الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسين البكار: حتى لا نظلم حي سيدي يوسف بن علي بمراكش مرتين

الحسين البكار: حتى لا نظلم حي سيدي يوسف بن علي بمراكش مرتين الحسين البكار

لم تعد مراكش  في زمن الكورونا تلك المدينة الفاتنة التي تغوي بجمالها سياحا من جنسيات مختلفة من العالم، يعشقون مناظرها وبهجة نخيلها وسكانها وحتى شمسها فيمشون فيه برؤوس مكشوفة حتى وهم يجرون حقائبهم مهرولين نحو مطار مراكش المنارة للمغادرة، مراكش جعلتها الكورونا هذه الأيام متأملة ترقب غدها، فالسياحة انكمشت، بعد أن طار السياح إلى بلدانهم قبيل إغلاق الحدود، أضواء المتاجر الفخمة بدورها خفتت، ولم يعد ضوؤها يتلألأ منعكسا في النافورات المنتصبة حولها، وحتى الدراجات النارية التي يتفنن المراكشيون فيركوبها هدأ أزيزها فجأة ولم يعد أصحابها يقومون برحلة الغدو والرواح ،من منازلهم إلى الفنادق والإقامات السياحية.

وبدورها ساحة جامع الفنا لم يعد يعلوها دخان الطهاة ولا أصوات الحكواتيين والمنشدين، فأصبحت خاوية على عروشها إلا من بضع حمامات تنتشي بهدوء المكان وجماله.

مراكش في زمن الكورونا  لم تعد مراكش مهرجان الضحك الذي يضحك فيه على حفنة من المتفرجين، ولم تعد حلبة لرالي السيارات، بل غدت حلبة لسباق كما تحدث عنه الأديب إبراهيم بوعلو في قصته "السقف "، مراكش بدورها انشغلت بمعجم الكورونا: الفيروس المستجد، البؤرة، المخالطون نسبة الفتك، التحليلات المخبرية ... وغيرها من المصطلحات التي طفت على السطح هذه الأيام .

مراكش أيضا لم تعد هي جليز والنخيل وجامع الفنا، بل برزت أسماء أحياء أخرى غطاها النسيانمثل حي سيدي يوسف بن علي، سيدي يوب، بريما ... وكثيرا يتم ربطها بكلمة  "بؤرة"، وإذا كانت هذه الكلمة تعني مركز الاهتمام في كل مجال استعملت فيه، فتكون البؤرة في الجيولوجيا هي نقطة الأصل لحدوث الزلزال، وبؤرة الطب هي الموقع الرئيس لحدوث العدوى، وفي الفيزياء هي نقطة تجمع الضوء، الصوت أو الحرارة.

وربط هذه الأحياء بكلمة البؤرة بعد تفشي الجائحة يتم ربطه غالبا بما يسميه البعض التهور أو عد الالتزام بمقتضيات الحجر الصحي ، وبحكم أن زمن كورونا نشطت فيه الإشاعة أكثر من أي وقت مضى، وكثر فيه المحللون على وسائل التواصل الفوري أطلق البعض خياله العلمي مفصلا في أنواعالبؤر  فمنها العائلية وشبه العائلية بل وحتى  البؤرة الجنسية، مما حز في نفوس العديد من  السكان ونشطاء المجتمع المدني، لأن النعت الأخير خدش سمعة أحيائهم .

وصحيح أن تزايد عدد الإصابات يسهم فيه عدم التقيد بإجراءات الحجر الصحي أو اتباع قواعد النظافة والسلامة الصحية كما تحث على ذلك وزارة الصحة في بلاغاتها اليومية حول مستجدات الوباء، إلا أن في الموضوع جانبا مسكوتا عنه في الموضوع يتمثل في ارتفاع نسبة الفقر والهشاشة  بهذه الأحياء الشعبية، مما يضطر معه البعض إلى المجازفة من أجل الرغيف اليومي، فكيف نريد ممن لا حيلة له أن يبقى في منزله؟

كما أن بعض الذين ينتقدون يتحدثون من موقعهم ولا يشعرون بالمعاناة الحقيقية لهؤلاء السكان، إلى جانب مشكل عميق مرتبط بطبيعة السكن  في هذا الحي أو في أحياء أخرى فبعض المنازل تكتري فيها العديد من العائلات غرفا، وقد تجدها تشترك  في مرحاض واحد، مما  قد يجعل  خطرالعدوى في حالة الإصابةينتشر كانتشار النار في القش.

لذلك إن من يربطون حيا مثل حي سيدي يوسف بن علي الشعبي ببؤر كورونا، عليهم أن يجعلوه لاحقا بؤرة لتنمية حقيقية تصالح المواطن وخاصة الشباب مع ذاته أولا ثم مع مجتمعه ثانيا، بتوفير شروط العيش الكريم وفي أولويتها خدمة صحية متميزة وتعليم جيد وشغل، لانتشاله من العتمة ودروب اليأس، لا أن يتحول الأمر إلى نعوت دونية، تصدر من أبراج عاجية فوقية وكأن هذا الإنسان هو الذي صنع وسطه بيديه.

وإذا كانت المصادر التاريخية تشير إلى أن  أصل تسمية هذا الحي  يعود إلى أحد رجال مراكش السبعة في القرن السادس الهجري، وهو يوسف بن علي، الذي ينتمي إلى قبيلة صنهاجة، وعاش منعزلا عن الناس بالحي المذكور وتحديدا سوق الربيع حاليا، بسبب إصابته بمرض الجذام، فإن معظم من يلتقطون هذه المعلومة يقفون عند ويل للمصلين، ويكتفون بمرض الجذام وانعزال الشيخ في غار، ويغضون الطرف عن الجانب المشع عند الرجل في أنه عرف  أيضا بورعه وزهدهوتصدق بكل ما يملك من مال ومتاع خصوصا في الفترات الأخيرة من حياته حتى شبهه البعض بنبي الله أيوب في ابتلائه من طرف ربه.

لذلك وإنصافا للحقيقة والتاريخ وحتى لا نسقط في تلك الأحكام العامة القبلية التي تضع البيض في سلة واحدة ،ينبغي قبل إصدار الأحكام ربط الأسباب بالمسببات، ونتذكر جيدا بأن سكان حي سيدي يوسف بن علي صبروا طويلا اقتداء بالشيخ الذي يحمل حيهم اسمه، صبروا على التهميش والإقصاء، صبروا على لا مبالاة والوعود العرقوبية لبعض المنتخبين الذين لا يرون فيهم إلا كائنات مصوتة.
لذلك فهم يتطلعون للأفضل من خلال إقرار برنامج تنموي شامل لحيهم يجعلهم يستمرئون جمال المحيط الطبيعي لحيهم، ويخرجهم من بؤر الهشاشة والفقر، وسيظلون ينتظرون بشغف إنصافهم ما بعد زمن الكورونا التي جعلت البعض يعتبرهم سببا في ترتيب الحمراء في القسم الوطني الثاني للمناطق الأقل تخفيفا للحجر الصحي.