الجمعة 19 إبريل 2024
منبر أنفاس

أمينة البسطي: أنا هنا أم هناك.. وحديث الروح..

أمينة البسطي: أنا هنا أم هناك.. وحديث الروح.. أمينة البسطي

لماذا بُحت بِسرنا؟ تراك ستنظرين إلي ولن ترف رموشك الحائرة والثكلى؟ تراك ستنعمين بعد بالراحة التي ظننت أنك ستعيشنها بعد بوحك السخيف هذا؟

 

من يتحدث؟ لا أرى غيري بهذا المكان، تراه صوتا سكن هذا المكان منذ زمن بعيد؟ أم أن هذا الصوت لزمن سيكون؟ وهل للصوت أن يعيش؟ حياة الأصوات قصيرة، لازلت أتذكر صوت صديقاتي وقهقهتنا ونحن نجرى خلف بعضنا في ساحة المدرسة الصغيرة، كم من مكان رأيناه كبيرا ونحن صغار؟ المكان لا يحمل صفة في ذاته كما الإنسان، نحن من ننحت على الأمكنة انطباعاتنا وانشغالاتنا، فالتصقت بذاكرتنا حمولات تلك الرؤية والانطباع الذي تمثلناه في صبانا، لكل مكان شغلناه في حياتنا شيئا يميزه، إلا مكان وقفتي أمامك له نفس الانطباع على نفسيتي، مرآتي وقد صار الوقوف أمامك عنوانا للتحدي، لخبطة كبيرة تعتريني الآن، أنا هنا أًم هناك؟ كيف لي أن أعرف؟ ومن يلومني عن البوح بسر جمعنا؟

 

أنا آسفة لم أكن يوما كاتمة للأسرار، ربما صدري لا يتسع إلا لحيرتي، ولا شيء أهم أخفيه من سر حيرتي في البحث عن معنى لوجودي.

إنه صوتي، أنا مرآتك، امسحي عني غبار الزمان كي أراك.

مهلا أيكما تتحدث مرآتي أم روحي التي تسكنك؟

 

سيان لك، ما جدوى أن تعرفي من يتحدث؟ وكيف لك أن تفصلي بيننا؟ كل الذين خاضوا غمار النقاش في الفصل بين ما هو ملموس ولا ملموس، وما هو موجود وغير موجود قد تعبوا وذهبوا في طريقين متوازيين، ولم يستطيعوا يوما أن يحققوا هذا الالتقاء الذي نحققه -روحك ومرآتك-، باستثناء من بقي بين بين، عليك أن تقبلي بأن ما لا تستطيعي لمسه لن تتمكني من التحكم فيه، أَنظري لشذرات من وجهك المتقطع، أسرعي في كشف الأجزاء التي تودين رؤيتها.

 

ما بك يا وجهي؟ أصبحت شاحبا مهترءا قضى عليك الزمان، ولم يمنحك حظا في هذه الحياة.

تراك تمنيت أن تكوني في أحسن من هذه الحال؟ أو أنك تودين الخلود على شكل أحببته في نفسك؟

أراك يا روحي تخاطبينني بنبرة قاسية، ما الذي حل بك بعد رحيلك عني؟

ما عساه يحدث لي، بحثت عن ذات تروقني فما وجدت غيرك يفهم قصدي، فغدوت تائهة منعني كبريائي من العودة لمرآتك، التي كساها الغبار، ولم تعد قادرة على عكس ما يقابلها فانقطعت عن محيطك وعنك، لم تفكري يوما في، صرت مستسلمة خنوعة لا شيء يعنيك، ظلم يحوطك وأنين يخرق مسامعك، لا تذرفين دمعا كعادتك، سئمتك وأنت على هذا الجبن، حياة واحدة ستعيشينها.

 

وما أدراك بهذا الحكم، هي تجربة وحيدة لم ولن يتقاسمها أحد، سنعيشها فرادى سنموت ولن نعود لنحكي عما كان، أي داع للذي صنعك، ما كان غرضه ودافعه؟  تراه الماء الصافي الراكد ألهمه؟ فرق كبير بين اِنعكاسي في أصل الحياة واِنعكاسي في جماد أستطيع كسره ومحوه من الوجود، نعم هكذا أراك يا مرآتي الآن، ظننت طويلا أنك تعرفينني وتكشفين عن عريي، وتعكسين وجودي، لا شيء فيك غير اِنعكاسي، ولا شيء يوجد خارجي، أنا هنا ولست هناك..