الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

رشيد لبكر : بين الحجر الصحي والطارئ الصحي

رشيد لبكر : بين الحجر الصحي والطارئ الصحي رشيد لبكر
دون الدخول في الإشكالات القانونية والدستورية التي صاحبت الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية التي أقرتها الحكومة المغربية  بعد مصادقة مجلسها على المرسوم بقانون رقم 2.20.292 مؤرخ في 23/03/ 2020، وبعده المصادقة على مرسوم رقم 2.20.293 المؤرخ في 24/03/2020 الذي أعلنت بواسطته حالة الطوارئ الصحية في المغرب، تحيينا منها للمرسوم الملكي رقم 65.554 الصادر في 17 من ربيع الأول 1387 (26 يونيو 1967) بمثابة قانون يتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء عليها،  يمكن القول، إن حالة الطوارئ الصحية هي الإمكانية المخولة للحكومة لاتخاذ كافة الإجراءات الممكنة قصد مواجهة ظرف استثنائي مرتبط بخطر صحي يحذق بصحة المواطنين، وهو إجراء مختلف طبعا عن غيره من إجراءات مشابهة، مثل حالات: الاستثناء والحصار وإشهار الحرب، على اعتبار أن هذه الأخيرة، منصوص عليهما في الدستور بنصوص خاصة، في حين أن حالة الطوارئ غير منصوص عليها دستوريا بصحيح النص أو العبارة، ولكن تأخذ شرعيتها من عموم نصوص أخرى في الدستور، وكذا بعض المقتضيات القانونية الأخرى، منها المرسوم الملكي الصادر في 1967 المشار إليه، 
وكيفما كان الحال، فالأمر يتعلق بإجراءات خاصة، تدخل في إطار مواجهة ظرف خاص، والدولة كانت ملزمة بالتدخل العاجل لدفع الضرر حماية لصحة رعاياها تنفيذا لواجباتها اتجاههم، وبالتالي فقد دفعت هذه الغاية بالحكومة (في شخص وزير الداخلية)، إلى تبني استراتيجيات مستعجلة من أجل للمواجهة،  عن طريق إصدار حزمة من الإجراءات المندرجة في إطار، ما يعرف في الفقه الدستوري والإداري ب "نظرية الطوارئ الصحية" ، وهي ليست بدعة مستحدثة في العرف القانوني، بل سبق للمغرب أن عمل بها سنة 1967 كما سبقت الإشارة إلى ذلك، كما أن العديد من الدول العريقة في الديمقراطية، تُضمن التنصيص عليها صراحة في بنود الدستور، بخلاف المغرب، الذي، وإن لم يرد التنصيص عليها في دساتيره السابقة واللاحقة، بما فيها الدستور الحالي، فإن الإعلان عن هذه الحالة،  تدخل - كما ذهب إلى ذلك عدد من الباحثين - في دائرة المجال التنظيمي الثابت للحكومة، والذي يخولها بالطبع، اتخاذ حزمة من التدابير ذات الصبغة القانونية الملزمة،خلال فترة زمنية محددة بموجب ما ينص عليه مرسوم حالة الطوارئ الصحية، والتي يمكن أن تعطل عدد بنود القانون، الأساسية منها والعادية، مع ما ينتج عن ذلك من مس بحركة نقل وتنقل الأشخاص، معنويين كانوا أم طبيعيين، ومنع التجمعات العمومية والتظاهرات الجماهيرية كيفما كان نوعها، وكل الإجراءات الأخرى، التي تراها الحكومة وهيئاتها المعنية، ضرورية في خطة مواجهة الخطر الصحي الداهم بالبلاد.
 على هذا الأساس إذن، تم الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية ببلادنا، في مارس الماضي،  بمقتضى مرسوم الإعلان المشار إليه وإلى رقمه وتاريخه أعلاه، بعدما، استفحل خطر فيروس الكوفيد – 19 وبات يهدد سلامة وأمن البلاد ومؤسساتها، ومن تم، كان من الواجب على الحكومة أن تتحرك للمواجهة، ولأن المغرب، اختار أن يكون دولة للحق والقانون واحترام المؤسسات، فقد كان من الضروري الارتكاز على دعامة قانونية لشرعنة الإجراءات المتخذة وتبرير لجوء الحكومة إلى اتخاذها لا سيما أن من شأنها المساس بحرية وحقوق المواطنين في التنقل والتجول والكسب، ومن تم، فقد ابتهلت نظرية الظرف الطارئ، وطبقت مضمونها في مختلف الإجراءات التي تم  اتخذها، سواء منها ما تعلق بمنع تحرك المواطنين أو فرض التباعد الاجتماعي أو منع التجمع أو إلزامية وضع الكمامات أو السفر بين المدن أو وقف النشاط التجاري أو الصناعي في عدد من القطاعات الأكثر تهديدا، وغير ذلك من إجراءات تندرج عامتها في نطاق مواجهة هذه الطارئة الصحية الاستثنائية،..
