الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

الزرايدي بن بليوط: تأسيس عقد اجتماعي جديد.. دعم للنموذج التنموي لمغرب الغد

الزرايدي بن بليوط: تأسيس عقد اجتماعي جديد.. دعم للنموذج التنموي لمغرب الغد عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط
يوما عن يوم تبرز أهمية الرؤية الملكية التواقة للتغيير والإصلاح، في الحرص على تكريس الخيار الديمقراطي، وصيانته، تعزز بكل تجلياته، بفضل الإصلاح الدستوري لسنة 2011، والذي أعاد رسم بنية سياسية ومؤسساتية، فقد أظهر الدستور الجديد للمملكة، بروزا لمعالم هذا الفكر الملكي، والذي حرص على الإتيان بجيل جديد من الحقوق، وخاصة مسؤولية الدولة المغربية بمختلف مكوناتها للنهوض بالعدالة الاجتماعية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والتأكيد على ضمان ازدهار اقتصادي واجتماعي لجميع فئات المجتمع من دون استثناء.
ومن هنا يتضح أن الخيط الناظم في الرؤية الملكية، هو تأقلمها مع كل المتغيرات والطوارئ والتحديات ومنه التفكير الملكي الاستشرافي، الذي يفكر في الحلول المناسبة للإجابة عن سؤال كيف لبلادنا الخروج بأقل الخسائر من التأثيرات السلبية لجائحة كورونا، وهنا تبرز أهمية الخطاب الملكي الأخير أمام مجلس البرلمان، حين شدد على أن نجاح أي خطة للإنعاش الاقتصادي والتأسيس لعقد اجتماعي جديد، سيتطلب تغييرا في العقليات ودعما أكبر للكفاءات الوطنية، وهو ما يتطلب أداء جيدا للفاعلين والمؤسسات.
لقد قال الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة افتتاح البرلمان إن "نجاح أي خطة أو مشروع مهما كانت الأهداف، رهين باعتماد مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة". مشددا، على ضرورة أن "تعطي مؤسسات الدولة والمقاولات العمومية المثال في هذا المجال، وأن تكون رافعة للتنمية وليس عائقا لها".
ونبه، بأنه ولتحقيق هذه الغاية، "ندعو الحكومة للقيام بمراجعة عميقة للمعايير ومساطر التعيين في المناصب العليا بما يحفز الكفاءات الوطنية في الانخراط في الوظائف العمومية وجعلها أكثر جاذبية".
إن تأكيد الملك، على ضرورة التأسيس لعقد اجتماعي، يبرز بجلاء، إيمان المؤسسة الملكية في بلادنا، بتعزيز قيم نظرية العقد الاجتماعي، التي تتأسس على مجموعة من الأسس والالتزامات الأخلاقية التي تكون مشتركة بين مجموعة من الأفراد الذين يشكلون المجتمع الذي يعيشون فيه.
لقد شددت أغلب الخطابات الملكية على أهمية تكريس المقاربة التشاركية في معظم الأوراش الوطنية الكبرى، وهي مقاربة ملكية تهدف إلى إشراك جميع المؤسسات والقطاعين العام والخاص وجميع قوى المجتمع الحية، وهو الأمر الذي رسخته الرؤية الملكية من خلال ما بثته من روح جديدة في نصوص الدستور، حين شدد على قيمة المفهوم الجديد للديمقراطية التشاركية وتعزيز رقابة المجتمع المدني في وضع السياسات والبرامج العمومية، بالإضافة إلى ما أنيط للأحزاب بالسياسية والنقابات المهنية، من أدوار كبيرة ووصولا إلى دور المواطن المغربي للمساهمة الفعالة والإيجابية في بناء مغرب العدالة الاجتماعية والمؤسسات الديمقراطية والكرامة الإنسانية.
