الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

د. الطيب حمضي: الأمراض المزمنة وضرورة استئناف التطبيب للحد من الأضرار الجانبية للحجر الصحي

د. الطيب حمضي: الأمراض المزمنة وضرورة استئناف التطبيب للحد من الأضرار الجانبية للحجر الصحي الدكتور الطيب حمضي

ضرورة الاستئناف العاجل للفحوصات والعلاجات بالنسبة للمرضى المزمنين خاصة والمرضى بشكل عام، وضرورة استئناف برمجة الفحوصات من طرف الأطباء في كل التخصصات، وضرورة التعجيل بالعلاجات خلال الأسابيع المقبلة للاستفادة من هدوء الأوضاع الصحية عموما مستحضرين احتمال موجة ثانية من الوباء خلال الأشهر المقبلة.

 

قد يكون وباء كورونا هو الظرف المستعجل الذي يخفي عنا حالات وفيات وتعقيدات وإصابات طبية أخرى، لكنه لن يمنع حدوثها. جلطات القلب والجلطات الدماغية، والحوادث المنزلية، وأمرض الكلي والكبد والسرطان وغيرها من مضاعفات الأمراض المزمنة لن تختفي أو تنتظر زوال الوباء للرجوع. قد تتوارى هذه الاصابات عن أنظارنا نعم، لكنها وراء الستار تحصد يوميا أرواح الضحايا الذين اضطرهم الوباء أو الخوف من الوباء التخلي عن مواعيدهم الطبية أو عن علاجهم. سنستعرض عددا من الدراسات التي تؤكد ما لاحظناه في الممارسة اليومية خلال الأسابيع الأخيرة.

 

لاحظنا كأطباء ممارسين في الأسابيع الأخيرة أن الكثير من المرضى المزمنين الذين يخضعون في العادة لمراقبة دورية قد اختفوا تماما عن الأنظار. بعضهم يتصل هاتفيا، كما نصحنا بذلك، للتشاور حول وضعيته الصحية وأدويته والاستفسار عن إمكانية تأجيل الموعد وتاريخه أو الحضور، بينما الكثير من مثل هؤلاء المرضى للأسف اختفوا تماما ولم يعد الأطباء يعرفون شيئا عن مصيرهم، بينما يحضر للفحص مرضى آخرون غير مستعجلين. من الصعب، بل من الخطير أحيانا، أن يحدد المريض نفسه درجة الخطورة أو الاستعجال من عدمها، لذلك لم نوكل الأمر للناس أنفسهم، بل ما كان مطلوبا هو الاستشارة مع الطبيب ومهنيي الصحة ولو بالهاتف لتحديد هذه الدرجة.

أصبحنا كذلك نلاحظ أن عددا من المرضى يحضرون بشكل متأخر جدا، مقارنة بالمعتاد، بعد إصابتهم بأعراض ومضاعفات.

 

هذه الملاحظات هي نفسها في مختلف الدول التي تعاني من تفشي كوفيد 19. وقد أجرت بعض مراكز طبية بعض الدراسات في عدد من الدول، ولو محدودة بالنسبة لبعضها، ولكنها خلصت لنفس النتائج: المرضى المزمنون ينقطعون عن المراقبة الطبية، وأحيانا عن العلاج، ويتعرضون لمخاطر مضاعفة مقارنة مع فترة ما قبل الحجر الصحي.

 

دراسة إيطالية أظهرت أن هناك زيادة 58٪ من حالات السكتة القلبية خارج المستشفيات مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2019.

دراسة إيطالية أخرى أظهرت أن هناك تراجعا كبيرا تصل نسبته لـ 68٪ في عدد عمليات توسيع الشريان التاجي للقلب التي يستفيد منها المرضى الذين يعانون من الذبحة الصدرية. وهذا معناه أن العديد من ضحايا هذه الإصابات القاتلة لم يتقدموا لهدا العلاج المستعجل.

دراسة ثالثة أجريت في الصين وهونكونغ شهر مارس، أظهرت أن الوقت الفاصل ما بين أولى أعراض الأزمات القلبة المستعجلة وأول اتصال بطبيب، ارتفعت بمعادل أربع مرات، في حين أن عامل الزمن والسرعة يشكلان أحد أهم عناصر إنقاذ الحياة في مثل هكذا حالات.

كما أظهرت دراسة مسحية أجراها موقع أمريكي لمنصة رقمية مختصة في الدراسات الطبية Carenity  تضم ازيد من 400 ألف مريض ومعالج عبر استبيان تمت تعبئته من طرف حوالي 5 آلاف مريض في دول: الولايات المتحدة الامريكية، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا وألمانيا، أظهرت أن نصف المرضى تقريبا تخلوا عن مواعيدهم المعتادة سواء بالحضور أوعن بعد. 25٪ من المرضى المزمنين لم يتمكنوا من إيجاد طبيب للاستشارة. 42٪ من المرضى عانوا من الغاء مواعيدهم او عمليات مقررة. وهي ظاهرة مست جميع التخصصات. كما ان نسبة منهم تخلت عن علاجهم الأساسي إما كليا أو متقطعا بنسبة 9٪، كما صرح 10٪ منهم أنهم وجدوا صعوبة في العثور على علاجهم بالصيدليات. نتائج هذه الدراسة جاءت بنتائج مثيلة لمعطيات دراسات أخرى في دول أوربية.

