السبت 20 إبريل 2024
خارج الحدود

إسماعيل الكوا: الصينيون لأنهم "يقدسون" الأطفال يتحفظ بعضهم من ممارسة طب الأطفال

إسماعيل الكوا: الصينيون لأنهم "يقدسون" الأطفال يتحفظ بعضهم من ممارسة طب الأطفال إسماعيل الكوا في صورة تركيبية مع أطفال صينيين

هي مشاهدات من داخل المجتمع الصيني، التقطتها عينا الشاب المغربي إسماعيل الكوا، الذي يقيم ويعمل في الصين.. مشاهدات ترصد طبائع الصينيين في ما بينهم وفي علاقاتهم بالأجانب الذين يقيمون معهم.. مشاهدات تذهب إلى حد الانتباه للأطفال الصينيين وعلاقاتهم بآبائهم وكيفية التعامل معهم في التربية واللعب وكذا في علاقاتهم بالغريب والأجنبي..

مشاهدات هذا الشاب المغربي، تشاركها معكم "أنفاس بريس"، من خلال هذا النص الذي أحكم نسجه إسماعيل الكوا:

 

يكاد الطفل أن يكون مقدسا في المجتمع الصيني، هذا ما استنتجه من معاشرة شعب يعشق الأطفال إلى حد التقديس... ربما عطفا على المقولة الشهيرة "كل ممنوع مرغوب"؛ فالقوانين كانت تفرض على المواطن الصيني ألا يتجاوز عدد أطفاله الواحد، وتم تعديل القرار ليصبح طفلين من بعد ذلك.

 

يبدو المجتمع الصيني من والوهلة الأولى مجتمعا لا دينيا، متفتحا لأقصى الحدود.. ذلك ما تستشفه من انطباعك الأول السريع.. عندما تتجول في الشوارع وترى المظاهر والملبس، وبمنظورك كعربي، ستحكم أن هذا المجتمع منحل ومتفتح لأقصى الحدود، بتنانير فتياته ونسائه القصيرة جدا وأنوثة طاغية وبارزة، وأيضا بزيارة الحانات الملأى بالزوار، صينيين وغيرهم.

 

لكن باندماجك مع مجتمعهم سترى أن الأمر مغاير تماما، فشعب المليار والنصف نسمة محافظ أكثر مما تتخيل، حيث مازالت الأسرة تلعب دور المحافظة على الاستقرار، وما زال الأبوان هما صاحبا الكلمة الفصل في مصير أبنائهما، لا يستسيغ الأبوان زواج ابنتهما من أجنبي أو زواج ابنهما من أجنبية عادة، إلا في ما نذر.

 

يدفع الأبناء للزواج باكرا، فإن تجاوزت سن 25 من دون خطيبة أو زوجة يعرضك ذلك للضغط وكلام الاقارب الجارح.. تعد أغلب الفتيات الصينيات عذارى لم تفتض بكرتهن بعد، رغم عدم وجود قيود على العلاقات الجنسية الرضائية، لكن هناك قيود مجتمعية وأسرية تلزم الفتاة أن تبقى عذراء، تماما كنفس قيود الفتاة العربية، لكن بحدة أقل، لأنها لا ترتبط بالشرف بالنسبة للأسرة الصينية.

 

ما زال الصينيون ينفقون ببذخ على زيجاتهم، ويعزمون مئات الأشخاص لولائمهم، ويعيش الزوجان في عالم باذخ لأيام ثلاثة، تنتعش فيها تجارة منظمي العرس جيدا.

 

يعبد هؤلاء القوم المال إلى حد الهوس، فهم لا يؤمنون بشيء اسمه العطاء بدون مقابل مادي. يدخرون المال، ويشحون في حياتهم  اليومية كثيرا، ليكتنزوا مالا يشترون به سيارة فاخرة أو يقتنون منزلا أو يخرجون في سفريات باذخة.

 

تحول هؤلاءِ القوم من مزارعين فقراء إلى متجولين في العالم أجمع.. يذكرني بحال ذاك المزارع المغربي القادم من الأرياف الذي لا يتقن لغة أهل المدينة، والذي خلق ثروة في المدينة بعمله المضني وشحه في المأكل والملبس، وفجأة يصبح صاحب عقارات ومتاجر ويشتري ڤيلا وسيارة، وتصبح له نظرة وأبعادا مجتمعية.

 

ما يعاب على المجتمع الصيني ثقافته المحدودة، والضعف الشديد في التواصل، وهذا طبيعي راجع إلى انغلاقه على ذاته لمئات السنين.. فلم ينفتح الشيوعيون على العالم إلا إبان النهضة الصينية في نهاية الثمانينات؛ وهذا ما جعل اندماجهم مع الأجنبي محدودا جدا. فهم ما زالوا يلتقطون الصور في الشوارع "معنا"، نحن الأجانب في بعض المدن الصغيرة، وأيضا انغلاقهم ينعكس على طريقة لباسهم التي دائما ما ينتقدها الأوربيون والامريكيون،  فهم يشترون أغلى الماركات الاجنبية، لكن لا يناسقون لباسهم.

