الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

الدكتور كمال السعيدي : أكلت مصر وسوريا يوم أكل ثورة العراق

الدكتور كمال السعيدي : أكلت مصر وسوريا يوم أكل ثورة العراق الدكتور كمال السعيدي
في حرب الخليج الثانية شارك النظامان السوري والمصري (ومعهما طبعا عددا من الدول العربية الأخرى بما فيها المغرب) في العدوان الثلاثيني على العراق تحت راية وقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ل"تحرير الكويت" .. أملا في أن يشكل ذلك بالنسبة لسوريا مدخلا لتحسين علاقتها بالغرب في ما كانت مصر تحت حكم مبارك خادمه التقليدي الوفي .. 
بعد سنوات وحرب جديدة بحجة القضاء على أسلحة الدمار الشامل سيسقط النظام العراقي ويدخل العراق الذي كان يحسب له ألف حساب بعد مقاومة شرسة للإحتلال الأمريكي في حرب أهلية مدمرة لنسيجه المجتمعي ولجميع مقدرات شعبه .. فقد العراق على إثر كل ذلك سيادته الوطنية وأصبح ساحة صراع مفتوحة للمصالح والمطامع الإقليمية والعالمية .. وهي حالة من الضعف والتفكك لم يتجاوزها إلى اليوم ..
 رغم توثر العلاقة بين نظامي البعث بالعراق وسوريا فإن سقوط بغداد ساهم في إضعاف دمشق بل وكل الدول والقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية .. كما ساهم في اختلال موازين القوى في المنطقة لمصلحة إيران التي تزايدت أطماعها في العراق وعملت على تأجيج الصراعات الطائفية في عدد من الدول العربية الأخرى كي تجد لها أدرعا وروافدا لتنفيذ مخططاتها التوسعية وحماية مصالحها الإستراتيجية .. ولمصلحة تركيا كذلك التي كان لها دائما مطامع في سوريا، مطامع غذتها مجددا من خلال دعم جحافل من المقاتلين الذين تم استقدامهم من كل بقاع العالم بدعم أمريكي خليجي بل وحتى إسرائيلي للعمل على إسقاط نظام دمشق مستغلين الحالة الثورية التي عرفتها المنطقة العربية والتي جرفت معها مبارك وبنعلي .. ولولا تدخل روسيا لحماية مصالحها وقواعدها في شرق المتوسط لكان النظام السوري قد انتهى إلى مصير "شقيقه اللدود" في العراق .. صمد النظام نسبيا في النهاية أما سوريا البلد فهي اليوم مجرد أطلال وخراب بعد سنوات من القتال العنيف بين جيشها والميليشيات المؤدلجة المسلحة والمسخرة ضده .. 
مصر أيضا قد تدفع اليوم ثمن تآمرها على العراق .. ها هي الأطماع التركية تمتد إلى ليبيا البلد الغني بالنفط والغاز بمباركة أمريكية وتوجسات أوروبية من النزوعات العثمانية الجديدة لنظامها .. وإذا استتب لها الأمر هناك في هذا البلد المجاور لمصر فإن الأخيرة ستجد نفسها تحارب بجبهة داخلية غير متراصة بسبب تداعيات الإنقلاب العسكري على حكم الإخوان، ومحاصرة غربا وشرقا في مواجهة نفس القوى وأدواتها التي دمرت سوريا وجنوبا في مواجهة مشروع تنموي اثيوبي مدعوم إسرائيليا وله تداعيات جيواستراتيجية كارثية على مصر وشعبها خاصة بعد تقسيم السودان واختراق نظامه الجديد في الشمال .. 
صحيح أن الحالة المصرية مختلفة عن سوريا والعراق من حيث علاقة نظامها التقليدية بالغرب بعد إقامتها لعلاقات ديبلوماسية مع إسرائيل وعقدها لإتفاقية تطبيع ملزمة طويلة الأمد لمصلحة الأخيرة ولكن هذا لا يمنع أن الغرب عموما كما إسرائيل، لا ينظر بعين الرضا لأي بلد عربي يمتلك مقومات النهوض مهما كانت جودة علاقاته بالنظام الحاكم ..  
بعد انهيار الجيشين العراقي والسوري وضعف الدولة بهما فإن الدور ربما قد جاء على مصر وجيشها .. سقوط مصر الدولة العربية الأكبر (وليس نظامها الدي لا يهمنا في شيء ) سيكون له تداعيات خطيرة ستغير ربما وجه المنطقة العربية إلى الأبد، في اتجاه أكثر سوءا مما رأينا بعد سقوط بغداد .. 
والله أعلم ..