الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الواحد الفاسي: لمواجهة كورونا.. انخراط الشعب هو الدواء

عبد الواحد الفاسي: لمواجهة كورونا.. انخراط الشعب هو الدواء عبد الواحد الفاسي
ما قامت به الدولة منذ 2 مارس 2020 إلى حدود شهر يونيو عمل مهم جدا وناجح، لأن كل مبادرة أو إجراء كان في وقته. وقد قبِل الشعب المغربي، بصفة عامة ، كل الإجراءات رغم صعوباتها، لأنه كان يريد الحياة.
لكن، بعد ذلك بدأت الارتجالية تسيطر على عملية اتخاذ القرارات، فبدأ فُقدان الثقة والشعورُ باليأس في إيجاد الحلول الناجعة ينموان و يمتلكان النفوس.
جميع الدراسات تُظهر أن الحجر الصحي العام ، عندما يطول أكثر من شهرين متتاليين ، يُصبح يُشَكل عنصر خطرٍ وتهديدٍ، سواء على مستوى الوضعية الصحية بصفة عامة والنفسية بصفة خاصة أو على مستوى الوضعية الاقتصادية للأفراد والأسر والمقاولات.
فمن الصعب على المواطن قبولُ الإقامة المحروسة وتقييدُ حريتِه لوقت أطول، وخصوصا بالنسبة للطبقة الكادحة ولـ " طالب معاشو" الذي يحتاج للتنقيب اليومي عن بضعة دراهم لتوفير القوت لأبنائه. حيث يصبح أمام الاختيار ما بين موت الحسن بن علي أو موت الحسين.
وطبيعي أن يختار موت الحسين، لأن النزول إلى الميدان يمَكِّنُك إما من الانتصار أو من الموت بشرف. وهذا أفضل من الموت جوعا.
وما نشهده هذه الأيام خطير جدا، وليس فقط تعبيراً عن اليأس، بل هو أكثر ما يشبه بالسلوك الانتحاري. وما يدل على ذلك ما يقع في بعض الأحياء الغاصة بالسكان حيث يُمْكنك أن ترى الكل يرتدي القناع أو الكمامة لكن في غير موضعها . تجدها حول العنق فتتساءل هل الكمامة من أجل الوقاية من "كورونا" أم من أجل حماية الغدة الدرقية. لكن الحقيقة أن ارتداءها هو فقط من أجل الشرطة. فالمواطن لم يعد يهتم بخطورة المرض أكثر من اهتمامه بالحرية والبحث عنها. فكل ما هو مفروض فهو مرفوض.
وبخصوص ما وقع ببعض أسواق بيع أكباش أضحية العيد، لا يمكن أن يكون له أي تفسير غير عامل اليأس. لأنني لا أعتقد أن كل المغاربة لصوص. وهل يُعقل أن يفكر مسلم في أن يسرق خروفا لأجل أضحية العيد وهي سُنَّةً ؟ فالتفسير الوحيد، في اعتقادي، لمثل هذا السلوك هو اليأس الذي يدفع الإنسان إما إلى الانتحار أو إلى الوحشية.
وما وقع في حاجز الأمن بممر " تيشكة " وما يشكله من مخاطر كبيرة ، أليس بدافع اليأس ؟ اليأس الناتج عن قرار تم اتخاذه بشكل ارتجالي وعشوائي؛ حيث منح فقط 6 ساعات "لمسافري العيد" من اجل الرجوع أو " الحصلة " مع عدم التسامح مطلقًا.
لا ينبغي أن يفهم "عدم التسامح مطلقًا كأنه شكل من الحلول السلطوية والقمعية ، ولكن مفهومَه الأساسي هو أصلا الوقاية وترويج خلق ظروف التأمين الاجتماعي . إنه ليس عدم التسامح مطلقًا لمرتكب الجريمة ، بل عدم التسامح بالنسبة للجنحة في حد ذاتها".
أتمنى ألا نكون قد" وصلنا إلى انهيار المجتمع، مع فقدان احترام القيم الكونية، وفقدان احترام المجتمع للمجتمع ( أي لنفسه)، وللسلطات (ابتزاز ورشوة)، والعكس صحيح. الرشوة في كل المستويات، والنقص في التربية وفي التكون وفي الثقافة الحضارية، مع النقص في الفرص. كل هذا يخلق بلدا فيه كثير من النوافذ المكسرَة التي لا يهتم أحد بإصلاحها ".
أما فيما يتعلق بالحالة الوبائية الراهنة والمعطيات الإحصائية التي يتم تقديمُها- يوميا -بشأنها والتي تعكس تصاعدا في الأرقام ( أرقام الحالات) ، فأظن أنه لابد من قراءتها قراءة تحليلية ونقدية. لأن الرقم اليومي للإصابات الجديدة لا يكتسي في الحقيقة أهمية كبرى للدلالة على خطورة الوضعية الوبائية.
