الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: تكوين المُدرِّسين حجر الزاوية في جودة أداء المدرسة لمهامها

أحمد الحطاب: تكوين المُدرِّسين حجر الزاوية في جودة أداء المدرسة لمهامها أحمد الحطاب
مدرستُنا اليوم بعيدة كل البعد عن الجودة التي من المفروض أن يتميَّزَ بها أداء مهامها. و من بين الأسباب، إن لم يكن هو السبب الأساسي في انعدام هذه الجودة، يأتي  ضعف تكوين المُدرِّسين أو عدم مسايرته لمستجدَّات العصر. هذا إن لم يكن منعدما في بعض الحالات.
فكيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟ علما أن حجرَ الزاوية في نجاح المدرسة هو المُدرِّس المُتوفِّر على تكوين رفيع المستوى و متعدِّد التخصُّصات تربويا وعلميا. 
فهل يُعقلُ أن يدخل مدرِّس قسما ويقف أمام أطفال ومراهقين وهو لا يعرف إلا النزرَ القليلَ عن مهنته وعن مَن هو مسؤول عن تربيتهم وتعليمهم وتعلُُّّمهم؟ إنه شيء مؤسف وما يؤسف له أكثر هو أن الجهةَ الوصيَّة لا تعير أي اهتمام لهذا الوضع! التعليم إذا لم يكن وسيلةً للتربية والتَّعلُّم وسبيلا للتنوير والتقتُّح الفكريين و الاجتماعيين، فهو مجرَّد تلقين و حشو للأدمغة لا يُسمنان ولا يعنيان من جوع.
فماذا سيصبح مدرس تكوينُه ضعيف أو منعدم؟ إنه سيصبحُ فقط آلة لنقل المعرفة الصِّرفة للمتعلِّمين! وماذا سيَطلب منهم لتقويم عمله داخل القسم؟ بكل بساطة، لن يطلب إلا ما هو قادر عليه! الحفظ والاستظهار وخصوصا إذا كان هو نفسه مُتعوِّدا عليهما! 
في هذه الحالة، لا داعيَ للقول أن ضعفَ تكوين المُدرِّسين له عواقب وخيمة على المُتعلِّمين إذ يصبحون بدورهم آلات للحفظ والاستظهار يتقنون فقط الببغائية، أي حفظ وترديد ما يقوله المُدرِّس في غياب شبه تامٍّ لصقل قدراتهم الفكرية، الإبداعية والتَّعلُّمية.
 وهنا، لا بد من التذكير أن المُتعلِّمين، من منظور علمي، هم صورة لمُدرِّسِهم. فكلما كان مستوى تكوين هذا المُدرِّس عاليا ورفيعا، كلما استفاد منه المُتعلِّمون وكلما كان لهذا التكوين وقعٌ على بناء شخصيتهم من حيث تقوية قدراتهم التّعلُّمية وتعوُّدهم على الفكر النقدي وعلى جرأة أخذ المبادرة وعلى استقلالية الذات وبالتالي، الشعور بالمسؤولية
كل هذه الصفات والخِصل لا تُمطرها السماء. إنها تُبْنى خطوة بخطوة على امتداد وجود المُتعلِّمين بالمدرسة. وبانِيها ليس التبليغ المحض للمعرفة بل اقتران هذا التبليغ بممارسات تربوية وتعلُّمِية تكون تنمية شخصية المُتعلِّم هي محورها. وهذا عمل لن يستطيع أن يقومَ به إلا المُدرِّسُ المُتوفِّر على تكوين رفيع المستوى.
المدرس ليس فقط وحصريا مُبَلِّغٌ للمعرفة. إنه كذلك وبالتأكبد وأولا وقبل كل شيء مواطن و في نفس الوقت مُربي، مساعد، ناصِح، مرشِد، موجِّه، منشِّط، محلِّل، مؤطِّر، مُنَظِّم، مُحَفِّز، مُشجِّع، مُصالح، مُصلِح، منصِف، محايد… إنها أمور لا يولي لها تكوين المُدرِّسين أي اهتمام مع العلم أنها هي التي تساهم وبقدر كبير في بناء شخصية المُتعلِّمين. 
فعندما أتحدَّثُ عن تكوين رفيع المستوى ومُتعدِّد التخصُّصات، أقصد بالطبع تكوينا في علوم التربية ولكن كذلك في كل ما مِن شأنه أن يُقوِّيَ شخصية المُدرِّس تربويا، علميا، اجتماعيا وثقافيا. مدرس مُلمٌّ بجميع خيوط مهنته.