهذا الغرض فهي في حاجة لدولة مثل الجزائر في ثرواتها الطبيعية وكبر مساحتها ونظامها السياسي المغامر لتكون ذراعها في شمال إفريقيا ودول الساحل، بعد أن استعصت عليها دولة نيجيريا ، وتتكفل هي بجنوب القارة وبالباقي . ويجب أن نستحضر وبقوة ، في هذا الإطار ، حلم جنوب إفريقيا  في الحصول على صفة عضو دائم في مجلس الأمن الدولي بدعوى حق إفريقيا في كرسي بمجلس الأمن إسوة بباقي القارات .

لقد لعب الاستعمار الدور الرئيسي في الوضع الحالي في المنطقة وفي كل إفريقيا لكننا بدورنا نتحمل جزءا من المسؤولية .المغرب والمغاربة يؤدون اليوم أخطاء الماضي .فمن جهة هناك بعض رجاله المعارضين ارتموا بين أحضان الجزائر في صراعهم على السلطة ومعارضتهم للنظام الملكي ، إيمانا منهم بالمصير المشترك للشعوب المغاربية وبإمكانية الزحف الثوري من هناك وهو الطرح نفسه والفكر نفسه والرهان نفسه الذي كان وراء نشأة جبهة بوليساريو ومن جهة أخرى غياب الإرادة السياسية لدى الدولة العميقة للتجاوب مع مطالب المعارضة من أجل الديمقراطية وتشارك السلطة و كانت الجزائر على رأس طابور الأنظمة الجمهورية العربية وأنظمة وأجهزة أخرى معادية للمملكة المغربية تقف خلف كل المناورات وكل المؤامرات من أجل زعزعة أمن واستقرار المغرب وقلب نظام حكمه ظاهريا لكنها تخفي حقيقة نواياها التوسعية واستهدافها لحوزة المغرب الترابية ومكانته التاريخية والدينية ولموقعه الجيوستراتيجي في تجذره في العمق الإفريقي وفي امتداده نحو أوروبا وارتباطه بالشرق وتطلع هذا الأخير إليه.