في سياق النقاشات المتواصلة داخل اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن ملف الصحراء، تبرز الحاجة إلى إعادة تقييم موقع هذا الملف ضمن الآليات الأممية، بما ينسجم مع التحولات السياسية والقانونية التي عرفها، خصوصا بعد أن أصبح مجلس الأمن هو الفضاء الحصري لبحثه في ضوء قرارات تؤطره كقضية نزاع سياسي إقليمي، وليس كمسألة تصفية استعمار.
ورغم أن المغرب هو من بادر بإدراج الملف في اللجنة الرابعة منتصف الستينيات في سياق سعيه إلى استكمال وحدته الترابية، فقد تحولت هذه اللجنة منذ السبعينيات إلى منبر دعاية سياسية تستغله الجزائر للترويج لأطروحة الانفصال، عبر تأطير مجتزأ للملف يتجاهل السياق التاريخي والسيادي الذي يربط الأقاليم الجنوبية بالمملكة. كما أن الطابع غير الإلزامي لقرارات هذه اللجنة لم يمنع خصوم المغرب من استخدامها لتمرير مغالطات وتقديم شرعية موهومة لكيان انفصالي يفتقر إلى أي مقومات سيادية أو قانونية.
أمام هذا الواقع، تطرح الضرورة الاستراتيجية على المغرب أن يدفع في اتجاه حصر الملف داخل مجلس الأمن، باعتباره الجهة المختصة بتدبير قضايا السلم والأمن الدوليين، وصاحبة القرار في هذا النزاع المفتعل، فمسار التسوية الذي أطلقه المجلس منذ 2007، والذي يضع مبادرة الحكم الذاتي المغربية في صلب الحل السياسي الواقعي وذي المصداقية، يعكس تحولا نوعيا لا ينسجم مع بقاء الملف رهينة لمناورات اللجنة الرابعة ومن يدور في فلكها.
وعليه، فإن المغرب مطالب بتعزيز الحجة القانونية والسياسية المؤكدة على أن الأمر يتعلق بنزاع إقليمي بين دولتين، هما المغرب والجزائر، وليس بين دولة و"حركة تحرير" كما يروج له.
هذا التوصيف تدعمه قرارات مجلس الأمن المتعاقبة، والتي تكرس الجزائر طرفا مباشرا من خلال دعوتها الصريحة للانخراط في الموائد المستديرة، باعتبار دعمها السياسي واللوجستي والعسكري لكيان لا يتمتع بأي شكل من أشكال السيادة ولا بأي عنصر من عناصر الكيانات الدولتية.
كما ينبغي إبراز الممارسة السيادية الفعلية التي يباشرها المغرب في أقاليمه الجنوبية، من خلال المنجز التنموي والمؤسسات المنتخبة التي تعكس إرادة الساكنة، في مقابل غياب أدنى مظاهر السيادة أو الديمقراطية في مخيمات تندوف، حيث يتم تغييب أصوات السكان ومصادرة حقوقهم، وسط انتهاكات ممنهجة ترتكبها الميليشيات الانفصالية في ظل غياب الرقابة الدولية.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية توظيف التحولات الجيوسياسية الجارية، خاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث بدأت دول عديدة تراجع مواقفها التقليدية وتنخرط في دعم المبادرة المغربية، هذه الدينامية الإقليمية ينبغي تحويلها إلى تكتل دولي داخل أروقة الأمم المتحدة، يطالب بتجاوز الخطاب المتجاوز للجنة الرابعة، والتأسيس لمعالجة أكثر واقعية داخل مجلس الأمن.
كما يتعين التركيز على البعد الحقوقي، من خلال تسليط الضوء على الوضع المأساوي داخل مخيمات تندوف، ورفض الجزائر السماح للمفوضية السامية للاجئين بإجراء إحصاء سكاني دقيق، وهو وضع لا يمكن السكوت عنه، ويحمل الجزائر مسؤولية قانونية مباشرة باعتبارها الدولة المضيفة التي تتحكم في حرية وحياة السكان.
إن المغرب، وهو يراكم الاعترافات الدولية بسيادته على أقاليمه الجنوبية، ويعزز موقعه كشريك استراتيجي لأجل تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، مدعو اليوم إلى الانتقال من الدفاع إلى الهجوم الدبلوماسي، عملاً بالتوجيهات السامية الداعية إلى اعتماد الاستباقية والمبادرة.
من هذا المنطلق، فإن فتح نقاش مؤسساتي داخل الأمم المتحدة بشأن جدوى استمرار إدراج الملف ضمن اللجنة الرابعة، يمثل خطوة سيادية واستراتيجية نحو تكريس واقع جديد، ينقل الملف إلى فضاء اتخاذ القرار لا فضاء إعادة إنتاج المزايدات.
محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان