الثلاثاء 23 إبريل 2024
فن وثقافة

حمادة نموذجا: الفن الشعبي في عمق القضية الوطنية (2)

حمادة نموذجا: الفن الشعبي في عمق القضية الوطنية (2) المرحوم محمد الخامس ومجموعة حمادة

في الحلقة الثانية من موضوع "الفن الشعبي في عمق القضية الوطنية"، ضمن سلسلة أوراق البحث في التراث الوطني، بتنسيق مع الأستاذ عبد العالي بلقايد، والتي تروم النبش في كنوز تراث الموروث الثقافي الشعبي على مستوى فن الغناء "العيطي" بشكل خاص والفن الشعبي بشكل عام (مجموعة حمادة نموذجا) تقدم جريدة "أنفاس بريس" للقراء بعض مقاطع من أشعار/ أناشيد الغناء الشعبي الضاج بالمواقف اتجاه مقاومة الحركة الوطنية للإستعمار، وحضور شخصية الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، مواكبة للأحداث منذ سنة 1912.. حيث كان الكثير من الفنانين الشعبيين (ذكورا وإناثا) في طليعة المصارعين الوطنيين الذين خاضوا الصراع مع المستعمر الغاصب أو المتعاونين معه.

 

الفن الشعبي بسائر ألوانه كان حاضرا بقوة في جل القضايا الوطنية، وأنتج في القول الشعري سواء الملفوظ أو المغنى الكثير، مما جعله يستحق أن يكون نشيدا وطنيا يثير الحماسة، ويعبئ الناس لمواجهة الآخر الغاصب للأرض، فكان مندمجا بشكل كلي في أثون الصراع، بل هو أداة من أدوات الصراع الفني الذي يقول الواقع قولا يعادله، لا قولا يحاكيه محاكاة فنية.

 

 إن الفنان الشعبي وخاصة في العيطة التي هي في بعض تعبيراتها سعي نحو امتلاك الواقع، أو الإندماج فيه للسيطرة عليه، وخاصة في المراحل الأولى، وهذا ما نلحظه في صيحات العيطة التي تشبه بعض أصوات الطبيعة، لغاية إخافة العدو، و إثارة الحماسة، لأن التعبير بالعيطة نشأ وترعرع في مؤسسة مخصوصة هي مؤسسة "عبيدات الرما"، التي كانت مؤسسة شبه عسكرية تتحدد وظيفتها في الأداء الغنائي الذي تحدده غايات حربية، قبل أن تنفصل وتصبح مؤسسة وظيفتها الغناء.

 

 إن فنا أصوله تميزت بكذا خصائص لابد أن ينخرط في المعركة الوطنية انخراطا كليا، تفاعل مع نفي المغفور له محمد الخامس بخلفية وطنية متقدمة كخلفية تشي بتقدم الوعي عند الفنان الشعبي(النموذج) :

 

"الملك سارو رفدوه

في مدغشقر حطوه

لا من يعطينا لخبار

خرجوا لولاد الزينين

ياك هما الوطنيين

يسقطو في الخاينين

رحمو بنت رحمو

رحمو بن عبد الله

صلى وتوضى

وتصيفط مع لمراة

جددوا عليه الرحمة

ياك الملك المحبوب الساكن

في جميع القلوب" .

 

إن هذه المقطوعة الغنائية الحماسية، لا توجد سواء في عيطة " الشجعان"، أو  "جعيدان"، أو عيطة "خالي ياخويلي"، فهي بذلك من المقطوعات التي طالها المحو من العيط المغربي شأن الكثير من القول الشعري الذي تفاعل مع هذه الأحداث الوطنية التي تشكل حدثا مؤسسا للوطنية، وللدولة الحديثة وهي لا تخص فقط العيطة بل تشمل كافة الألوان ذات التعبير الشعبي. 

فلون حمادة أغلب قصائده التي تعاطت مع هذه الأحداث طالها المحو، ولم نعد نسمع بها في أداء حمادة مثل :

"هذا بدع جديد على لوطان

خرج الخامس و ولدو مولاي الحسن

من مولاي الحسن الأول حنا سلطان في سلطان

بانو سلاطين خانونا لامان

رهنو لينا البر

وخانونا في لمان

خربوا على الدين

خرجتنا ليمان"

 

هذه المقطوعة تشير إلى تنصيب بن عرفة من طرف الإدارة الإستعمارية، و الباشوات والقياد، الذين اختاروا الإصطفاف ضمن الصف المناوئ للصف الوطني، شريحة لم تذكرها العيطة إلا بموقفها المتخاذل:

 

"أخوتنا باش تعنيتو

واش من طايلة ردتو

وخوتنا مالين لغناسي

المضركين بالحايط الراشي"

 

"الغنسة" هو السلهام الدال على المخزنية، وخاصة تلك التي اختارت غير الإختيار الوطني، والذي تنبأ لهم الحبحابة، بأن سندهم ضعيف، وواه، كموقفهم المتخاذل.

 

إن النفس الوطني الفياض، يجعلنا أمام ملاحم شعبية على قدر كبير من الأهمية التاريخية والفنية، وكذا التوثيقية، فمبادرة الصفر تجاه هذا التراث يجب أن تخرج من دائرة البياض، إلى دائرة التفاعل مع كذا تراث وهذه مهمة المجتمع المدني بالدرجة الأولى، قبل المؤسسات ذات الصلة.