في الماضي كانت السينما تشغل اهتمام النقاد، ثم تحول النقد الآن نحو التلفزيون سواء بقطبه العمومي مع كل روافده أو القناة الثانية المفلسة قلبا وقالبا. وأصبحنا نرى بعد كل رمضان كيف يعود نقاش الأعمال الدرامية للواجهة الإعلامية، لأن التلفزة أصبحت البديل المشروع لقاعات السينما، بل إن السينما بنفسها انتقلت لتصبح في متناول المشاهدين بمنازلهم من خلال التقنيات الحديثة، مما يجعل زخم الإنتاج يخلق منافسة ضمنية بين الأعمال في ذهن المشاهد، وهو ما يدفعا إلى إثارة العديد من الأسئلة المتعلقة بالأعمال الدرامية المغربية.
وأول ما يمكن ان نلاحظه هو أن الأعمال الدرامية المغربية تدور في مجملها حول نفس التيمات الموضوعية، وتطرح نفس الأفكار وكأننا امام توجه يفرض نمطا معيا من الكتابة، فمهما اختلف الإطار أو الديكور لكن نفس الموضوعات تتكرر، لا يمكن القول بأن حقل الكتابة يعرف جفافا وأن كتاب السيناريوهات فشلوا في الابتكار والتجديد، بل عرف مدال الكتابة تطورا نوعيا حيث أصبح الممثلون وحنى المخرجون يكتبون السيناريوهات، وهو ما فتح أمام هذا المجال سبل التطور والاستفادة من خبرة هؤلاء الوافدين الجدد، رغم أن السمة المميزة للأعمال لتبقى هي تكرار نفس الموضوعات. فأين يكمن المشكل؟
ربما يكمن المشكل في مجال الإنتاج لأن الشركات هي التي تختار الأعمال التي ستشارك بها في طلبات العروض، هو ما يعني أنها تنتقي من كل الأعمال التي تتوصل بها ما يناشب خطها الإنتاجي ورؤيتها للتكلفة المادية، فالأعمال المنتقاة هي التي لا تكلف شركات الإنتاج الكثير من مصاريف الإنتاج مما يزيد معها هامش الربح، وقليلة هي الشركات التي لا تهتم بهذا الجانب المادي، بل منها ما يسعى لاحقا إلى حصر مشاهد التصوير في نفس المكان حتى لا تنتج عن ذلك مصاريف إضافية، هذا جانب من الإشكال المطروح أضف إلى ذلك هامش الحرية المسموح به في تناول الموضوعات، وتلك ضوابط لها علاقة بالقوانين المعمول بها.
وفي ظل غياب نقابة لكتاب السيناريو وعدم مبادرة اتحاد كتاب المغرب لضم هؤلاء الكتاب إلى صفوفه، وكذا عذم مبادرة المركز السينمائي المغربي لمنح البطاقة المهنية لكتاب السيناريو سيعرف هذا القطاع فوضى مستمرة وسيمارس الجميع الكتابة بدون اختصاص أو تخصص.
وهناك مشكل آخر يتعلق بالأعمال الأمازيغية، حيث نرى لدى البعض إصرارا على الطرح الفولكلوري للتراث وكأن الماضي الأمازيغي ليس فيه إلا الفرجة، مثلما يتم تقديم أعمال على القناة الأولى تركز على الامتاع والمؤانسة في تقديم حكايات تراثية، أسلوب الحلق هذا أفسد تعاملنا مع التراث والتاريخ حيث أفرغناه من قيم المواطنة والانتماء الهوية ليصبح مجرد أعمال هدفها الفرجة.
ولعل قمة العبث هو قيام مخرجين لا يفهمون الأمازيغية بإخراج أعمال أمازيغية، كما أشارت إلى ذلك بعض المقالات النقدية للأعمال التلفزية، بحث لا يعقل أن يتمكن مخرج لا يفهم لغة من اخراج عمل يتطلب ليس فقط معرفة باللغة بل أيضا بالثقافة المحلية، وللأسف لا نرى ذلك لدة العديد من المخرجين باستثناء إبراهيم اشكيري وأشاور وقليل مثلهم. أما حين يصبح المخرج مؤلفا وممثلا ومخرجا فتلك مسألة أخرى لم يقم بها حتى كريستوفر نولان أو ألفريد هيتشكوك أو فرانسيس فورد كابولا ....وغيرهم.
إن تقديم أعمال جيدة يتطلب توافقا ضمنيا بين شركات الانتاج وقطاع التلفزة لتوسع هاش الحرية المسموح به، ومبادرة المركز السينمائي المغربي لتنظيم القطاع من خلال منح بطاقات مهنية لكتاب السيناريوهات وتكون اجبارية في تقديم طلبات العروض، أو مبادرة كتاب السيناريو لخلق نقابة للفنون الدرامية تصبح بطاقتها الزامية في تقديم أي عمل. كيفما كان تحرك الفئة المعنية ولكننا في حاجة ماسة إلى تنظيم القطاع.
أما الجانب الأضعف في الحلقة فهم الممثلون حيث يتم استغلالهم من طرف بعض الشركات بأثمنة هزيلة أو حقيرة وخاصة الممثلين الأمازيغيين، وهي مسألة ينبغي على الممثلين في هذا المجال المبادرة إلى رفضها والتمرد على هذا الاستغلال أو خلق نقابة للمثلين الأمازيغيين حتى تحمي حقوقهم.
عودا على بدء لا يمكن القول بأن أزمة الدراما الغربية تتلخص في النصوص التي تعيد الكتابة في نفس الموضوعات دون تجديد، بل إنها أيضا أزمة إنتاج وحرية وأزمة تنظيمية تتعلق بالكتاب والممثلين معا. إنها أزمة فشل مشترك.