الثلاثاء 19 مارس 2024
منبر أنفاس

أمينة البسطي: أنا والمرآة وحديث الروح!!

أمينة البسطي: أنا والمرآة وحديث الروح!! أمينة البسطي

وأنا طفلة، بل وشابة كثيرا ما كنت أنظر لمرآتي التي هجرتها الآن، كل المحيطين بي كانوا يعتبرون أنفسهم مدركين للوضعية، وهم على دراية بأنها مرحلة تستدعي النظر إلى المرآة، وهي فترة يمر منها كل إنسان سوي، إذ يكتشف من خلالها ما يطرأ عليه من تغيرات/ تحولات ونتوءات في شكل جسمه.

 

لم أستطع التعبير عن انزعاجي من هذا التحليل الذي أصبح حكما جاهزا وقاصرا، عدا الآن.. لم أكثرت يوما لأشرح لهم أن ما أتحسسه في مرآتي يتجاوز تتبع تفاصيل شكلي، بل ألتقي مرآتي لأحاور نفسي وأتساءل معها عن أحوالها وما تطمح إليه، وكأنها منعزلة عني ولا أجدها حتى أقابل مرآتي، فتأبى أن تسكنني وتستقر في ذاتي، إلا إذا استطاع هذا الجسم أن يحقق لها رغبتها ومبتغاها..

 

هي الروح إذن تهجرني وتسكن مرآتي، أمعن فيها النظر فتلبسني وأحس بدفئها وهي قريبة مني، تهمس لي باستخفاف متناهي:

كيف لك ان تحققي لي ما أتوق إليه وأنت قليلة الحيلة مكسورة الجناح؟

 

لست أحبك وأنت على هذه الحال، ولن أسكنك طويلا، وضعك لا يعجبني، فتاة تحكمها أحلام منمطة، فتجعلك تصطفين وتنتظرين في طابور لا انتظام له،  فقط يعرف منتهاه: أم، مطبخ، طاعة... أنا الروح التي تطمح أن تسكن ذاتا تريحني من أسئلتي المؤرقة: كيف وجدنا على صخر مكور باطنه يغلي وهو يدور وندور معه ولا نعود؟ ولماذا نحن على هذا الحال؟ وهل لنا مثيل؟ وماذا كان وسيكون؟

 

لا أتوقع أن هذا الطابور البئيس الذي تقفين فيه، يحفزني على البقاء معك طويلا، سأهجرك في غفلة منك وأنت منشغلة بهموم الحياة، هكذا روحي تعذبني، فيتكرر ولعي ورغبتي في معرفة ما إن كانت روحي قد غادرتني حين غفلت عنها في أمور لا تحظى بأهمية عندها، فأهرول لمرآتي بحثا عنها، أمعن النظر في عيوني، في تفاصيل روحي أناجيها أتوسلها ان تمهلني زمنا يكفي لأحقق مبتغاها، وهل يمكن للصخر المكور ان يكف عن دورانه؟

 

هي تلك الجنود المحيطة بي، المتراصة والتي تدعي أنها العارفة بكل ما يجول بخاطري، تكبل جموحي وتحده، يا روحا أرتب لك جسما جميلا تسكنيه فتحبينه، فيلطخونه بكدر وخوف زائد لا معنى له عندي، إلا في قلوبهم التي لم يستطيعوا تنقيتها من شوائب الجهل العارف بخبايا الناس في مخياله، ليثني أرتاح مثلهم، وأعتلي عروش المطلق والجاهز فترتاح روحي وتسكن ذاتي، تراني الان وقد هجرت مرآتي أنني اعتليت تلك العروش، أم أنني تعبت من تتبع روحي ،وأثقلتني تساؤلاتها التي سرعان ما  تتجدد...

 

أمينة البسطي، منسقة نادي المواطنة والتربية على حقوق الإنسان بتطوان