 

هذه الدراسة ودراسة أخرى دراسة أخرى لاحظتا أن عدد حالات الجلطة الدماغية التي سجلها الأطباء انخفضت بـ 50 في الماءة. وهذا معناه أن نصف الجلطات الدماغية لا تصل إلى الأطباء، بل تبقى بدون عناية طبية ملائمة بسبب ظروف الوباء أو مصيرها الوفاة.

 

هذه معطيات عن بلدان أوربية تتوفر على أنظمة صحية وتغطية صحية وموارد طبية، ويمكننا تصور ما حدث ويحدث هنا في انتظار معطيات محددة إن تم ضبطها في قادم الأيام.

هذه الظروف الوبائية وما صاحبها من إجراءات وخوف من الإصابة أثر على جميع التخصصات ومجالات العلاج الأخرى.

 

فقد سبق لمنظمة الصحة العالمية أن نبهت لخطورة تأخير مواعيد تلقيح الأطفال، وخصوصا منهم الرضع لحدود الـ 18 شهر من العمر، وألحت على ضرورة توفير اللقاحات والظروف الآمنة لاستفادة الأطفال منها في وقتها حتى لا تنفجر أمراض خطيرة وقاتلة.

 

تعاني كذلك النساء الحوامل من مشاكل تتبع الحمل، ومرضى العيون، والأمراض النفسية وكل الامراض الأخرى من تأخر المراقبة والعلاج مع كل الانعكاسات الخطيرة لتأخر التشخيص والعلاج على صحتهم وأحيانا على حياتهم.

 

لذلك يجب علينا اليوم جميعا أطباء وكل مهنيي الصحة ووزارة وصية أن نؤكد على ضرورة أن يسارع هؤلاء المرضى للاتصال بأطبائهم، وفق النصائح المعمول بها والإجراءات الاحترازية المتخذة داخل العيادات، واحترام مواعيدهم، وطلب الاستشارة والعلاج بدون أدنى تأخير.

 

وعلينا كذلك دعوة الأطباء من كل الاختصاصات في القطاعين العام والخاص إلى استئناف، بل تكثيف تتبعهم للحالات المزمنة التي تأخر علاجها أو انقطع، لتدارك ما يمكن تداركه، وحث باقي المرضى المزمنين على احترام دورية فحوصاتهم، وكل الحالات المستعجلة، وحث كل المواطنين على طلب النصيحة والاستشارة والعلاج من لدن اطبائهم عوض أن يقرروا هم أنفسهم درجة الاستعجال من عدمه أو درجة الضرورة من عدمها، تحت طائلة الوقوع في سوء التقدير القاتل أحيانا.

حتى بعد رفع الحجر الصحي ستستمر الإجراءات الحاجزية وستستمر الإجراءات بالعيادات والمصحات والمستشفيات لضمان سلامة المرضى والمهنيين الصحيين. هذه الإجراءات لا تتنافي تماما مع استمرارية العلاج، يجب فقط احترام الإرشادات الملائمة: الاستشارة عبر الهاتف قبل الحضور، أخذ المواعيد المسبقة لضمان التباعد في الزمان والمكان داخل العيادات، عدم حضور مرافقين إلا للضرورة، استعمال الكمامة، التباعد، نظافة اليدين ...

 

الوضعية اليوم لم تعد كما كانت عليه في بداية الوباء: اليوم أصبحت القطاعات الصحية والأطباء أكثر دراية بالوباء بفعل ما توفر من دراسات ومعطيات وتجربة، مما يمكنهم من اتخاذ التدابير الملائمة للوقاية من الإصابة بكورونا. وأصبحت الإرشادات العلمية للتعامل مع الوباء أكثر وضوحا ودقة، وتوفرت المزيد من وسائل الحماية التي كانت شبه منعدمة، وتدربت الأطر والمصحات والمراكز الطبية على كيفية توفير ظروف الحماية والوقاية من المرض بشكل أفضل، خصوصا وأن المرضى المزمنين هم الأكثر عرضة للحالات الخطرة من كوفيد 19 ولصالحهم يجب توفير أفضل درجات الحماية.

 

حان الوقت اليوم لنتوجه للمواطنين، والمرضى المزمنين في مقدمتهم، لحثهم على طلب الاستشارة والعلاج وفقا للجداول المقررة مع أطبائهم وعدم التخلي عن مواعيدهم أو فحوصاتهم أو علاجاتهم. وطلب المشورة والعلاج كل ما تطلب الامر كدلك عن بعد او حضوريا وفقا للإجراءات المتفق عليها مع اطبائهم وباقي مهنيي الصحة الدين يتابعون لديهم علاجاتهم، ودائما في إطار الاحترازات الضرورية للوقاية من تفشي الوباء.

 

أكثر من ذلك يجب التعجيل بالعلاجات خلال الأسابيع المقبلة للاستفادة من هدوء الأوضاع الصحية عموما، وذلك تفاديا لتأخير العلاجات التي قد تتعثر خلال الخريف المقبل إذا ما كنا على موعد مع موجة ثانية من الوباء.