الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الغني السلماني: الغباء السياسي ومنطق التاريخ (1/2)

عبد الغني السلماني: الغباء السياسي ومنطق التاريخ (1/2) عبد الغني السلماني

"ما يزعجني ليس أنك كذبت على التاريخ؛ إنما يزعجني أنه لا يمكن تصديقك بعد الآن"، (نيتشه)

 

الوفاء للأصدقاء:

الكتابة عن ملف لأكثر من عقدين، دليله الوفاء لروح الشهيد والصديق الذي جمعتك به العديد من القضايا وعلى رأسها الانتماء لمنظمة طلابية، تسمى اختصارا أوطم، إنه الشهيد والصديق الذي جمعتنا الشعبة في رحاب كلية الآداب جامعة سيدي محمد بن عبد الله ظهر المهراز فاس .

 

الوفاء لروح الشهيد أيضا، هو مناصرة للعائلة بمعرفة واقعة اغتيال ابنها، ورغبة رفاقه ومحبيه والفصيل الذي انتمى إليه، في تخليد ذكراه كل سنة وكل بطريقته، وفي وجود مؤسسة تدافع عن الحياة وتناهض العنف والكراهية، إنها إرادة الإرادات في معرفة الحقيقة كل الحقيقة.

 

لابد من التذكير أن  ملف الشهيد أيت الجيد محمد بنعيسى تتوفر فيه مجموع أركان جريمة الاغتيال السياسي، وهي من الجرائم التي جرمها القانون الدولي لحقوق الإنسان، والتي لا تخضع للتقادم، ومن هذا المنطلق فان تذكير وإعادة التذكير وإحياء هذا الملف من طرف العائلة وأصدقاء ورفاق الشهيد والجمعيات الحقوقية؛ يعتبر أمرا مهما، طالما أن القضاء الوطني لم ينصف الشهيد بحجم الحقيقة التي تنتظرها العائلة والقوى المناضلة. وطالما مازلنا نردد مقولة أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، فالعائلة ورفاق الشهيد آيت الجيد محمد بن عيسى متشبثون بالكشف عن الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة.

 

والكتابة هنا تعني الذاكرة ولا تحيل على الانتقام والزج بالخصوم في غياهب السجون تحت رهان سياسوي كما يعتقد المتهم ومناصروه. بل الكتابة هنا، هاجسها حفظ الذاكرة والوفاء لتاريخ الحركة الطلابية المجيدة الذي يعتبر نبراس التنوير ومناهضة الظلم بكل أشكاله، من أجل الدفاع عن المصالح المادية والديموقراطية للطلاب، وتحصين الهوية الكفاحية لمنظمة كانت ولا تزال مدرسة للنضال والوفاء.

 

حامي الدين المُتهم.. حامي الدين الباحث عن الخلاص:

عبد العالي حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية والمتهم باغتيال الشهيد آيت الجيد محمد بنعيسى يختار المناسبات بعناية فائقة لتبييض سيرته والتملص من التهمة الموجة إليه والمتعلقة بالقتل العمد المتابع بصددها، مما يجعل طموحه السياسي يدفعه باستماتة إلى أن يلقي بنفسه في قضايا تخص الوطن من أجل ابتزاز أكبر.

 

التهمة الموجهة للسيد حامي الدين هي جريمة "القتل العمد" مع سبق الإصرار والترصد وهكذا كانت الحكاية في واضحة النهار وأمام الجمهور حيث تم المشاركة في جريمة قتل  باعتبارها الجريمة التي يقرر لها القانون عقوبة أشد من تلك التي قررها للقتل العمد البسيط نتيجة اقترانه بظروف مشددة، والظروف المشددة هي عناصر أو وقائع تلحق بالفعل الإجرامي وتكشف عن خطورة زائدة لفاعلها وتستتبع توقيع جزاء رادع يلائم تلك الظروف.

 

وجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد في عملية اغتيال آيت الجيد بأنه "القصد المصمم عليه قبل الفعل لارتكاب جناية والغرض هو القصدية في الإيذاء" من خلال توقيف السيارة بالقوة في الشارع العام، وبهذا يُعد سبق الإصرار أحد الظروف المشددة والمرتبطة  بفعل  إجرامي  كان الغرض منه قتل نفس حرة مسالمة لم تشارك لا في شِجار ولا عِراك ولا هم يحزنون، إذ إن التشديد هنا يرجع إلى الخطورة المتزايدة لفعل القتل والتصميم الذي رافقه في التخطيط وتنفيذ الجريمة.

 

لذلك لا بد من التذكير بما يضعه فقهاء القانون أن سبق الإصرار يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيدا عن ثورة الانفعال مما يقتضى الهدوء والرُوية قبل ارتكابها، علاوة على أنه يعد الجاني فى حالة ذهنية هادئة من خلال الفعل المقرون بالقصدية في الإيذاء وتثبيت الرأس على الرصيف والإجهاز على الجاني بحجر كبير، حسب شهادة الشاهد المرافق  للشهيد آيت الجيد الحديوي الخمار أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية.

 

قمة البشاعة في الاغتيال فلا يستطيع أحد أن يتخيل المشهد المؤلم الذي هز مدينة فاس، وكيف كتبت عنه الصحافة الوطنية خلال تاريخ وقوع الجريمة، سيأتي وقت نشر كل ما كُتب عن الجريمة بلسان الصحافة الوطنية وحجم الإدانة التي رافقة الجريمة  .

 

لذلك لابد أن نكشف أن العنصر النفسي هو المحرك للجريمة، حيث تستلزم عملية سبق الإصرار أن يكون الجاني قد أتم تفكيره وعزمه في هدوء يسمح باقتراف الجريمة، من خلال تعقب السيارة وتوقيفها والإقدام على الفعل الجرمي أمام حشد كبير من الناس والجريمة اقترفها نفر كبير لم تكشف الحقائق والوقائع سوى شخصين فقط، وهذا ما يجعل العائلة وأصدقاء الشهيد يطالبون بالحقيقة كاملة مكتملة.

 

وعليه؛ إذا كان عبد العالي حامي الدين متابعا في قضية جنائية تتعلق بالمشاركة في قتل العمد مع سبق الإصرار والترصد. جريمة وقعت في واضحة النهار كان ضحيتها الشهيد محمد آيت الجيد محمد بنعيسى، فإن المنطق يقتضي أن يمنع نفسه من الخوض سياسيا وفكريا وأخلاقيا في الحديث في كل ما له علاقة بقضايا الفكر وحقوق الإنسان إلى أن يقول القضاء كلمته النهائية وتظهر حقيقة اغتيال آيت الجيد للشعب المغربي.

 

غير أن منطق حامي الدين والخلفية التي ينهل منها تجعله دائم الاعتقاد أن هذا التكتيك السياسوي سيوفر له الحصانة من استكمال المتابعة القضائية وسيجعله يخلط الأوراق أكثر؛ لذلك يختار بعناية خرجاته حتى يتملص من  ورطته الجنائية...