دون أن ننسى أن من سمات الفكر الملكي أيضا، التأكيد على الدور المناط بالقطاع الخاص والمبادرة الخاصة وتشجيع الاستثمار، ليتضح لنا أن من دلالات التوجيهات الملكية المتعلقة بضرورة عقلنة طرق تدبير الإدارة والمرافق العمومية، يؤكد بوضوح عزم المملكة المغربية على تكريس التوجهات الإستراتيجية المتعلقة بالنموذج الاقتصادي المنفتح والحر، والذي من شأنه حسب هذه النظرة الاستشرافية الملكية، هو الانخراط بشكل أسرع في المشروع الليبرالي العالمي. فالمحدد الاقتصادي في التوجهات الملكية أخذ على عاتقه مهمة جسيمة تتمثل في وضع الاقتصاد الوطني غير القائم على الموارد النفطية على سكة جديدة، ومن تم فإن الفكر الملكي، ترجمة لتطلعات المملكة، الهادفة إلى تحسين تموقعها في الاقتصاد العالمي، و في مقابل هذا كله، الرغبة في كسب ثقة القوى المتحكمة في النظام الاقتصادي العالمي من أجل دعم بلادنا في خيارات جديدة وطموحة، سواء في تعزيز سياسة المغرب الخارجية، وتعزيز قدرته في إبرام شراكات، ونسج علاقات متميزة مع أقطاب دولية كبرى وفتح جبهات دبلوماسية جديدة معها.
الإرادة الراسخة في إرساء عقد اجتماعي جديد، تظهر أن العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع يجب أن يفضي إلى أسس جديدة تقوم على إعطاء التنمية الاقتصادية الأولوية، تعزيزا للتضامن بين العالمين الحضري والقروي ودعم الفئات الهشة، وتكريس العدالة المجالية والاهتمام أكثر الطبقة المتوسطة.
فالرؤية الملكية تتمحور حول ثلاث جوانب تشمل الإنعاش الاقتصادي وتحسين المعيش اليومي للمواطنين، والتضامن الأفقي بين الفئات الاجتماعية، فتأكيد جلالته على تأسيس "العقد الاجتماعي الجديد"، في الخطاب يشير إلى وعي غير مسبوق للدولة المغربية، بمشكلة ضعف الثقة في المؤسسات التي بدأت تتراجع لأسباب سياسية، لم يطلع فيها فاعلون آخرون بمسؤولياتهم، كما أن إثارة موضوع "تغيير العقليات"، يحيل على إدراك الرؤية الملكية، بخطورة ما يتعرض الإصلاح الاقتصادي والسياسي، من مقاومة، سواء من داخل المجتمع أو الإدارة.
إن الفكر الملكي، مدرك أشد الإدراك لطبيعة المرحلة المقبلة المليئة بالتحديات في ظل الأزمة الصحية العالمية. ولهذا فإن النظرة الملكية لما ينبغي أن يكون عليه العقد الاجتماعي، تتحدد أساسا في ضرورة قياس الأداء، الذي تشدد الرؤية الملكية في هذا الإطار على أهمية المسؤولية المشتركة، وعدم القبول بضعف السياسات التي لا تصل بنا إلى حلول للمشاكل التي تعيق التنمية الاقتصادية.
ما يميز الخطاب الملكية في الآونة الأخيرة هو حمولتها الفكرية العالية، التي تعكس وعيا دقيقا بالتحديات، وتكشف عن بعد نظر الفكر الملكي الذي يقوم على تشخيص لواقع الحال الذي تمر منه بلادنا، وفقا لكل المؤشرات والمعطيات المستجدة، مما يضفي على الرؤية الملكية الثاقبة، مميزات خاصة في طرح حلول اقتصادية وبدائل وبرامج اجتماعية فعالة، وجب صيانتها بسواعد وكفاءات الوطن التي تغلب المصالح العليا للبلاد على المصالح الضيقة.
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط، رئيس جمعية رؤى للتنمية والكفاءات