الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

كريم مولاي: دستور الأقلية ورسالة التغيير في الجزائر

كريم مولاي: دستور الأقلية ورسالة التغيير في الجزائر كريم مولاي
أسدل الستار على الدستور الجزائري المعدل، وتم تمريره بنسبة مشاركة هي الأضعف في تاريخ الانتخابات في الجزائر، حيث لم يتجاوز عدد المشاركين في الاستفتاء أقل من ربع المسجلين في الانتخابات.
وبعملية حسابية فإن من قرر مصير الجزائر في السنوات المقبلة التي سيسود فيها هذا الدستور، هم أقلية لا تتجاوز 10% في أعلى التقديرات، وهذه سابقة في العمل السياسي، حيث تشهد الطبقية السياسية على نفسها بأنها تحكم كأقلية، وأن الغالبية العظمى من أبناء الشعب الجزائري إما أنها قاطعت العملية الانتخابية من الأساس، وأعرضت عن المشاركة السياسية، أو أنها أعلنت رفضها للدستور، الذي كرس عزلة السياسيين وعدم تمثيلهم للشعب.
النسب الرسمية التي تم إعلانها لعدد المشاركين، وهي أكبر بكثير من الحقيقة، تبعث برسالة مفادها أن الجزائري غير معني، لا أقول بالشأن العام لبلاده، وإنما فقد الثقة في المشاركة السياسية وأعرض عن الاشتغال بالهم العام، وهي رسالة غاية في الخطورة، تعني أن اليأس من التغيير استحال إلى قناعة غالبية الجزائريين.
ولا يبدو أن قرار غالبية الأحزاب الإسلامية المعترف بها المشاركة في الاستفتاء، مع أن غالبيتها قد اختار رفض التعديلات المقترحة، قد غير في موقف الجزائريين الرافض ليس فقط للتعديلات، وإنما في الطبقة السياسية التي تقود هذه المرحلة بالكامل.. ولولا أن مخاوف الفيروس المستجد الذي يفتك بالأرواح لكان رد الفعل الشعبي أقوى بكثير مما نقلته وسائل التواصل الاجتماعي عن إغلاق عدد من مراكز الاقتراع لا سيما في منطقة القبائل.. 
صحيح أن العبرة بالنتائج، وأن ما جرى يوم الفاتح من نوفمبر الجاري في الجزائر، هو تمرير الدستور، الذي أصبح واقعا ملموسا.. لكن ضعف المشاركة السياسية، يجعل من هذه النتيجة غير ذات معنى، بل وتحمل رائحة موت السياسة، وعجز النخب السياسية عن إبداع أدوات الفعل القادرة على صناعة أمل التغيير لدى الأجيال الشابة.. وليس هنالك أخطر من فعل الموت على حياة الإنسان.. لأنها النهاية..
لا أريد أن أكون متشائما في التعامل مع ما يجري في بلدي الجزائر، وأنا الذي اختار المنفى منذ عقود، لكنني لا أرغب في أن أكون جزءا من نخبة توزع الأوهام، في ظل واقع اقتصادي واجتماعي وصحي بائس.. 
ولقد كانت رسائل القبائل هي الأكثر وضوحا وراديكالية في التعامل مع الاستفتاء، وهذا موقف يجب الوقوف عنده وقراءته بشكل جيد، إذ أن هذا القسم من الجزائر يشعر بعد 66 سنة عن الثورة التي أنهت مرحلة الاستعمار، أن ما سمي بخيار "الدولة الوطنية" فشل فشلا ذريعا في تحقيق الحد الأدنى مما يطلبه، وهذه أيضا رسالة خطيرة، لأنها تتصل بأهم عناصر الاستقرار المطلوب في البلاد.. 
ليس هنالك أخطر على أمن واستقرار الدول من أن يشعر غالبية الناس أن حكوماتهم لم تعد تمثلهم، وأن تلك الحكومات تسعى للاستقواء عليهم ليس فقط بالقوة الكاسرة في الداخل، وإنما أيضا برشوة الحلفاء التقليديين.. ويا للأسف أن الجزائريين الذين احتفلوا يوم 1 من نوفمبر الجاري بالذكرى 66 لثورتهم ضد الاستعمار الفرنسي وافتتحوا مسجدا هو ثالث أكبر مسجد في العالم، لم يسمعوا من حكومتهم موقفا قويا في إدانة المواقف الفرنسية المسيئة للإسلام والمسلمين، مع أن عددا معتبرا من مسلمي فرنسا هم من أصل جزائري!
النتيجة الواضحة اليوم أمام الجزائريين أن الطبقة السياسية برمتها لم تعد تمثلهم، وأن الدستور الذي يحكمهم ليس خيارهم، وأن التغيير حتمية تاريخية ستأتي حتى بعد حين..
كريم مولاي، خبير أمني جزائري منفي لندن