الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

الصادق العثماني: الإسلام دين الرحمة والمحبة والتسامح والسلام

الصادق العثماني: الإسلام دين الرحمة والمحبة والتسامح والسلام الصادق العثماني
إن ظاهرة تكفير المسلم لأخيه المسلم أصبحت ظاهرة مقلقة للغاية وتنذر بكوارث لا تحمد عقباها؛ فإذا لم تعالج بقوانين زجرية صارمة ستتفاقم وتنمو وتكبر، وبالتالي يصعب معالجتها أو إخمادها، والغريب في الأمر أن هذه الظاهرة لم تنتشر بكثرة، إلا في أوساط الدول الاسلامية السنية، مع أن أهل السنة وخاصة السادة الأشاعرة لا يكفرون أهل القبلة، لهذا الإمام الأَشْعَرِيَّ رحمه الله تعالى قَدْ رَفَضَ عَقِيدَةَ التَّكْفِيرِ بِشِدَّةٍ، حَتَّى إِنَّ آخِرَ كَلِمَةٍ مَاتَ عَلَيْهَا هِيَ قَوْلُهُ لأحَدِ جُلَسَائِهِ وَهو يَحْتَضِرُ:" اشْهَدْ عَلِىَّ أَنِّي لاَ أُكَفِّرُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ، لأِنَّ الْكُلَّ يُشِيرُونَ إِلَى مَعْبُودٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا هَذَا كُلُّهُ اخْتِلاَفُ الْعِبَارَاتِ".
وَعِنْدَمَا يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ بِقَضَايَا اجْتِهَادِيَّةٍ فَإِنَّ أَئِمَّةِ الْعَقِيدَةِ الأشْعَرِيَّةِ يُظْهِرُونَ تَسَامُحاً لاَ نَظِيرَ لَهُ، حَيْثُ لَمْ يُكَفِّرُوا مَنِ اجْتَهَدَ فِي تَقْرِيبِ بَعْضِ قَضَايَا الاعْتِقَادِ كَإِنْكَارِ رُؤْيَةِ اللهِ تَعَالَى، أَوِ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الأَفْعَالِ وَمَسْأَلَةِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَخَلْقِ الْقُرْآنِ وَبَقَاءِ الأَعْرَاضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ دَقَائِقِ عِلْمِ الْكَلاَمِ، فَالأُولَى كَمَا يُقَرِّرُ عُلَمَاءُ السنة عَدَمُ التَّكْفِيرِ؛ لِكَوْنِ أَصْحَابِهَا مِنَ الْمُتَأَوِّلِينَ، وَالتَّأْوِيلُ إِنَّمَا هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الاجْتِهَادِ فِي فَهْمِ النَّصِّ، وَهُوَ عَمَلٌ يُثَابُ عَلَيْهِ الْمُجْتَهِدُ، سَوَاءٌ أَخْطَأَ أمْ أَصَابَ.
وَقدَ وَضَعَ الإمامُ الغَزَاليُّ قَاعِدةً جَليلةً فِي هَذَا الْمَوْضِع الْخَطيرِ الحساس فَقَالَ: " وَالذِي يَنبغِي أنْ يَميلَ المحصلُ إليه الاحترازُ مِنَ التكفير مَا وَجد إليه سبيلا، فإنَّ استباحةَ الدماء والأموال من المصلين للقبلة، المصرحين بقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، خَطَأٌ، وَالْخَطَأُ فِي تَرْكِ أَلْفِ كَافِرٍ فِي الْحَيَاةِ أَهْوَنُ مِنَ الْخَطَأ فِي سَفْكِ مَحْجَمَةٍ مِنْ دَمِ مُسْلِمٍ". كما وضع قَواعِدَةً أُخْرَى مُسْتَلْهَمَةً مِنْ رُوح الشَّرْع الْحَكِيم منها: "إنَّ الْخَطَأ فِي حُسْنِ الظَّنِ بِالْمُسْلِمِ أَسْلَمُ مِنَ الصَّوَابِ فِي الطَّعْنِ فِيهِ. فَلَوْ سَكَتَ إِنْسَانٌ مَثَلاً عَنْ لَعْنِ إبليسَ أوْ لَعْنِ أَبِي جَهْلٍ أَوْ أبِي لَهَبٍ أَوْ مَا شِئْتَ مِنَ الأشْرَارِ طُولَ عُمُرِهِ لَمْ يَضُرَّهُ السُّكُوتُ. وَلَوْ هَفَا هَفْوَةً بِالطَّعْنِ فِي مُسْلِمٍ بِمَا هُوَ بَرِيءٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْهَلاَكِ..".
إن اختلاف الآراء المتعلقة بالشؤون الدينية، سواء كانت آراءً فقهية كاختلاف المذاهب الفقهية، أم عقدية كاختلاف الأشاعرة مع الماتوريدية وغيرهم من الفرق الكلامية، شيء عادي ولا يفسد للود قضية كما يقال، أما أن نحول ديننا الإسلامي من دين الرحمة والمحبة والتسامح والسلام والتعايش.. إلى آلية انقسام وبغض وكراهية وصراع وتكفير وقتل وتقاطب في المجتمع وظلم وتجبر وطغيان واستعلاء على عباد الله تعالى، فاعلم أن جسد هذا الدين نفسه قد أصيب في مقتل، لأننا قد أخرجناه عن روحانيته وربانيته ومقاصده .