الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى العراقي: الإسلام و"الآلهة" الجدد

مصطفى العراقي: الإسلام و"الآلهة" الجدد مصطفى العراقي

أي صورة للإسلام اليوم ونحن نخلد الذكرى السنوية 1442، على هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وبداية توسع بشري وجغرافي لهذا الدين الذي  تعد رسالته وكنهه وروحه كما جاء في القرآن بأنه دين رحمة وتسامح ؟؟ الجواب لا يتطلب بحثا عميقا لرسم هذه الصورة فاستقراء  للواقع أصدق أنباء من أي مجهود عميق .. هي  صورة مأساوية تبرز أنه يتم الابتعاد سنة بعد سنة عن أهداف هذا الدين الحنيف عن أسسه وأساسياته والانحراف إلى تفاصيل تم استقدامها تحت الطلب وفتاوي استصدرت من ظلمات كتب..

اليوم أصبح لله شركاء يقدمون لك وصفات للدخول إلى الجنة.

يكفي أن تردد جملا أو تبعث بتدوينات مصورة إلى عدد من الأشخاص لتضمن مقعدا بالفردوس الأعلى .. شركاء يضعونك أمام خيار وحيد لتكون إلى جانب الصديقين والانبياء والشهداء: أن تعبر فوق جثت بشرية بشرط أن تحول أصحابها إلى أشلاء في انفجارات غادرة .. أو تذبح إنسانا بريئا من الوريد إلى الوريد أو تجز رؤوسا آدمية يقنعونك بأنه وجب قطافها ...

أصبح لله شركاء فاليوم لم يعد الله  وحده عز وجل "يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ماتسرون وما تعلنون " بل هؤلاء الآلهة يدعون أنهم كذلك . لم يعد وحده سبحانه وتعالى "عليم بذات الصدور".

هناك اليوم من يتخذون قرار إعدامات فردية أو جماعية ضد أناس يدعون بأنهم يعلمون سر الضحايا ونجواهم وأنهم علاموا الغيوب ... شركاء في تصنيف الناس إلى مؤمنين وغير مؤمنين مسلمين وغير مسلمين تقاة أو مارقين ..

اليوم هناك عشرات بل آلاف الأشخاص ينتحلون صفات واختصاصات العلي القدير .

يحللون ويحرمون ..يخبرونك عن الجنة وكأنهم زاروها وتجولوا في أرجائها وعادوا منها قبل قليل..أو يصفون لك النار وكأنهم شاهدوها من شرفة على مقربة منها وسمعوا لها شهيقا وهي تفور .

أو يصفون لك تفاصيل ما بعد الموت وكأنهم سافروا في مهمة إلى الآخرة بتذكرة ذهاب وأياب وعادوا للحياة... ويصورون لك الله بأنه وعدد من ملائكته ينتظرونك على ناصية القبر ليمارسوا عليك كل صنوف التعذيب... بقسوة ودون شفقة لأنك دخلت المرحاض تستبقك رجلك اليمنى أو لم يكن طول لحيتك بمقياس نزواتهم  أو صدحت بمقطوعة غنائية ورقصت على إيقاعها مرحا...

لهؤلاء "الآلهة "اليوم قنوات تلفزية ومواقع الكترونية وبرامج ... يسعون إلى قتل دين التسامح والرحمة وطمس الآيات التي يؤكد فيها الخالق عز وجل أنه هو الغفور ذو الرحمة . " قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم "."آلهة" يهدفون إلى تحطيم  منارات التسامح  وأن أكرم الناس أتقاهم.

منارات مثل القرويين والقيروان والزيتونة والأزهر..."آلهة" تسللوا لمنابر المساجد  وقطاع التعليم ومكاتب الجمعيات والمقررات الدراسية ...

لهؤلاء الآلهة فلل وشقق باذخة وسيارات فارهة وجواري خانعة ... ولهم قوم تبع ينفذون أوامرهم بانصياع مطلق والتي تتلخص في ارتكاب المجازر  والحرق والذبح ...

لكن ، كيف وصلنا الى هذه المرحلة التي أصبح فيها الإسلام مجرد دين للقتل والعنف  والكره والحقد وإهانة المرأة ...؟ لماذا صورة الإسلام اليوم تناهض الحياة والجمال والفرح والحب ؟ لأن هناك  أنظمة تتاجر بالجملة بالدين  لتسييج مصالحها وشكلت بنية من فقهاء أئمة جهلة تتاجر بالتقسيط بهذا الدين.ووفرت لها كل الإمكانيات لإبراز الروايات الدينية التي لا مصداقية لها والأقاويل التي لا سند لها  والتفاصيل التي لا قيمة لها لتجعلها أساسيات وضرورات .بنية تعتبر التخلف هواءا والتقدم اختناقا وكل الألوان سواداوالنور ظلاما ..وهانحن اليوم نشهد مجتمعات إسلامية ومسلمين ترتفع لديهم في سلوكياتهم  جرعة النفاق وفقدان الصدق والثقة ...أنظمة تعيش على مبدأ أن تخلف شعوبها وإيمانه بالخرافات هو وقود استمرارية سلطتها وكراسيها الوتيرة ...وأن لا مرجع لهذه الاستمرارية سوى الجهل والتجهيل..

  الإسلام اليوم  بحاجة إلى التصالح مع الحياة والجمال والفرح والحب..أن يتأسس على فكر  يعتبر التخلف اختناقا ومواتا والتقدم أكسجيناوبقاءا .وأن يكف هؤلاء "الآلهة" عن الشرك بالله الصمد العليم بما في الصدور . يعلم وحده السر وأخفى. المسلمون اليوم بحاجة للاقتناع أن علاقتهم بخالقهم لا تهم أحدا غيرهم . وأن هؤلاء يضعون الأغلال والقيود بينهم وبين الدين الحنيف الذي لخصه الرسول صلى الله عليه وسلم : "الدين المعاملة".. معاملة الذات ومعاملة الآخر . اليوم نحن بحاجة الى الانتقال من شعودة الدين الىعقلنة الدين بروح العصر ومتطلبات الأفق الانساني.