 وطبعا من جملة هذه التدابير، نجد الحجر الصحي، الذي ليس إلا إفرازا من إفرازات العمل بنظرية الطوارئ الصحية،  ومعناه، إلزام المواطنين بالمكوث في منازلهم وعدم الخروج منها، تحت طائلة العقوبة القانونية، إلا لحالة الضرورة وبموجب ترخيص خاص يحدد مدعى هذا الخروج.
 ولأن الظرف استثنائي مرتبط بضرورة مواجهة  خطر داهم، لم يتم النظر إلى هذا الحظر على أنه مس بالحريات، بل على العكس، اعتبر بمثابة ضامن لها، بحكم سعيه إلى الحفاظ على الصحة العامة، استنادا إلى قوة انتقال المرض من شخص إلى آخر وسرعة انتشار العدوى داخل المجتمع، ولكن على شرط عدم التعسف في تطبيق هذا الحظر أو أن يتخذ كذريعة للمس بالمبادئ العامة للقانون، إذ لا نتصور في هذا الباب، أن ضرورة فرض قانون ما، تبرر اللجوء إلى الإهانة أو الضرب أو المس بالكرامة أو غير ذلك، وتلك قضية أخرى، كتب فيها الكثير، وهي، وإن كانت تستمد نظريا مشروعية طرحها ، فإننا لا نرى لها وجودا في الحالة المغربية، بحكم الحالات الشاذة والنادرة التي ارتبطت بها، بعكس ما لاحظناه في دول أخرى، فالأصل إذن، أن الحجر الصحي، تدبير قانوني فرضته الطارئة الصحية، أجاز و يجيز للسلطة العمومية فرضه بقوة القانون ومعاقبة المخالفين له، بما تنص عليها النصوص الزجرية المعمول بها، سواء منها المذكورة في متن مرسوم الإعلان عن حالة الطوارئ ذاته أو في غيره من القوانين، وتحت إشراف مباشر من النيابة العامة المختصة
.
الآن، وبعدما ثبت للسلطات العمومية المعنية، ونقصد بذلك الحكومة، ممثلة في رئيسها وفي لجنة اليقظة المكلفة بتتبع تطور الجائحة وعلى رأسها وزارتي الداخلية والصحة،  أن الوضع الصحي بالبلاد ما زال غير مستقر ، والخطر يراوح مكانه، وإن تحسنت ملامح المؤشرات الوبائية، وحتى تضمن البلاد تحصين كل المكتسبات التي تم تحقيقها، ارتأت الحكومة، تمديد حالة الطوارئ الصحية شهرا إضافيا آخر، الشيء الذي سيسمح لها طيلة هذه المدة هذا،  بأن تكون على أهبة الاستعداد في أي لحظة، لاتخاذ أي إجراء جديد لمواجهة الوضع، إذا بدا لها أن الخطر تجدد، بما في ذلك الرجوع – لا قدر الله- إلى الحجر الصحي، مستندا في ذلك على دعامة قانونية صلبة هي الظرف الصحي الطارئ. وفي المقابل، حاولت التخفيف من شدة الإجراءات الناتجة عن هذا الظرف، تفاعلا منها مع تحسن مؤشرات الوضع الصحي المسجل لحد الساعة ، وحرصا منها على عدم  المبالغة في تقييم الحظر، لما في ذلك من تأثيرات سلبية أخرى على المواطنين وإضرار بالاقتصاد، وباللجوء إلى اتخاذ رزنامة من الإجراءات المساعدة على التخفيف من وطأة الحجر الصحي، ومنها، - على سبيل المثال لا الحصر- الإقدام على تصنيف خطورة الوباء عبر منطقتين، وبالتالي تخفيف إجراءات الحجر حسب تطور مؤشر الخطورة في كل منطقة، فضلا عن السماح الحذر لتنقل الأفراد بين المدن  والزيادة أو التقليص من نسبة التخفيف حسب تطور الحالة في كل منطقة وإسناد مهمة التقرير في ذلك إلى العمال والولاة ...، وقد قلنا التخفيف وليس الرفع، على اعتبار أن إقدام الجهات المسؤولة على هذه الإجراءات المخففة، هو إقدام حذر، وبالتالي فتعاملها مع الرفع التام للإجراءات هو تعامل تدريجي " متحكم فيه" ،
لأجل كل هذه الاعتبارات إذن، بادرت الحكومة إلى الإعلان عن قرار تمديد مرسوم الطوارئ الصحية، فقد سعت إلى تطبيقه باعتباره السند القانوني المرجعي الذي يضمن الشرعية لقراراتها حسب كل حالة وكل قطاع، ولأجل هذا، نفهم إقدامها على التخفيف من إجراءات الحجر الصحي، ولكن مع الإبقاء على حالة الظرف الطارئ الصحي وتمديده شهرا إضافيا، وهو ما يفسر سريان نفس الإجراءات الاحترازية المتخذة سابقا على بعض القطاعات الأخرى، ومنها الاستمرار في إغلاق أبواب المساجد وعدم السماح بالجلوس في المقاهي أو المطاعم و منع ارتياد القاعات الرياضية والحمامات وغيرها... وعلى كل حال، هي إجراءات احترازية، وإن بدا أنه مبالغ فيها بعض الشيء، فهي بالمقابل تعكس نوعا من الحزم وعدم الثقة في الفيروس، تأسيسا على الحكمة العربية الشهيرة: " من الحزم سوء الظن..
 
رشيد لبكر: أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بسلا- جامعة محمد الخامس بالرباط