الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

أنوار المجاهد: الانتساب إلى الطائفة قضى على الانتساب إلى الوطن

أنوار المجاهد: الانتساب إلى الطائفة قضى على الانتساب إلى الوطن أنوار المجاهد

من خلال نافذة الأمل قد يكون من الممكن رؤية جراح نفس الشباب المغربي تُشفى بالفعل ولكن حتى تتحقق الوعود والرؤى، ستبقى مشاعر ومخاوف وأحقاد حركات الإسلام السياسي حية بيننا.

 

ماذا بعد انتهاء العدالة والتنمية وسعد الدين العثماني؟ ربما المزيد من بنكيران وسعد الدين العثماني. هذه هي الحقيقة المحزنة والصادمة التي يجب أن نواجهها. سيحدث ذلك بصرف النظر عن كل الجعجعة التي تحيط بأي انتصار سياسي قادم  ضد المنتصرين للجماعة على حساب الوطن ولنا في مقولة "لن نسلمكم أخانا" حجة دامغة لمن يؤمن بمشروع لا يضع مصلحة الوطن فوق مصلحة  الجماعة. بل العكس يضع الانتساب للجماعة فوق أي اعتبار.

لماذا؟ لأن العثماني أو بنكيران أو بوليف... ليسوا حالات منعزلة بل مظاهر لظاهرة اجتماعية سياسية معقدة، وربما دائمة.

 

في الأساس، تنطوي هذه الظاهرة على الاستغلال غير الأخلاقي والغير الإنساني واللاديني للإسلام كسلاح سياسي من قبل الجميع. لقد استخدمت العدالة والتنمية وبعض الجماعات المتطرفة سلاح الإسلام حتى يتمكنوا من تحقيق مآربهم.

وخلال احتجاجات عام 2011، كان من السهل، تبريره على أسس براغماتية، وتجنيد مساعدة الإسلام السياسي في الحرب ضد اليسار الذي قيل أنه لم يحقق شيء. ومع ذلك، فإن هذا التجنيد للإسلام، الذي ساعد في دق المسامير الأخيرة في نعش التنمية المنشودة وأجهز على مسلسل الاختيار الديمقراطي الذي انخرطت فيه المملكة المغربية منذ عقود من الزمن صعود حزب الإخوان المسلمين، أدى إلى كارثة، أولاً بالنسبة لجيراننا في المغرب العربي الكبير، ولاحقًا للفئات الهشة  .

 

وكانت سياسة استخدام الإسلام السياسي لأول مرة كأداة معادية للشيوعيين واليساريين سببًا حاسمًا في أن أصبح المغاربة تحت سيطرة حكومة راكدة وغير ديمقراطية ولكنها مستقرة (على ما يبدو) حكومة موالية للإخوان المسلمين بمصر والعدالة والتنمية بتركيا بشكل كافٍ من ناحية، والقوى التقليدية للإسلام السياسي، التي أعيد تشكيلها في النصف الثاني من القرن العشرين، من ناحية أخرى. كان تتويج تحقيق مثل هذه السياسة بهزيمة الأحزاب الوطنية في الانتخابات جراء إضعافها من طرف جهات من داخل الدولة كانت تأمل تجنب تطوير المجتمع المغربي على أسس علمانية، بشكل مثالي، بوسائل أكثر ديمقراطية؛ واستبدال القومية بالدفاع عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والتقليدية الإسلامية.

 

ولنعود قليلا في الزمن أدى التحالف بين اليسار واليمين لتدمير الانفتاح الديمقراطي في المغرب وإلغاء أي فرصة لحركة شبابية يمكن أن تكون بمثابة  جسر إلى العالم الحديث. ربما كانت سلطة الدولة، في معظم الحالات، علمانية، لكن الأمل السياسي والحراك السياسي تركا في أيدي ممثلي الله.

 

بعد اقتراب موعد الانتخابات المقبلة، وبينما تستعد الأحزاب دخول المعترك الانتخابي للانضمام إلى مسيرة العولمة والقيام بخطوات كبيرة نحو الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، خرج مجموعة من القياديين في العدالة والتنمية، وكذا المنتمين للحركات السلفية الجهادية عن طريق الفقهاء والشيوخ المعروفين بميولاتهم إلى إقامة دولة الخلافة للدعوة إلى المزيد من القمع السياسي، والمزيد من الركود الفكري والثقافي، والمزيد من اليأس الاقتصادي والاجتماعي، وفراغ أيديولوجي... فالأصوليون فقط قادرون أو سُمح لهم بملئه، تحت راية ديماغوجية لحماية الهوية والشخصية.

 

استمرار الاستغلال السياسي للإسلام، أدى الى أن يصبح المجتمع المغربي المسلم ببساطة عدو نفسه. وقد تجلى ذلك في تقوية التنظيم عن طريق الزوايا وكثرة المساجد، وآخرها توظيف العديد من الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي للحفاظ على ما هو كائن وتدجين الشباب بتوجيه البنادق إلى اليساريين لأن اليمين يدافع عن إقامة شرع الله وهي آليات لم تزرع سوى الانعزالية والتخلف والعداء.

 

وسعى حزب الإخوان المسلمين بالمغرب لترك المجالين التربوي والثقافي للإسلاموية، إلى اكتساب الشرعية بأرخص الأسعار وأكثرها انتهازية: بإبقاء الجماهير جاهلة ومنعها من تحسين مصيرها سياسياً واقتصادياً وذلك بتسريب خطاب أن العامة من الأفضل أن توجه آمالها نحو الآخرة.

 

الآن وبعد انكشاف زيف خطاباتهم أعلنوا الحرب ويهددون بعدم تمرير سلس وآمن للسلطة، غير أن الشعب المغربي فطن لهذه الخطوة وسيشارك في الانتخابات لقطع الطريق على المهددين للسلم الاجتماعي لكن الانتصار في الفايسبوك ووسائل التواصل الحديثة لا يعني الفوز بالسلام في الحقيقة، لا يمكن كسب هذه الحرب إلا بكسب القلوب والعقول. لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تصحيح الأخطاء التاريخية التي ارتكبتها الدولة، بما في، في تقويض قوى التحديث، وتصحيح الخيارات المضللة بشكل مذهل التي اتخذتها النخب المغربية  في استخدام القوة وتسييس الإسلام كطريقة للحفاظ عليه.

 

يستحضرني كتاب "الجهاد مقابل العالم الأكبر" الذي ألفه بنيامين باربر، إذ قال "على المدى الطويل، لا يمكن للحرب أن تهزم الإرهاب وحدها لأن العنف لا يمكن أن يهزم الخوف: وحدها الديمقراطية يمكنها فعل ذلك"؛ وأضاف "جميع الناس لديهم وظائف تسمح لهم بوضع الخبز على طاولاتهم وسقف فوق رؤوسهم وتقديم  تعليم لائق لأطفالهم".

 

اليوم يجب أن نعود الى المغاربة ونقول لهم أن لدينا رؤية لمنطقة حيث يعبد فيها جميع الناس الله بروح التسامح والتفاهم". "ولدينا رؤية حيث يصبح احترام قدسية الفرد وسيادة القانون وسياسة المشاركة أقوى وأقوى".