الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد المذكوري: في الحاجة الى تنشيط تربوي عن بعد في زمن الحجر الصحي

محمد المذكوري: في الحاجة الى تنشيط تربوي عن بعد في زمن الحجر الصحي محمد المذكوري

في هذه الأثناء التي يواجهها بلدنا بالوباء المستشري والحجر الصحي، طغى فيها كثير من اللغط على الفعل والمزايدات الفارغة في ميادين المعرفة وتراجع الفعل التربوي الهادف، -ويلاحظ ذلك بشكل رئيسي في ميدان الأخبار- على المربين المنشطين التربويين أن يقوموا بدورهم عن بعد بتنظيم واقتراح أنشطة ملائمة في هذه الظروف وتأطير أولياء الأمور في الموضوع ومصاحبتهم؛ تستدعي التدخل من أجل تأطير الحياة الفردية والجماعية داخل المنازل بهدف جلب الحيوية والطاقة للأطفال وآبائهم، وجعل الفرد يشترك في تنشيط حياة الجماعة/ الأسرة بكل ما أوتي من وسائل وإمكانيات وأساليب تربوية ومعينات بيداغوجية.

 

1- حدث استثنائي.. وسائل استثنائية

لقد أقفلت فضاءات التعليم وكذا التنشيط الثقافي والتربوي والرياضي وأجلت العطلة المدرسية، وأضيفت إلى كاهل الأسر معضلة بقاء أبنائهم بدون برامج مضبوطة في منازلهم، هناك بدائل لهيئات التعليم بإبداع وسائل التعليم عن بعد وإذاعتها وتوسيع مداها، هذا عملهم ومسؤوليتهم وشغلهم، على الجميع تنظيم أوقاته وبرامجه، هناك من يتابع دراسته عن بعد وهناك من يعطي دروسا عن بعد، وبعد ذلك لدينا وقت فارغ علينا تنظيمه من أجل الترفيه واكتساب مواهب جديدة وممارسة الرياضة والانخراط في حلقات التنشيط عن بعد التي يقوم بتنظيمها منشطون لهم دراية بالموضوع.

 

ونحن كمنشطين تربويين علينا المساهمة كما هو دورنا الأصلي بجانب المؤسسات الأخرى باقتراح تنشيط تربوي ملائم، لكن له اليوم شروط أساسية: ملازمة المنازل، الالتزام بالدراسة عن بعد، عدم توفر الفضاء الكافي لمزاولة أنشطة حركية بالأساس، عدم الاستعداد لهذا الظرف بتحضير أدوات ومواد لازمة لأنشطة خاصة، تنشيط يساهم في إعادة الاعتبار الى التنشيط التربوي داخل الأسرة وبين مكوناتها،  بعيدا عن الطروحات السلبية المنطلقة من أن فترة الحجر فترة عابرة، وبعيدا عن التدخل في أمور المختصين: الدراسة عن بعد، الإجراءات الصحية اللازمة، ومسؤولية الأسرة في الحياة الجماعية المنزلية.

 

ونعتقد جازمين أن التنشيط التربوي واللعب بجميع أشكاله هما الكفيلتان بتكسير بعض حواجز التواصل بين مكونات الأسرة، الشيء الذي سيكون له وقع إيجابي على باقي العمليات المرتبطة بالمشاركة في مختلف أشغال المنزل أو التحصيل الدراسي عن بعد بالرغم من محدودية نتائجه لدى العديد من الأسر خاصة منهم المعوزة وبلوغ حياة أسرية هادئة ومبهجة.

 

يجب التفكير في صيغ ملء وقت الفراغ المستمر، فهو لم يعد وقتا حرا، بتنشيط فكري وبدني مناسب، يمكن أن نقول عن بعد، بالتأكيد هو لمجموعات محدودة، وفضاء أكثر محدودية، وإمكانيات  يجب أن تتوفر بشكل مسبق أو استعمال مواد وأدوات بسيطة، المشكل قائم على مستوى برمجة النشاطات المقترحة وتهديفها وشكل تسييرها، أي تنظيمها بذاتها، وبالنسبة للأشغال الأخرى الحياتية، كما يجب التفكير في إشراك الكبار لضمان نوع من التشارك الهادف والمسؤولية التنظيمية، والتفكير في التحكيم وفي المخرجات أو النتائج.

 

هناك أنواع لهذا النشاط: فكري وجسماني، تقليدي يعتمد الشفوي وحديث يعتمد الوسائل الالكترونية والمراجع المطبوعة، هناك ألعاب فردية وجماعية والعاب عائلية وألغاز ومسابقات وغناء، وهناك التفرج على التلفزيون والفيديو بمختلف مصادره، المسجل والمباشر في الفضائيات والانترنيت، وهناك اللعب الانفرادي على الألعاب الإلكترونية الفردية والثنائية والجماعية وعن بعد، هناك السباحة في الانترنيت، وهي التي يمكن مقارنتها مع ترك الأطفال يلعبون في الأزقة، فمنهم من يلعب ألعابا "جيدة" هادفة ونظيفة، ومنهم من يسقط في لعب قذر ألفاظا وسلوكات وعنفا، ومنه ما هو عنيف فكريا ولفظيا وله من التأثيرات من التعود والتمرن الى خلق حالات نفسية متعددة، وهناك القراءة فالمتعودون عليها لديهم كتب ومجلات ومصنفات ومراجع، سينظمون وقتهم لجردها وترتيبها وبرمجة قراءاتها، والذين سيبحثون عما يمكن قراءته أو يريد الراشدون تأطيرهم لذلك، سيعمدون إلى الشبكة العنكبوتية التي توفر أعدادا لا حصر لها من المنصات والبوابات والنوافذ المختصة وغيرها للقراءة والتحميل، وهناك أشغال يدوية فنية وإبداعية واكتشافية.

 

2- دور المنشط

فتحديد الفقرات التنشيطية حسب أغلبية الحاجيات وتصنيفها حسب الأولويات من اللعب إلى القراءة إلى الموسيقى إلى الحركات إلى الإبداع والخيال إلى الأشغال اليدوية والابتكار إلى التجسيد والمسابقات، هو ما سيكون مطلوبا من الذي سيقترح التنشيط، وقد يكون عن بعد، ومن الذي سيساهم في التنشيط المباشر، ليس فقط الأب أو الأم، بل يمكن أن يكون أحد أفراد الأسرة أو المجموعة الملتئمة الذي عليه أن يكتسب حس المسؤولية وأن يتقن جيدا التنشيط المقترح حتى يتم تقبله وان يتواصل بشكل جيد حتى يتمكن من تحديد حاجيات ورغبات المستفيدين المستهدفين، وأن يستجيب لها إذا كان ذلك يدخل في مجال كفاءاته وقدراته، وأن يكون صبورا تجاه الأطفال لاسيما أولئك الذين لم يفهموا قواعد الفقرات التنشيطية التي قام بشرحها، فعليه التقديم والتبسيط وإعادة الشرح حتى يكون الجميع في نفس المستوى قبل انطلاق الحلقة التنشيطية والتجربة تكتسب مع الزمن وتتراكم ولكن أيضا يضاف إليها جزءا من القدرات الشخصية التي تترجم من خلال الشغف الذي يبديه المنشط تجاه العملية التنشيطية برمتها.

 

3- الصحة النفسية لأطفالنا أكثر أهمية من مهاراتهم الأكاديمية

ما سيبقى في ذاكرتهم عن هذه الفترة الاستثنائية، ليس ما درسوه، وإنما ما عاشوه وشعروا به في هذه التجربة... إنه لم يسبق لنا أن عشنا هذه التجربة، تجربة الحجر الصحي ولم يسبق لنا أن اختبرنا إمكاناتنا العقلية والفكرية والنفسية  مع وضع كهذا التغيير الشامل في جدولنا اليومي وفي تعايشنا، البحث عن حلول لبعض المواقف، ولكننا بالتأكيد يمكننا استنتاج ما يلي:

ـ ساعات كبيرة للتعلم

ـ أطفالنا خائفون كما نحن الآن، وهم ليسوا قادرين على استيعاب كل ما يدور حولهم فحسب، بل يشعرون أيضًا بتوترنا المستمر وبخوفنا، وهم لم يختبروا شيئًا كهذا من قبل.

ـ الانقطاع عن التعامل الاجتماعي الذي يشكل محور حياتنا اليومية: أصدقاء، أقران، عائلة...

ـ ازدياد المشاكل السلوكية لدى الأطفال في حالة جدول زمني فارغ: الخوف، الغضب أو الاحتجاج بسبب عدم القدرة على القيام بما هو طبيعي وتعودوا عليه.

ـ ما يحتاجه الأطفال الآن هو الشعور بالطمأنينة والراحة والحب، هم بحاجة للشعور بأن الأمور ستعود الى طبيعتها وعلينا أن نقنعهم بان ما يحدث تجربة علينا نتعلم منها القدرة على الصبر، على المواجهة، على التحمل.

 

4- وسائل التربية الإيجابية

الأطفال في حاجة الى أنشطة متنوعة وعليه سنقترح:

ثلاثة محاور للتنشيط:

- محور الفرجة والحكاية والذكريات والمساعدة في البحث في المراجع والانترنيت وجلسات التواصل الاجتماعي. ومنها الحرص على التضامن العائلي بتنظيم جلسات تواصل مع أفراد الأسرة والأصدقاء بشكل جماعي حتى تستمر العلاقات وحتى نتجاوز الجفاء في العلاقات الذي يمكن التعود عليه بفعل الحجر الصحي.

- محور القراءة والكتابة: كتب ومجلات وتحميل الكتب والنصوص.

اللعب الفردي والجماعي الفكري والحركي (رياضات) الثقافي والتقليدي الشعبي.

أشغال يدوية فنية ونافعة.

الفرجة أفلام روائية واستطلاعية ومتحركة و زيارات افتراضية لمتاحف ومدن ومناطق.

الأناشيد والأشعار.

الموسيقى عزف واستماع.

- محور المشاركة في الحياة المنزلية.

البستنة ولو على الأسطح والشرفات.

ترتيب تنظيف وإصلاح الملابس وتعلم مبادئ الخياطة والتطريز.

الطبخ والمساعدة في التحضير والتوزيع وتنظيف الأواني والأماكن.

الفرجة والمشاركة.

وحصة السينما أو الفيديو أو التلفزيون لا يجب أن تبقى حصة كسل وتفرج، بل يجب أن ترتبط بالحث على الملاحظة والمشاركة في مناقشات حول الشكل والمضمون والأهداف المتوخاة، لذلك يجب أن تكون المشاركة عصب وركيزة ومحور ولازمة لتخلق لدى المتفرج انتماء لأهداف محددة وواضحة ولكي تجسد الاستفادة من النشاط محور استقطاب للمستفيد في الزمان والمكان.

 

علينا أن نختار بعناية ووضوح أهداف ومرامي كل برامجنا وأعمالنا بأن نتعرف على عكس ما نقوم به، وأن نختار الوسائل التي يجب أن تصب في الأهداف التي يجب أن تكون واضحة. وألا ننسى أن استعمال كل الوسائل بتقليد الآخرين وبدون وعي وإدراك لماهيتها مفسدة للعمل.

 

إن رهان تحقيق أهداف المحاور الثلاثة هو في عمقه عملية برمجة توقيتا وشكلا ومضمونا بتنوع وتوازن أي توقيت صباحي ومسائي ولم لا ليلي حيث تأخذ الحصة زمنا محددا لا يتجاوز النصف ساعة يمكن تكرارها بعد القيام بأشياء أخرى، وتنوع بين العمل الفردي والجماعي، وتوازن بين الفرجة وتحويلها الى مادة للتنشيط والمناقشة والعمل اليدوي والعمل الفكري.

 

إن هذا العمل يتطلب بعدا فنيا يعطي للعملية ككل والتواصل به وله خاصة زخما يسهل تحقيق الأهداف وملامسة جوهر وعمق المحاور الثلاث أي الأهداف التربوية التي نسعى من خلال التنشيط التربوي أن تصبح ملكة من ملكات أبنائنا.

 

لنعمل على تأسيس مجموعات على مستوى مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي والتواصل السريع بحكم القرابة الصداقة والتقارب الفكري لتبادل المعلومات والخبرات والمراجع والروابط.

 

إن هذا مشروع للتنشيط عن بعد يمكن أن ينجز من طرف منشطين مختصين، يقترحون أنشطة محددة يضعونها على صفحات تواصل اجتماعي وتراسل فردي، مفتوحة للعموم أو لمجموعات معينة.

 

وبالنسبة للأطفال غير متوفرين على وسائل التواصل الاجتماعي ولا على حتى الأدوات أو اللعب التي ستسمح لهم بإنجاز المعامل التربوية والأشغال اليدوية التي ستساهم في تحقيق الهدف الذي نتوق إليه، كما يمكن تنظيم زيارات منشطين بشكل فردي يحترم جميع الشروط الصحية لهاته الأسر قصد إمداد الأطفال ببعض الأدوات المكتبية (أقلام، أوراق، مقصات، الخ)  وبعض البطائق التقنية.

 

وبهذا الإجراء، سنساهم لا محالة في استثمار وقت الفراغ بالمنزل لتجويد نمط العيش بين مكونات الأسرة.

 

5- أسس التنشيط التربوي الهادف

الممارسة التربوية المدروسة ..ضمان توازن مكونات الحياة الجماعية لكل أفراد المجموعة/ الأسرة، من أمن نفسي وغذائي ودراسة وترويح ومتعة والاستفادة من تواجد مشترك في نفس المجال، يجب أن يكون هو مركز الاهتمام الرئيسي والكلي في تخطيط برامج متوازنة وهادفة في الأنشطة المتنوعة  لأفراد الأسرة.

 

فانطلاقا من أن التنشيط التربوي فعل، والفعل بدون هدف ملموس مضيعة للوقت والجهد، فإن اختيار الوسائل يجب أن يصب في الهدف الذي يجب أن يكون واضحا وأن تكون علاقة ما نقدمه لأطفالنا بأهدافنا واضحة ملموسة، وأن استعمال كل الوسائل بتقليد الآخرين وبدون وعي وإدراك لماهيتها ما هو إلا مفسدة للعمل.

 

فإذا كان التنشيط هو فعل جلب الحيوية والطاقة إلى شيء ما، وهو الشكل الذي تتخذه التربية في وقتنا الحالي؛

لا تغامروا بفراغ أبنائكم ولا بالتعاطي الحر غير هادف مع وسائل التواصل والشبكة

خذوا الوقت الكافي

تأكدوا من المصادر

اطلعوا على المحتويات قبل عرضها على أطفالكم أو السماح لهم باستخدامها في اطار وهدف التنويع والتوازن ضد الكسل والهلع

ناقشوا كل المضامين والاحتمالات والاستنتاجات

استغلوا الظرف لتأسيس حوار دائم وتأكيده وتبادل الأفكار حول كل الأمور والموضوعات بكل احترام ومسؤولية

ابحثوا في كل عمل عن أهداف التدرب والتمرن والتعاون والتعاضد والتشارك والتقاسم

لا تستعملوا أبنائكم في السخرة خارج المنزل، وربوهم على التعاون والتكامل والتماسك بين أفراد الأسرة في المهام المنزلية والحياتية بشكل طبيعي

حافظوا على الأمل، اجعلوا الجانب الايجابي المضيء في المقدمة، اظهروا القدوة والمثل العليا.