Tuesday 4 November 2025
Advertisement
مجتمع

علم الغدد الصماء في المغرب… في صميم الأمراض المزمنة التي تستنزف الأسر والميزانيات

علم الغدد الصماء في المغرب… في صميم الأمراض المزمنة التي تستنزف الأسر والميزانيات الدكتور أنور الشرقاوي والدكتور فؤاد رقيواق
 بقلم: الدكتور أنور الشرقاوي، وبمساهمة الدكتور فؤاد رقيواق، رئيس الجمعية المغربية لأمراض الغدد الصماء والسكري والتغذية (SMEDIAN )
 
 
لطالما بقي علم الغدد الصماء في الظل، رغم أنه يشكل اليوم محورًا رئيسيًا في منظومة الطوارئ الصحية في العالم و بالمغرب.
 
السكري، السمنة، اضطرابات الغدة الدرقية، العقم الهرموني، تأخر النمو، واضطرابات الأيض… كلها أمراض خفية، لكنها تترك وراءها آثارًا إنسانية واقتصادية باهظة.
 
إنه عبء صامت لم يعد للمغرب ترف تجاهله.
 
علم الغدد الصماء ليس مجرد تخصص طبي، بل قضية وطنية تمس الاقتصاد والمجتمع وحتى الرؤية الحضارية للبلاد.
 
فالأرقام تتحدث بوضوح:
أكثر من 2.7 مليون مغربي يعانون من السكري، ومليون آخرون لا يعلمون بإصابتهم.
 
ثلث البالغين يعانون من السمنة، وعدد الأطفال المصابين في ارتفاع مقلق.
 
أما اضطرابات الغدة الدرقية، فتستهدف النساء بشكل متزايد، في غياب شبه تام لبرامج الكشف المبكر والمتابعة المنتظمة.
 
هذه الأمراض ليست معزولة، بل تُغذي سلسلة من الكوارث الصحية:
جلطات دماغية، أمراض قلبية، قصور كلوي، عمى وبتر للأطراف.
 
إنها أمراض تقتل ببطء، في صمت الأولويات الصحية.
 
عجز في عدد الأطباء الأخصاءيين... ونقص في الوسائل
 
العائق الأول هو قلة عدد الأخصائيين.
المغرب لا يضم سوى حوالي 350 طبيبًا متخصصًا في الغدد الصماء، أغلبهم متمركزون في المدن الكبرى، بينما تظل مناطق الوسط والجنوب شبه محرومة.
 
أما العائق الثاني، فهو ضعف التجهيزات والتكوين في المراكز الصحية الأساسية.
 
فالكثير من هذه المراكز لا تتوفر على أجهزة قياس الهرمونات أو طواقم مدربة على التعرف على العلامات الأولى للأمراض الغددية.
 
العائق الثالث هو غياب رؤية وطنية موحدة.
 
فالسكري له خطته الوطنية، والتغذية لها حملاتها، لكن علم الغدد الصماء ما زال يفتقر إلى خارطة طريق واضحة وشاملة.
 
 
SMEDIAN… منارة علمية قادرة على التغيير
 
في هذا السياق، تبرز الجمعية المغربية لأمراض الغدد الصماء والسكري والتغذية (SMEDIAN) كقوة اقتراحية فاعلة.
 
فهي لا تكتفي بتكوين الأطباء الأخصاءيين وتبادل الخبرات، بل تدافع عن إدراج الأمراض الهرمونية والتمثيلية في صلب السياسات الصحية الوطنية.
 
تمتلك الجمعية الشرعية العلمية والقدرة التنظيمية لإطلاق استراتيجية وطنية ترتكز على أربعة محاور:
 
1. الوقاية عبر حملات تستهدف المدارس والنساء والمناطق القروية.
 
 
2. التكوين من خلال دعم كفاءات الأطباء العامين والممرضين في الكشف المبكر.
 
 
3. تنسيق العلاجات بين مختلف مستويات الرعاية الصحية.
 
 
4. البحث العلمي الوطني لتكييف البروتوكولات العلاجية مع الخصوصية الوراثية والتغذوية للمغاربة.
 
 
إعلام غائب... ووعي ناقص
 
يعاني علم الغدد الصماء من ضعف في حضوره الإعلامي.
 
نادراً ما يُذكر في الحملات الوطنية أو في وسائل الإعلام، وكأنه تخصص للأطباء فقط.
 
غير أن هذا “الغياب” يمكن أن يتحول إلى قوة تأثير.
 
فبشراكة بين SMEDIAN ووزارة الصحة والإعلام الوطني، يمكن تعزيز الثقافة الصحية لدى المواطنين:
شرح دور الهرمونات في المدارس، نشر التوعية عبر التلفزيون، وتنظيم أيام مفتوحة في المناطق النائية.
 
فالمجتمع الواعي هو مجتمع يُعالج نفسه مبكراً.
 
الاستثمار في الغدد الصماء... استثمار في المستقبل
 
الفوائد الصحية والاقتصادية لإصلاح هذا القطاع هائلة:
الوقاية والتشخيص المبكر يمكن أن يخفضا مضاعفات السكري بنسبة الثلث، ويوفرا مليارات الدراهم من نفقات العلاج، ويطيلان عمر مئات الآلاف من المواطنين.
 
أقل بترًا، أقل سكتات دماغية، أقل معاناة… وأكثر كرامة وإنسانية.
 
لكن ما هو أبعد من الأرقام هو اختيار مجتمعي.
 
الاستثمار في علم الغدد الصماء يعني الاستثمار في جودة الحياة، وكرامة المريض، ومستقبل الصحة الوطنية.
 
اليوم، يرفع أطباء الغدد الصماء المغاربة صوتهم عاليًا، بدعم من SMEDIAN، مطالبين بتعبئة وطنية شاملة.
 
فالمغرب لم يعد يحتمل أن يواصل السكري والسمنة والاضطرابات الهرمونية تدمير أجياله في صمت.
 
لقد حان الوقت لتصبح الأمراض الغددية أولوية وطنية، مثلها مثل أمراض الكلى والسرطان.
 
إنها حالة طوارئ هادئة… لكن فوائد التحرك ستكون عظيمة.
لقد آن أوان الانتقال من الوعي إلى الفعل.