الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

المصباحي في مدارات: بإمكاننا أن نتساوى مع الغرب لو انتصرنا للعقل والحرية والإنسان (2)

المصباحي في مدارات: بإمكاننا أن نتساوى مع الغرب لو انتصرنا للعقل والحرية والإنسان (2) الدكتور محمد المصباحي (يمينا) والإعلامي عبد الإله التهاني

تواصل اللقاء مع مستمعي الإذاعة الوطنية في موعد جديد، في الحلقة الثانية من برنامج "مدارات" مساء يوم الثلاثاء نوفمبر 2020، حيث أطل الزميل عبد الإله التهاني في برنامجه الشيق، رفقة الدكتور محمد المصباحي من شرفة حوار في الثقافة والمجتمع للإطلالة على المشهد الثقافي وما يعرفه من إنتاجات على مستوى البحث الفلسفي بالمغرب.

وخصص الجزء الثاني والأخير من برنامج "مدارات" للحديث عن العقل والإيمان والحداثة وصورة الإسلام لدى الغرب، فضلا عن مسؤولية المسلمين في التصدي للتطرف الديني والسلوكات الإرهابية التي تتم باسم الإسلام والمسلمين، ويجعله مظلوما من التيارات الدينية المتطرفة باسمه.

استهل معد ومقدم البرنامج عبد الإله التهاني حواره مع الدكتور محمد المصباحي بسؤال قراءة الفكر الفلسفي للجاحئة؟ على اعتبار أنه سؤال آني، يميز طبيعة الظرفية التي تمر بها الإنسانية ويجتازها العالم في علاقة مع ظاهرة كورونا (كوفيد 19) وموقف الفلسفة منها.

في قراءته الفلسفية للظاهرة اعتبر الدكتور محمد المصباحي أن جائحة كوفيد 19 "تحبس الأنفاس، وهي بمثابة الظواهر الغيبية التي لا نعلم حقيقتها بالضبط. لكن العلم ماض في طريق البحث، وسيصل في بحثه للقاحات والأدوية المضادة للفيروس". وأكد في معرض حديثه عن الجائحة بأن "الطبيعة تقوم بتحذيرنا، وتنتفض وتنبهنا أننا في خطر"

في سياق متصل أوضح الدكتور المصباحي بأن "الداء يذكرنا بالعدم، ويذكرنا بالموت، ويذكرنا بنهائية الإنسان وشعوره بهذه النهائية.." وأضاف قائلا:" كورونا تذكرنا بأننا تنطعنا إزاء الطبيعة، وقمنا بنحرها وتدميرها في جميع تجلياتها"

وبلسان الفيلسوف قال: " الإنسان لا يعرف من أين تأتي الموت، أو من أين يأتيه المرض" لذلك يؤكد بأن الدرس الكوروني يعلمنا بأن "نحافظ على الطبيعة، والدود عليها ونعمل على إنعاشها، وتركها تعمل بحرية وبدون ضغط على مساراتها"، وخلص في قراءته للجائحة بأنه "ينبغي أن نعي الدرس الذي قدمته كورونا جيدا، والدرس الأساسي هو أن العلم يعلى ولا يعلى عليه"، وأكد بأن المطلوب اليوم هو "أن نشمر على سواعدنا، ونستثمر في العلم والبحث العلمي، لكي نعالج مثل هذه المشاكل"

الدكتور المصباحي يوضح في إطار قراءته للجائحة بأن "كورونا هي فاتحة لفيروسات أخرى قادمة" لذلك يرى أنه من الواجب علينا "مواجهة القوى التي تدمر الكون، وخاصة الإمبريالية، وكل من يصبون قدارتهم في الطبيعة "

على المستوى الوطني اعتبر ضيف برنامج مدارات بأن "الأمر في بلدنا أعوص بكثير، لأننا أعلنا العداء للعقل، ونعلن العداء لأنفسنا كذلك، ولتاريخنا وحضارتنا، وأعلنا العداء لمروءتنا..العداء مستمر، وعلينا أن نكف عنه، ونفتح الجامعات لتكون منبرا لخطاب التنوير" وبأسف قال :"نستورد كل شيء من الغرب تقريبا، وبإمكاننا أن نصبح نحن كذلك منتجين للأدوية واللقاحات والصناعات.."

وأشار المصباحي إلى أننا "ننتج الأدوية، لكن موادها الأولية تأتينا من الآخر، وفي لحظة جهنمية عندما تقطع علينا المواد الأولية فمصانعنا ستغلق...لم نسمع بأن معهد باستور يحضر للقاح جديد، ولم نسمع بجامعة أعطيت لها الإمكانيات للبحث" مع العلم يؤكد نفس المتحدث على أننا "كنا دولة إمبراطورية، بفعل التقنية والعلم" وبأمل كبير قال "بإمكاننا أن نعمل لو توفرت الإرادة والثقافة التي تنتصر للعقل والحرية والإنسان"

عن سؤال الخلاصة العلمية و البحثية ودراساته وتأملاه الفلسفية العميقة رغم أن السؤال يحتاج لحلقات أخرى قال المصباحي بأن "الذاكرة تحتفظ بمجموعة من الأعمال" واستحضر "كتاب (النفس) وكتاب (ما بعد الطبيعة) " لكن يبقى الفيلسوف "كانط حاضرا بجلاله..ويفتح أفقا جديدا، لأن الفلسفة المعاصرة تقتات من فكره الفلسفي"

