الخميس 18 إبريل 2024
فن وثقافة

حمادة نموذجا: الفن الشعبي حاضر في عمق القضية الوطنية (1)

حمادة نموذجا: الفن الشعبي حاضر في عمق القضية الوطنية (1) المرحوم محمد الخامس ومجموعة حمادة

في هذه الورقة من أوراق البحث بتنسيق مع الأستاذ عبد العالي بلقايد، من حلقات سلسلة النبش في كنوز تراث الموروث الثقافي الشعبي على مستوى فن الغناء "العيطي" بشكل خاص والفن الشعبي بشكل عام (مجموعة حمادة نموذجا) تقدم جريدة "أنفاس بريس" للقراء بعض أشعار/ أناشيد الغناء الشعبي الضاجة بالمواقف اتجاه الحركة الوطنية، مواكبة للأحداث منذ سنة 1912، حيث كان الكثير من الفنانين الشعبيين (ذكور وإناث) في طليعة المصارعين الوطنيين الذين خاضوا الصراع مع المستعمر الغاصب أو المتعاونين معه.

 

الفن الشعبي بشكل عام، و العيطة بشكل خاص كانا في عمق القضايا الوطنية، بل واكباها بشكل حثيث بدء من سنة 1912، إلى أن حصل المغرب على الإستقلال، فكانت العيطة نشيدا وطنيا نقل بشكل فني الصراع بين الأنا والآخر في أبهى صوره، بل كان الكثير من الفنانين الشعبيين في طليعة المصارعين الوطنيين الذين خاضوا الصراع إما مع الإستعمار، أو مع المتعاونين معه، كما أبعدوا هذه الشخصيات من متن "عيطتهم" كما حصل مع الباشا الكلاوي. فرغم سطوته، فلم تخصص له العيطة ولو مقطعا صغيرا، في حين احتفت بشكل

كبير بالمقاومين الذين ضحوا بأنفسهم كالشهيد حمان الفطواكي الذي يقول فيه شيوخ حمادة:

 

"زعيم البهجة

ترحمو سي حمان

زيد على تكانة جيب

حتى زمران."

 

الأمر لم يقتصر على الإشادة بالمقاوم حمان الفطواكي، بل إنها شملت كذلك الشهيد علال بن عبد الله. حيث يقول شيوخ حمادة:

 

"بن عبد الله ترحمو

يا جاه الرحمان

ضرب بن عرفة

خسر ليه الحجبان" .

العيطة بكافة ألوانها حصرت اهتمامها حول تيمة الصراع مع الآخر الغاصب للأرض، وكان ذلك منذ سنة 1912، إلى حين خروج المستعمر، فحازت بذلك صفة النشيد الوطني، الذي نافست فيه النشيد الذي كان باللغة العربية الكلاسيكية والذي تم ديباجته من طرف النخبة العالمة القاطنة للمدن المخزنية سواء بفاس، أو الرباط .

 

المنافسة لم تكن على مستوى أداة التعبير، بل كانت كذلك على مستوى الحساسية الفكرية التي تؤطر وتوجه الصراع مع الآخر، والتي تتحدد في الوطنية ، التي كانت بالنسبة لعامة الناس مؤطرة بالعرف في تعالق مع الشرع ، والتي تنطلق من بنية ثقافية تقدس الأرض، كما تقدس الشرعية، بنفس درجة تقديس العقيدة ، وهذا ما جعل الإدارة الإستعمارية تجد صعوبة كبيرة في استعمار المغرب، الذي لا يقبل سكانه أن تطأ أرضه أجناس غريبة على سبيل الغصب، فهذا في الإعتقاد الشعبي تدنيس للمقدس. كان هذا مستعصيا على فهم الإدارة الإستعمارية التي كانت تتفكه على فرسان التبوريدة ، الذين رأت فيهم أناس يطلقون طلقات

البارود في الهواء عشوائيا، ولم تلاحظ حيازة المغربي لقوة معنوية، وروحية، تعوض ضعف السلاح، الذي كان يدركه المغربي ( أي هشاشة السلاح) ، لكن عقيدته تمنعه أن يتراجع أو يتهاون في صد الغزو عن الأرض، الذي هو واجب مقدس. بل إن الشعب المغربي وتفاعلا مع نفي المغفور له محمد الخامس، قد أمسك عن جميع متع الدنيا ، وفي ذلك يقول شيخ حمادة :

 

"من يوم مشى سيدنا

وحنا في لمحان

ما عيدنا عيد

ما كلنا فيه زنان

ما درنا عادة

ما حنينا الصبيان

ما لبسنا جديد ما

فصلنا فيه كتان."

هذه المقطوعة تشير إلى المتع التي أقلع عنها المغاربة حزنا عن نفي المغفور له محمد الخامس والمتمثلة في (لباس الجديد، عدم إحياء مناسبة العيد، عدم استعمال الحناء كمظهر من مظاهر الفرح...) والتي شملت جميع مناطق المغرب، كصيغة من صيغ المواجهة المدنية للآخر الغاصب للأرض، وبذلك كانت الفنون الشعبية أداة من أدوات التأطير للمواطنين، ما جعل الإدارة الإستعمارية تخصص بمراكش مخزنيا يراقب المجموعات التي تحيي الحفلات سواء بالمدينة أو خارجها والتي تفرض عليها وجوب الإخبار بوجهتها، بل تفرض عليها "العيوط" التي يجب أن تؤديها.

أمام هذا التضييق هاجر أغلب شيوخ العيطة الحوزية مدينة مراكش نحو "الويدان" بحوز مراكش، أو القلعة، أو ابن جرير، أو زمران، أو مدينة اليوسفية، أو الشماعية... بذلك نكون إزاء كنز رمزي على درجة كبيرة من الثراء، لكن المحو طال الكثير من الإنتاج الشعبي ذي البعد الوطني، والذي يشكل ملاحم شعبية تصور الكثير من الأحداث الوطنية ، فإن حاولنا جمعها سنكون إزاء قصائد على درجة كبيرة من الأهمية التوثيقية، وكذا خلفية معنوية تحصن البناء الثقافي والحضاري الضروري في التموقع جهويا ودوليا .

إن التبادل والتواصل، لا يكون فقط على مستوى الخيرات المادية، بل حتى على مستوى الدلائل الجمالية التي لها دور في الدبلوماسية الثقافية، وفي التعريف بالقضايا الوطنية، وبالترافع حول المصالح الحيوية للشعب المغربي.

 

المبادرة ليست مقتصرة على المؤسسات ذات الصلة، بل هي مسؤولية الجمعيات ذات الإهتمام بالمجال، في توثيق وإحياء هذا التراث وتحمل مسؤولية ذلك ماليا ومعنويا.