 

ما يعاب عليهم أيضا محدودية تحضرهم في بعض الاحيان، بحيث مازلت ترى بعض مظاهر عدم التحضر في تصرفاتهم، كتبول الطفل في الشارع العام قرب المولات بإيعاز من أهله، أو تدخين سيجارة في مكان محظور، عدم لبس الخوذات، الكشف عن البطن المتدلية في الأماكن العامة للرجال، الصراخ والعويل في الأماكن الهادئة، البصق في أي مكان...

 

لكن ما يميزهم أكثر أنهم عصاميون ويبتكرون في مجالهم، محبون للأجنبي بمعاملة حسنة، يلبسون فقط أغلى البرندات العالمية رغم توفر آلاف البراندات الصينية،  يجولون العالم ككل، يحافظون على حضارتهم، يكاد ينعدم التحرش أو الاغتصاب في حياتهم، أوفياء في علاقتهم الزوجية، مسالمون إلى أقصى الحدود، بحيث ينذر أن ترى شجارا في الشارع أو يعترض طريقك أحد للسرقة أو سلب أمتعتك.. مخادعون تجاريا لكن لا يأخذون مالك او يسرقونه...

 

عودا على بدء، وباستحضار قصة الأطفال، فبعد أن يتزوج الرجل في غالب الأحيان يعيش مع عائلته أو يكتري منزلا بجوارهم، فالأسرة غالبا ما تعارض انتقال الابن للعيش والزواج في مدن أخرى، مادامت أغلب المدن تكثر فيها فرص العمل.

 

عندما تنجب الزوجة الطفل تتكفل أم الزوج بتربية المولود، تعاني الزوجة كثيرا من حرمانها من ابنها وأسس تربيته، بحيث تدافع عنه الجدة إلى حد الجنون، ويرتبط به الجد حد الهوس فيبقى الزوجان في حيرة من أمرهما وتذمر، لأنه حسب الأعراف الصينية المولود يتربى في رعاية أجداده حتى يتجاوز العام أو العامين، تماما كالأسرة العربية، نظرا لأن للجدة تجارب في الحمل والولادة، والزوجة مازالت فتية حديثة المعرفة بالأطفال، لكن سرعان ما تتحول هذه التربية إلى "سطوة" تزداد مع نسبة تسلط الجدين.

 

الطفل الصيني يسمح له أن يفعل ما يحلو له، سواء داخل البيت، أو في الأماكن العامة أو الشارع، ولا يستطيع أحد أن يوقفه، وإلا تعرض لمشاكل كبيرة مع الأسرة... وتعد مهنة طب الأطفال من أصعب المهن في الصين على الإطلاق، ويرفض الصينيون مزاولتها، فأي خطر يتعرض له الطفل، يدخل الطبيب في مشاكل جمة مع أهل هذا الأخير، تصل حد الشجار والقتل أحيانا.

 

الطفل هو من يحدد أماكن الزيارة، نوع الأكل، مكان الجلوس، الهدية التي يريد.. الطفل يحدد كل شيء، هو محور الأسرة والحديث، هو الأسرة، تلتقط له مئات الصور يوميا، تشارك صوره في وسائل التواصل يوميا، ما يصيبك بالغثيان أحيانا من كثرتها. كأجنبي عن الطفل لا يحق لك لمسه أو تقبيله أو شيء من هذا القبيل.

 

أذكر ذات مرة أننا كنا نستقبل الزبائن في فندقنا، وعادة ما يكون لديهم أطفال، خصوصا في عطلة نهاية الأسبوع.. في تلك المرة حدث شيء نادر الحدوث وغريب، كنا نستقبل الزبائن بابتسامة المستضيف، وبينما أنا أنظر إلى جهة ما، اقترب طفل في سنه الثالثة تقريبا، وعانقني في رجلي، انبهر جميع من حولي، وارتبكت، فحملت الطفل لكني لم أقبله، ولم أعرف ما أهديه آنذاك، لأن الاطفال الصينيين لا يحبذهم آبائهم في الأكل المغري، كالحلويات والياغورت... فما كان علي إلا ان حملته ووضعته في أحد الكراسي ليجلس بجواره أبويه في اندهاش من حولي حول الحدث الناذر الحدوث.

 

كانت لمحة بسيطة عن طباع مجتمع عاشرته لأزيد من ثلاث سنوات، ولملت بعضا من ثقافته في مخيلتي لأتقاسمها معكم.