Monday 28 July 2025
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: الأساس القانوني لتمديد سيادة المغرب على جهة وادي الذهب

عبد القادر زاوي: الأساس القانوني لتمديد سيادة المغرب على جهة وادي الذهب عبد القادر زاوي
يتبنى بعض الدبلوماسيين الأجانب وعدد من المختصين في القانون الدولي السردية الجزائرية، التي لا تفوت أي فرصة ليس فقط للتشكيك في مشروعية استعادة المغرب لوحدته الترابية، وإنما للطعن فيها ومحاولة تسفيهها ؛ وهي السردية القائمة على الترويج بقوة لمجموعة من المعطيات التي تم سلخها عن سياقها العام، وتسليط الضوء عليها كأنها معطيات مستقلة. ومن بين المعطيات التي تركز عليها السردية الجزائرية بكثافة تلك التي تدعي أن البعد التوسعي في السياسة الخارجية المغربية يتمثل في قبول الرباط تقسيم أقاليم الصحراء مع موريتانيا، وذلك بعد صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975. 

وتأسيسا على هذا المعطى المنزوع من إطاره الشامل تحاول السردية الجزائرية تسويق إقدام المغرب على استكمال وحدته الترابية ببسط سيادته على جهة وادي الذهب يوم 14 غشت 1979 بأنه عمل عدواني توسعي، مشددة على أنه لو كانت كل أقاليم الصحراء مغربية لما ارتضت الرباط تقسيمها في البداية، ولظلت مصممة على استكمال تحريرها دفعة واحدة.   

ويغيب عن أذهان هؤلاء المختصين وأولئك الدبلوماسيين ممن انساقوا وراء السردية الجزائرية المفضوحة الدوافع أن المغرب لم يمدد سيادته على كامل تراب الصحراء عنوة، ولا استعراضا للقوة أو تنصلا من التزاماته التعاقدية، وإنما اضطر إلى ذلك عندما قررت الطغمة العسكرية التي استولت على السلطة في موريتانيا بعد انقلابها على الرئيس المختار ولد دادة في يوليوز 1978 نقض محتوى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، والشروع في التخلي عن الجزء المخصص لها بموجب اتفاق مدريد في 14 نونبر 1975، لفائدة مرتزقة البوليزاريو.

وكما هو معلوم، فإن ذلك التخلي لو حصل كان سيمثل خرقا سافرا لمقتضيات الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، الذي لا يتحدث مطلقا عن كيان ثالث آخر ذي صلة بالإقليم، كيان من شأن تواجده أن يقطع التواصل  بين المغرب وموريتانيا، وإنما ينص صراحة على وجود روابط بيعة وولاء لقبائل المنطقة مع سلاطين المغرب، وروابط إدارية وتجارية لبعضهم مع المجموعة الموريتانية المتلاصقة أراضيها مباشرة بالأراضي المغربية. 

لقد كان المغرب حين قبل التقسيم متسقا في خطاه وفي مواقفه مع أحكام القانون الدولي، حريصا على إبداء الاحترام الكامل لرأي صادر عن منظمة دولية ومؤسسة أممية معروف عنها أنها تهتدي فيما يصدر عنها من أحكام وآراء استشارية بقواعد القانون الدولي ومبادئه، وتؤمن تطبيقها عندما يطلب منها ذلك ؛ وهو الرأي الذي لم يتضمن أي إشارة ولو بطريقة غير مباشرة إلى أن لحركة البوليزاريو كتنظيم أي علاقة بهذا الإقليم، الذي لم تكن أيضا للقبائل التي تقطنه أي تعامل حتى ولو كان تجاريا أو رعويا بالتراب الجزائري لسبب بسيط يكمن في أن كيان الجزائر بصيغته الحالية كدولة لم يكن موجودا آنذاك، ولكنه كان جزءا من أقاليم ما وراء البحار الفرنسية، وقبلها كان إيالة عثمانية.

وإضافة إلى غياب أي ارتباط من أي نوع كان للإقليم بالبوليزاريو كحركة وتنظيم، وليس كأفراد، لأن بعض المنتسبين لهذه الحركة الانفصالية ينتمون لقبائل صحراوية معروف أنها بايعت سلاطين المغرب في الماضي، وجددت تلك البيعة في أكثر من مناسبة في الحاضر، فإن الإقليم لم تكن له أيضا أي صفة يمكن أن يستشف منها أنه تمتع في فترة ما من تاريخه بنوع من الاستقلالية، كما روجت لذلك السردية الجزائرية في العديد من المناسبات للتعتيم على استخفاف الجزائر بالقرارات الدولية وبأحكام القانون الدولي، وذلك بإعطاء أوامر للمرتزقة لإعلان دولة لا تتوفر لديها أبسط أركان نشأة الدولة.

إن الجزائر باعترافها بدولة لا تستجيب البتة للمعايير القانونية المتعارف عليها حول نشأة الدول تكون قد نسفت بيدها أطروحتها بشأن الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، لأنها بذلك الاعتراف صادرت هذا الحق قبل تطبيقه، وسقطت في تناقض صارخ مع نفسها، إذ كيف تطالب بتنظيم استفتاء لتقرير المصير  الإقليم، فيما هي قررت مصيره بالنسبة إليها منذ اعترافها بالدولة التي أمرت بإنشائها على ترابها.

ولهذا، فإن استباق الجزائر لنتائج استفتاء ما تزال متعنتة في المناداة بتطبيقه رغم إقرار الأمم المتحدة باستحالة تنفيذه يبرهن بوضوح على أن معاكستها ومحاربتها للوحدة الترابية للمغرب تحركها دوافع سياسية ذات نزعة هيمنية، تفتقد لأي أسس قانونية أو تاريخية، وهذا ما بدأ الكثير من أعضاء المجتمع الدولي يكتشفونه الواحد تلو الآخر، وهو الاكتشاف الذي ترجمه العديد من هؤلاء الأعضاء في دعم المبادرة المغربية الخاصة بمنح حكم ذاتي ذي صلاحيات واسعة لتسيير الشؤون اليومية لسكان الإقليم  تحت سيادة المغرب.