السبت 27 إبريل 2024
فن وثقافة

الفن الشعبي في عمق القضية الوطنية (3)

الفن الشعبي في عمق القضية الوطنية  (3) المرحوم محمد الخامس ومجموعة حمادة

في الحلقة الثالثة من موضوع "الفن الشعبي في عمق القضية الوطنية"، ضمن سلسلة أوراق البحث في التراث الوطني، بتنسيق مع الأستاذ عبد العالي بلقايد، والتي تروم النبش في كنوز تراث الموروث الثقافي الشعبي على مستوى فن الغناء "العيطي" بشكل خاص والفن الشعبي بشكل عام (مجموعة حمادة نموذجا) تقدم جريدة "أنفاس بريس" ، للقراء في الحلقة الثالثة توضيحات لها أهميتها على مستوى التوصيف والمقاربة بغاية معالجة فن العيطة، ومحاولة إخراجها من المقاربة التي تصدر أحكام قيمة. على اعتبار أن البعد الوطني الذي تميزت به العيطة ولون حمادة، وباقي الألوان الأخرى ذات الحساسية الشعبية، تجعلها تتجاوز القبيلة والعشيرة إلى ما هو أوسع.

 

عند إثارة هذا الموضوع، أجدني لا أستسيغ بعض التوصيفات التي هي في الكثير منها أحكام قيمة أكثر منها مقاربة غايتها معالجة العيطة من زاوية فنية لفهمها وتقربيها إلى القارئ. ومن هذه المقاربات اعتبار العيطة فن بدوي رعوي، إلى غير ذلك من الأوصاف التي هي وجهة نظر فقط، تركز على المجال أكثر من مقاربة العيطة كبنية، لها نظامها الذي يمنحها الكثير من الإستقلالية عن الموضوع، لذلك أفتح الأقواس التالية قصد التوضيح :

 

القوس الأول: أن الكثير من الباحثين لا يستسيغون تسمية هذا الفن بالشعبي، فبالأحرى بالبدوي أو الرعوي، فحسب "الأثنوميزيكولوجيين ethnomusiquelogues "، لم يعد مقبولا اسم "شعبي"، ويفضلون إسم "الموسيقى التقليدية". وذلك حسب الدكتور حسن نجمي في كتابه (غناء العيطة : الشعر الشفوي والموسيقى التقليدية بالمغرب). ففي نظرهم هو توصيف يتضمن وجهة نظر أكثر منه معالجة فنية.  ومن الباحثات العربيات التي عدلت عن المفهوم "الشعبي" إلى "التقليدي" الدكتورة شهرزاد .

 

القوس الثاني : الموسيقى هي الموسيقى، لا تحتمل التوصيف خارج عوالم الموسيقى، فتوصيفها بوصف معين يقتل الإفتنان الموسيقي وأثره الذي هو جوهر الموسيقى.

 

القوس الثالث : فحين أطلق مصطلح الموسيقى التقليدية، فالغاية منه إبعاد أحكام القيمة الضارة بالعمل الموسيقي للشعوب وخاصة تلك التي يمكن أن تنقرض موسيقاها، ما جعل  منظمة اليونيسكو، تنشئ قسما لتوثيق هذه الموسيقى، بتعاون مع المجلس الدولي للموسيقى.

 

القوس الرابع : أحمد عيدون، يعتبر العيطة ضمن الموسيقى التقليدية، لأنه لون مركب يحتاج إلى ثقافة موسيقية، وتبعا لذلك فهو مديني أكثر منه بدوي .

 

أما الغناء المتميز بالإيقاع الخفيف ـ مثلا ـ "عبيدات الرما" هو اللون الذي يمكن أن نطلق عليه الشعبي، ومجاله هو البادية .

 

هذه المقاربة وإن حاولت إخراج العيطة من المقاربة التي تصدر أحكام قيمة، فإنها لم تتخلص منها حين قاربت ألوانا أخرى، لأن الألوان ذات الإيقاع الخفيف توجد بالمدينة كـ ( طقيطقات) كما توجد بالبادية .

 

إن البعد الوطني الذي تميزت به العيطة ولون حمادة، وباقي الألوان الأخرى ذات الحساسية الشعبية، تجعلها تتجاوز القبيلة والعشيرة إلى ما هو أوسع، إنها الوطنية التي هي تيمة محورية في الفكر الحديث بشكل مطلق، فبها ومن خلالها يتم تجاوز الفيوداليات الإقطاعية كعنوان للتجزئة، وفي الحالة المغربية تجاوز لتجزئة مقدرات الشعب، والتعدي على الأرض والشرعية.

لقد تعاطى شيخ حمادة مع هذه الأحداث في أدق تفاصيلها، وفي المؤامرة التي قادها بعض الباشاوات والقياد ضد الشرعية يقول شيخ حمادة :

 

"فيها قياد و خلفان

جا الباشا بينا

نتعاطوا الضمان

نحيدو بن يوسف

ما يبقى علينا

سلطان

نديرو بن عرفة راه

إخدم علينا مزيان"

 

هذه القصيدة هي للشيخ الحسن بن حسون، سنعود لسيرته في القادم من المقالات، وهي واحدة من قصائد أخرى لازالت في صدور الشيوخ، ولربما ستموت بموت هؤلاء الشيوخ . وعند إطلاق هذه المبادرة ، فإننا نعي بأن جمع التراث ليست مهمة المؤسسات ذات الصلة لوحدها، بل مسؤولية المجتمع كذلك .

 

إن الموسيقى التراثية أضحت تكتسي أهمية تنموية، تنضاف إلى وظائفها المعهودة، كما أشار الصديق الباحث والشيخ الحسين السطاتي في إحدى مقالاته حين شدد على أن الموسيقى وخاصة التقليدية مفتاح من مفاتيح التنمية، و أساس من أسس الدبلوماسية الثقافية، والرواج التجاري . إذ شكلت موسيقى "الريكي" قاعدة لانطلاق الكثير من الشركات بأمريكا. كما يشير الدكتور حسن نجمي في كتابه ( غناء العيطة الشعر الشفوي والموسيقى التقليدية ).

ولكن كل ذلك يتطلب عمل على مستوى الانتروميزيكولوجيا، والإعلام، والمهرجانات.  مجهود أتمر انتشار كاسح للموسيقى الصوفية الباكستانية والهندية على المستوى العالمي. وبالمغرب مجهودات يقوم بها بعض الانتربولوجيين مثل فوزي الصقلي بمهرجان فاس، وأخرى بمدينة سلا.. لأجل الإرتقاء بالعيطة إلى المستوى العالمي.

هي مجهودات جبارة، وجب أن تتلوها مبادرات أخرى، لأن مسافة ألف ميل تبدأ بالخطوة الأولى.