فعندما نقوم بإجراء الفحص لعشرين ألف ( 20.000) مواطن، فمن الطبيعي أن نجد عدد المصابين أكثر من الحالة التي نقوم فيها بفحص ألف (1000) مواطن مثلا. المهم هو عدد المرضى الحقيقيين. فالذي يهم هنا هو عدد الوفيات وعدد الحالات التي تحتاج إلى إنعاش أو الحالات الحرجة.
الأرقام الحالية - المقدمة من طرف المصالح المسؤولة - أرقام مخيفة، بينما نجد أن 80 % من الحالات اليومية مصدرها من المخالطين الذين ،هم في الغالب من الأحيان، ليسوا بمرضى ، أي ليست لهم أعراض بل تم اكتشاف وجود الفيروس عن طريق إجراء الفحص. فمن المفروض أن تكون الحالات الخطيرة قليلة، لأن البحث عن المرضى يُمَكِّن من بداية العلاج مبكرا وبالتالي القضاء على الفيروس قبل أن تصل انعكاساته إلى الرئة.
إذن ، إما أن تشمل الفحوصات الجميع ، وهذا شيء مستحيل ، وإما أن نبحث فقط -من أجل إجراء الفحص - عن المرضى ، وعن كبار السن، والذين يعانون من أمراض مزمنة. وفي حالة اكتشاف مريض حقيقي - مصاب بالفيروس - نكتفي بفحص الذين يقطنون معه.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى وابتعدا عن أسلوب التهويل، فإن كل الأرقام تبقى نسبية. فعندما نجد في اليوم -على سبيل المثال - 400 حالة جديدة في مدينة الدار البيضاء ومثلها في مدينة مراكش، فدلالة الرقم - أو ما يمكن أن يعبَّر عنه كرقم مطلق - تختلف بالدار البيضاء عنها بمراكش، نظرا لاختلاف حجم سكان كل من المدينتين. يجب قراءة الرقم داخل سياقه الديمغرافي لنجد النسبة الحقيقية لمعامل الاختراق ( coefficient de pénétration) . وهكذا نجد هذه النسبة بخصوص مدينة الدار البيضاء - حسب عدد للسكان بأربعة مليون نسمة في حدود 10/ 100.000 بينما تصل بالنسبة لمدينة مراكش - حسب عدد ساكنة تصل إلى مليون نسمة - إلى 40/ 100.000 .
لماذا لا يهمني كثيرا عدد الحالات ؟ لأن 80 % منهم اكتُشِفوا عن طريق فحص المخالطين، الذي من المفروض أنهم سيتعافون في أغلبيتهم. ما يهمني هم أولئك الذين يشكلون 20 %، وبالخصوص أصحاب الحالات الخطيرة أوالذين يوجدون تحت التنفس الاصطناعي مما يعني أن مضاعفات الفيروس على الرئة موجودة ، وبالتالي فالمرض مختلف في هذه الحالة ، لأنه لن نبقى أمام مشكل الفيروس بل أمام مشكل التهاب رئوي أو التهاب شرايين الرئة، الذي يحتاج إلى علاج مختلف ، إضافةً إلى مضاد حيوي، والتنفس يحتاج إلى الكورتيكويد (DEXAMETAZONE) مثلا، ومضاد للتختر (anti coagulant)، وأنا أعلم أن كل هذه الأدوية متوفرة ويتم استعمالها .
فلماذا هناك ارتفاع كبير في عدد الوفيات ؟
أظن أن الأمر راجع إلى التأخر في اللجوء أو الذهاب إلى المستشفى وإلى انعدام الوعي الكافي بخطورة " الكوفيد 19 " بالنسبة لكبار السن وللذين يعانون من أمراض مزمنة. وهي الفئة من المواطنين التي ينبغي أن تستهدفَها حملات التوعية وبشكل مركزٍ ومنتظمٍ .
ومع ذلك ، فالبرتوكول الجديد بالنسبة لهذا المرض منطقي ، أي شكل الفحص الأولي والعلاج بالمنزل بالنسبة للذين ليست لهم أعراض واضحة أو لديهم أعراض بسيطة ، إغلاق الأحياء التي توجد بها بؤر للإصابات ...الخ.
وفي الأخير ، حذاري من التفكير في حجر عام.
اللهم ارفع عنا هذه الجائحة واهدي أبناء وطننا لإتباع النصائح الأساسية من استعمال للكمامة والتباعد وغسل اليدين وغيرها من الإجراءات الوقائية. فالوقاية دائما أفضل من العلاج.