الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي: إلى رئيسة محكمة التفتيش.. اتقي لعنة معاداة السامية

محمد الشمسي: إلى رئيسة محكمة التفتيش.. اتقي لعنة معاداة السامية محمد الشمسي
لست كائنا سيبيرنيتيكيا، لذلك لا أمضي الكثير من الوقت أبدد عمري متسكعا في دروب العالم العنكبوتي، حتى بعث لي صديق عزيز رسالة وجدتها صادرة عن سيدة، تشير بسوء للمحامين الذين هم شرفاء القانون وفضلاء الحق وأقطاب العدالة، وتتحدث عنهم بكثير من البغضاء والضغناء والشحناء، وكأن لها دم أو ثأر في رقابهم، وقد كنت يومها في خلوة علمية عظيمة، أتنعم حلاوة اللغة ورفعة الفكر في ضيافة كتاب لا يهم صاحبه ولا عنوانه، قبل أن اضطر للهبوط إلى ما دون القاع  بغية تلاوة منشور السيدة المحترمة التي لم يحترم منشورها أصول اللياقة وفرائض الكياسة، فجاء الفساد في الشكل من حيث شذوذ الصياغة والركون للغة الشارع في استدعاء للدراجة العامية، وتشويه لقواعد اللغة الأم، مثلما كان العيب في المضمون المخل بقواعد القانون وإنكار الحقيقة وتحريف الوقائع...
لم أجد باعثا ولا مسوغا يا سيدتي لكل هذه الحمم المتدفقة من معاداة مهنة المحاماة السامية، ومعاداة أهلها في رسالتك التي كُتبت بمداد من الكره الشديد لقوم لم يحتجوا لك قرب دار، ولا داسوا لك عشب حديقة، ولا صدعوك بهتاف أو صداع، واستوقفني سؤال بصيغة الاندهاش، أتستخسرين يا سيدتي فيهم تظاهرا سلميا وتصفينه بالتصعيد المفضي للتأثير على القضاء؟، هل تناسيت سيدتي أن دستور 2011 الذي فك "عُقَدَ الألسن" اعتبر في الفصل 29 منه أن حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي مضمونة؟، ألا يشكل تجرؤك هذا اعتداء بيِّنا على روح الدستور؟، دون أن أسألك عن حجتك وبينتك في كون التظاهر السلمي هو مخالف للأعراف القضائية والمواثيق الدولية، وأنت العالمة المدركة لمبدأ "البينة على المدعي"؟، ليتبين أن شخابيطك تلك لا تعدو أن تكون بعزقة للمصطلحات، و"تشيار" بكلمات ليست كالكلمات.
وعجبت سيدتي لتغنج من يقصفون المحاماة بالمجانيق في أيام الاستقواء والحصانة، ثم يصبون إليها في أراذل العمر، ورحم الله جدتي التي كانت تردد حكمتها "أخ منو وعيني فيه".
خرق المساواة أمام القانون يا سيدتي هي ترك اللصوص والمجرمين يتسللون إلى مكتب محام تحت جنح الظلام ويسرقون الملفات ويضعونها في شاحنة القمامة ويتوجهون بها صوب المجهول، ترى أين كان قانونك و معه الساهرون على تطبيقه وسيادته ليلتها؟، فهل كان مبدأ المساواة أمام القانون ليلتها معطلا وبقصد وتواطؤ أم بتفريط وتقصير؟، ومن ثبت في نهاية الفضيحة أن له "أنصار  ومهاجرون" هل هو المحامي المسروق مكتبه، والمخروب عشه، أم ذلك "السيد النبيل" الذي لم يمنعه انشغال السلطات بمحاربة الوباء من أن يحصل منها على قرارات إدارية في عز حجر وقمة طوارئ تأذن له بكسر الأقفال وغزو الممتلكات لاقتسام الغنائم والمكتسبات؟.
قضية محامي الدارالبيضاء يا سيدتي لا تبدو فردية إلا لمن يعاني من مرض"الحَوَل الوحشي"،وقاك الله منه، هي جريمة ضد القانون، وضد مهنةٍ مكانة أهلها ميزان تقاس به عدالة الأمم، وضد محام مسالم وطيب وقيدوم مارسها بأنفة وشهامة قرابة نصف قرن من الزمن، وضد أفراد أسرته، وضد موكليه، وضد...وضد...
الاحترام بين المؤسسات والأشخاص يا سيدتي يكون متبادلا، وهو ليس أمرا ولا قهرا، والخوف وحده الذي يكون من طرف واحد، ومن لا يحترم المؤسسات لا يحترم نفسه، ولا يحترم الناس، والقضاء يا سيدتي ليس ملكا للقضاة، مثلما الحكومة ليست ملكا للوزراء، ولا البرلمان ملكا للنواب أو المستشارين، تلك سلط يملكها الشعب بكل فئاته وشرائحه وجمعياته وشخصياته، و السلط ليست ضيعات ينسبها البعض لنفسه، ويسعى إلى تسجيلها وتحفيظها وتسييجها لتهريبها والاستفراد بها، فثلث المجلس الأعلى للسلطة القضائية تقريبا ليسوا بقضاة، واستقلال القضاء هو "أم المعارك" التي خاضها ويخوضها المحامون والمحاميات بإصرار واقتدار، منذ اليوم الموالي لاستقلال الوطن، مرورا بسنوات الرصاص التي ذيلتها بعض الأحكام القضائية بالصيغة التنفيذية، حتى أن الدولة بجلال قدرها خجلت من نفسها واعتذرت ودفعت لضحايا تلك المحاكمات مالا لُبَدًا لتصالح التاريخ والأجيال، فلا تغتري سيدتي بمساحة حرية التعبير المكتسبة حديثا، فالتعبير مجرد وسيلة لتحقيق غاية أسمى، ولا تأخذك الحماسة و تُنَصِّبِي نفسك رئيسة لمحكمة من محاكم التفتيش سيئة الصيت، ولا تعادي السامية و"خلي للماء منين يدوز"، فربما تطمعين ذات سنة قادمة في بدلة هؤلاء الذين ترينهم اليوم "مهرطقون" فَتمَسَّكِ اللعنة.