الناس بحاجة لثورة روحية نورانية متجددة من الشغف العقلاني المتجرد من الأهواء لإحياء الجانب الروحي الفطري الذي يموت فيهم يوما بعد آخر ليستطيعوا العبور من فكرة التبلد تجاه الواقع أو وهم البديهيات المبنية على الأفكار الثقافية أو الدينية أو الشخصاني والانطباعية أي وهم العلم الإنساني المطلق أو الفهم الشامل للكثير من نواحي تشكل الكون المادي أو الإنسان أو طبيعة الحقيقية للأشياء مهملة الجوانب الأخرى باعتبارها غير مهمة أو محدودة بل وهمية.
يجب الانتقال إلى فكرة التوحد بالذات تجاه الأمل بما هو كائن والتخلص من فكرة ما يجب أن يكون، أي بما يجب أن نقدر عليه لنكون كما يفرض تصور التمني للوصول للخلاص أو نرڤانا المتوخاة.
لذلك فالإيمان يجب أن ينطلق مما هو كائن وحتى بما لا ندرك ولا نعرف على أساس أن الماهيات والكينونة كل تشكل حقيقة يمكن علمها وجهلها وأنه لا يوجد شيء بديهي غير نسبية المعرفة العامة حتى نعالج عيبا من عيوب الإنسانية.
فالناس ينقصهم الكثير من الوعي لاكتشاف الذات مثلا كما أي الوعي بأصغر فكرة ممكنة وفهمها بسبب تراكم كم كبير من المعتقدات التقليدية والفلسفية والسياسية والمجتمعية والتاريخية عبر العلاقات الجدلية ذات الطابع التراكمي والبرمجي التكراري فهذا هو السراب الإيديولوجي وهو أكبر عائق وعمى إدراكي للتصوف المعرفي.
هذا السراب الإيديولوجي يشكله كل جزء من كل منظومة فكرية نتوارثها أو نكتسبها لا شعوريا بشكل عفوي أو مبرمج يحاول عبثا حصر الحقيقية وتبسيطها لإيجاد نسق مريح وفعال للحياة التي تدور في وهم الحقيقة المطلقة والمقدس لأنهم جعلوا منها كيانهم وهويتهم بل أساس شخصيتهم ووجودهم، كل ذلك يعصب أعينهم عما وراء الشيء أي كنهه، جوهره وخطورة الجهل به أو عدم رؤيته من الأساس ككل الحقائق التي تعوض بالأكاذيب والخرافات وأحلام اليقظة أو حتى خدعة العلم المطلق.
لكن فكرة أنه لو كانت الحياة مجرد حلم او ظل أو نور لمصدر قد اختفي أو عاش منذ الأزل أو هي فقط امتداد لعوالم والحيوات وأكوان متعددة ومعقدة، هذا الفكر الثوري الإدراكي يرجع لبزوغ حكمة الخلاص من المركزية والذاتية ككينونة مقدسة، هنا فقط يمكننا الرجوع للأصل نحو نبع وجود الحقائق وماهيتها من خلال الانسلاخ من الأنا والذاتية وفكرة التفرد في الوجود والإدراك والفهم.
لكن عذابات إدراك الحقائق الأولية المنهجية تعصف بحقيقة المعرفة إذ خرجت عن مبدأ النسبية والشك والاستنتاج الدائم والاستسلام لحقيقة طبيعة الإنسان كجزء تافه في دورة حياة لا تنتهي يتغير شكلها السطحي فقط لكن لا يتغير جوهرها لأن أزمتها الوحيدة كرحلة لكي ندركها كما هي فعلا أو كما ينبغي أن تكون أنها لا تملك ذاكرة نورانية أو روحانية تنقل سجل العوالم والمعاشات أي سجل موثق للمابين الوجودي أي الموت والحياة ودورتهما وكل تناقضات وتجاذبات الخلق للآن وحتى النهاية.