السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

حمزة العوراني: على أهلها جنت مراكش

حمزة العوراني: على أهلها جنت مراكش الدكتور حمزة العوراني

شيآن اثنان مقدسان في مراكش: نخلة بلا بلح، وسائحة بدوال خضراء في ساقيها البضين، وأما الباقي فلا يهم.

 

في اعتقادي، لم تعد مراكش حمراء بسبب طلاء مبانيها، ولكن من لياليها الحمر.. هذه الوريدة ما بين النخيل، كما غنى إسماعيل أحمد ذات فن ملتزم، ذبلت ولم يبق منها إلا شوكها اللاسع.

 

مدينة الأبواب الكثيرة، يبدو أنها سلمت مفاتيحها للدخلاء، وبات أبناؤها خارج الأسوار في معلبات إسمنتية.. على أهلها جنت مراكش.

 

إذا أتيتها من جهة أحمر استقبلتك مزبلة تمنصورت بعطاءاتها، وإذا قدمت إليها من جهة دكالة استقبلتك النجاسة المسيجة لمحطتها الطرقية، ولأنصاب رجالاتها السبعة التذكارية.

 

المدينة التي، في زمن مأسوف عليه، ضمت إلى تاجها ممالك الطوائف تفقد اليوم تاريخها رويدا رويدا بجحودها، وتنكرها لرجالها الذين صنعوا مجدها.

 

يكفيك عزيزي الزائر أن تزور حديقة ماجوريل، والقبر الذي يضم رماد رفات المصمم الشهير إيف سان لوران المتخم بالكرامة والنظافة،، ثم تعرج على ساحة سيدي ميمون، التي لا تنتهي بها الأشغال ومع ذلك لا هندسة ولا رونق لها، لترى الغائط والبول يحتفيان بضريح يوسف بن تاشفين الذي تقف على مدخله سيدة درداء تستجدي الدريهمات... وهنا استوقفني شرطي ذات مرة حتى يعبر عداؤو أول ماراثون دولي ينظم في مراكش، فرأيت بأم عيني متسابقة إنجليزية تحك حذاءها على الإسفلت حتى تخلص فردتيها مما علق بهما من غائط.. وأظنها عادت إلى بلدها من هذا السباق بخفي حنين. ومن غرائب الصدف أن الحافلة رقم 251 التي تنطلق من أمام باب الضريح تربط بينه وبين ضريح المعتمد بن عباد بأغمات.. 30 كيلومترا هي المسافة الفاصلة بين السجان والسجين.. بين بطلين انتصرا في معركة الزلاقة على ألفونسو ملك قشتالة، ثم تقطع حبل الود بينهما، وضاع زمن الوصل بالأندلس بعد ذلك.

 

من يرتاد اليوم مكرها مستعجلات الألم و الموت المؤدى عنهما بمستشفى بن زهر أو بن طفيل لا بد أن يتأسف على تاريخ الطب بالمدينة إذا كان من المطلعين. أين هذان المستشفيان من بيمارستان مراكش الذي شيده أبو يوسف يعقوب حفيد الكومي الموحدي بأجمل ساحة، وأجرى خلاله السواقي، وكان يعود المرضى كل جمعة ويوصي بهم الأطباء خيرا. ابن طفيل كتب رائعة سماها: حي بن يقظان، ومدير مستشفى بن طفيل يؤسس لكاتارسيس ميت بن نعسان؟

 

من يتذكر اليوم الحاج يعيش المالقي الذي صمم المنارة ومنبر الكتبية وينسب إليه بناء حصن جبل طارق الصامد إلى اليوم؟.. وأنا أعبر المضيق في رحلتي العائلية إلى الأندلس بدأت بنتي تقارن بين ما خلفناه وراءنا، وما وجدناه أمامنا، فقلت لها: بنيتي.. لا مجال للمقارنة مع وجود السارق...

 

ونحن على ضفة النهر الكبير بإشبيلية تذكرت قصة المعتمد بن عباد مع أبي بكر بن عمار أنيسه الذي تقاسم وإياه حب الشعر ووزيره أيضا.. التي حدثت في نفس هذا المكان، إذ قال له: ضيع الريح من ماء الزرد، وكان يروم أن يكمل رفيقه البيت، لكن بديهة بن عمار خانته، فجاء الرد من امرأة تغسل ثيابها في النهر: أي درع لقتال لو جمد. انبهر المعتمد لفصاحة تلك السيدة، وجمالها أيضا، وسأل عنها، فقيل له إنها جارية رميك بن حجاج، واسمها اعتماد، فذهب إلى مالكها واشتراها منه، ثم تزوجها، وهي التي أمر لها بعجن الطيب بماء الورد و نشره في فناء القصر لتمشي عليه لما اشتهت السير حافية فوق الطين، وغير لقبه من المؤيد بالله إلى المعتمد على الله تيمنا باسمها الذي هو اعتماد.

 

هو ثالث وآخر ملوك بني عباد في الأندلس. حكم اشبيلية، وقرطبة، وبلنسية ومرسية معا، وكان شاعرا نظم الشعر، وأحاط به شعراء من طينة بن زيدون وبن اللبانة. في عصر ملوك الطوائف حاول ملك قشتالة مهاجمة مملكته، فاستعان بيوسف بن تاشفين الذي حماه، ثم اختلف معه، فنفاه إلى أغمات حيث مكث أربع سنوات، فمات من الغم.. وبها أنشد هذه الأبيات:

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا/ فساءك العيد في أغمات مأسورا

ترى بناتك في الأطمار جائعة/ يغزلن للناس ما يملكن قطميرا

برزن نحوك للسلام خاشعة/ أبصارهن حسيرات مكاسيرا

يطأن في الطين و الأقدام حافية/ كأنها لم تطأ مسكا وكافورا.