في سياق رحلته الطويلة بين أزمنة البحث الفلسفي تحدث المصباحي عن " الفتوحات المكية لابن عربي، وجلال الدين الرومي" حيث يستخلص فكرة فلسفية ترجمها بالقول:" يمكن للإنسان أن يصل إلى فكرة، وهي أن شجرة الحكمة لا يمكن أن تنمو إلا بورود مشارب من مختلف الآفاق، لسقي هذه الشجرة وجعلها تثمر باستمرار"، والنتيجة حسب ضيف البرنامج هي أن "الإنسان هو مدار الكون، وهو عصي وجموح، وقادر على إيذاء الوجود، وخاصة الوجود الطبيعي...فكل الأخلاق هي الرافد لتعديل الخط الذي يسير فيه الإنسان"

وعن سؤال فوبيا الإسلام أكد الدكتور محمد المصباحي بأن "فوبيا الإسلام يصنعها أشباه المسلمون من أعداء البشرية أولا، ولا يصنعها الآخر.. وهم قاطعوا الرؤوس، والذين يفجرون المساجد والكنائس...المسلمون هم الذين صنعوا الخوف من الإسلام"، وأضاف قائلا: "يمكن أن نتحدث عن نظرية المؤامرة، وأن هناك عملاء يقومون بتشويه الإسلام"

وأكد المصباحي بأن "الإسلام في أزمة حقيقية، لأنه لم يستطع القيام بإصلاح من شأنه أن لا يصبح الإسلام رديف للدم"، وبلسان الباحث كشف على أن" الأموال الطائلة التي صرفت على تنظيم القاعدة ودولة الإسلام، لو صرفت على البحث في الإسلام لأصبحنا فعلا (خير أمة أخرجت للناس)..والحال أننا خربنا عدة بلدان عربية وإسلامية". وأضاف موضحا بأن "الإنسان الذي لا يستطيع تغيير لباسه ونظرته لنفسه وللآخر كيف يمكن أن يغير الآخر...الإسلام مظلوم لأن أهله ظلموه؟"

"يجب أن نعترف بالحرية والعقل، لنتساوى مع حرية وعقلانية الغرب" يقول ضيف مدارات مؤكدا على أن "قتل النفس ليس عدلا، وهذا خطير ويجب أن يتوقف"

وعن العلاج للظاهرة قال "يجب أن نكف عن لوم الآخر/الغرب، ويجب خلق العشرات من أمثال بن رشد وبن باجة وبن طفيل ، وأن نجعل من الجامعة هي إمامنا في الحياة، عن طريق البحث العلمي الذي يقتضي التحري، والحوار، والخلاف، للوصول إلى نتائج"

وبخصوص سؤال الحاجة إلى أخلاق العقل قال"هي الأخلاق التي يشرعها الإنسان عن طريق المؤسسات الديمقراطية، وتكون نتيجة حوار وتوافق ومداولة وليست نتيجة نصوص، لأن النص لا يفيد....عن طرق الإيمان المشرق الذي يضيء القلب في نوع من الصفاء والبدل والعطاء الصوفي إلى حد ما".

 وشدد على أن "هذا الإشراق لن يتم إلا إذا عالجنا المسألة العقلانية...لأن العقل عندما يخطأ يعترف بخطئه.. ينبغي أن نترك العقل يبدع ويشرع ويبحث عن الحقيقة لنعيد للإنسان كرامته ومروءته "

بخصوص مصطلح السلفية المستنيرة أوضح بأنه "تناقض الحدين"، معتبرا أن "هاذين الإسمين يحيلان على شيئين مضادين"، لأن السلف "يحيل على الجمود والعادة وإعطاء الكلمة للذات". أما المنير فـ "يحيل على العقل"، و يرى المصباحي بأن "الجمع بين السلفية والتنوير يمكن أن يصدق على اللحظة التحريرية في المغرب"، لذلك "سعى المستنيرون إلى العمل على استقلال البلاد وتحريرها من التبعية للخارج"، وأوضح في هذا السياق بأنهم "كانوا يؤمنون بأن الانتصار في معركة الإنعتاق من الاستعمار لا تتحقق إلا بالديمقراطية والعقل والتنوير"

وخلال شرحه للسفلية أضاف قائلا:"بعد ذلك صارت السلفية تعني معاداة الغرب، وذهبت في الطريق الضال والطريق الخطأ"، واعتبر بأن "السلفية في مختلف تجلياتها تخدع العقل والإنسان، لأن السلفي قد يرفع شعار الديمقراطية ويستولي على الحكم ويخرب المؤسسات" وشدد بالقول"ينبغي أن لا نؤمن بالسلفية مهما تعددت أنواعها يجب أن نؤمن بالحقيقة".

 وعن قراءته لسلفية الحنابلة قال"تصيبك الدهشة عندما يحرمون جميع العلوم الإنسانية ومن بينها اللغة العربية..لأنها شرك بالله" وردا على السلفية أوضح بأن "العلم شيء والعقيدة شيء آخر..نحن في حاجة إلى معاصرة والشرب من أنهار الحرية والعقلانية"

الدكتور محمد المصباحي الإنسان يعشق أغنية رباعية الخيام بصوت المطربة أم كلثوم، وتحتفظ ذاكرته بفيلم "الوردة" الذي رأى من خلاله " آثار الحضارة العربية الإسلامية"

ونبه الدكتور المصباحي جيل الشباب المغربي من ربطه بالإنترنيت "لأنها تضبع الإنسان وتجعله لا يملك نفسه، وعبدا للأخبار الزائفة ولمبتذلة" وأشاد بدورها الفعال في "تقديم الخدمة المعرفية وتقريب البحث العلمي" وأوصى الشباب بأن"يقصد الجانب الأخلاقي والفعال في الإنترنيت.."

الجزء الثاني والأخير