الجمعة 26 إبريل 2024
فن وثقافة

الباحث محمد حفيظ يقرأ الخطاب الإعلامي في زمن كورونا (3)

الباحث محمد حفيظ يقرأ الخطاب الإعلامي في زمن كورونا (3) محمد حفيظ

حل محمد حفيظ، الأستاذ الباحث بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، والصحافي سابقا، ضيفا على حلقة من حلقات الجامعة الرقمية، التي تنظمها حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية، خلال فترة الحجر الصحي؛ وكان موضوع الحلقة هو "قراءة في الخطاب الإعلامي في زمن كورونا".

"أنفاس بريس" تنقل لقرائها، في حلقات، هذا الحوار مع محمد حفيظ الذي جرى بثه على اللايف مساء يوم السبت 25 أبريل 2020.

 

الحلقة الثالثة: وسائل الإعلام العمومي رجعت بنا إلى أسطوانة "كَولو العام زين" في تغطيتها لجائحة كورونا

 

حينما نذكر الخطاب الإعلامي فالأمر يتعلق بمفهوم ينبغي أن نحدد المقصود منه حتى نعرف عما نتحدث. هناك مفهوم الخطاب وهناك مفهوم الإعلام، وما يهمنا هو هذا التعبير الذي يجمع الكلمتين؛ أي الخطاب الإعلامي. ومع ذلك لن أتوقف عند هذا الأمر، لأنه يطرح قضايا نظرية ليس هذا مقام مناقشتها. ما يمكن أن أشير إليه بهذا الخصوص هو أن هناك أنواعا كثيرة من الخطاب، تختلف من حيث طبيعتها ولغتها ووسائلها وحواملها ووظائفها.

 

ما أركز عليه في تعريفي للخطاب الإعلامي، الذي يهمنا في هذا الحوار، هو تحديده باعتباره ذلك الخطاب الذي يخبر بأحداث ووقائع حقيقية وليست متخيلة، إذ لا يمكن لأي صحافي أن يتخيل حدثا ما ويكتبه ويخبر به. هذا أمر خارج مهنة الصحافة، لأن الصحافي يخبر بما وقع وبما حدث. والخطاب الإعلامي له وظائف محددة، من أبرزها الإخبار، وهنا أشير إلى المعرفة لأنه حين يتم إخبار الناس يصبحون عارفين بما يجري في محيطهم الصغير والكبير، وهناك كذلك وظيفة التثقيف الذي يمكن أن ندخل فيه التوعية والتحسيس. ونلاحظ اليوم، في هذه الظرفية التي نواجه فيها وباء كورونا، أننا محتاجون للإخبار الذي يجب أن يكون دقيقا ومحتاجون للتثقيف والتوعية. وحين أقول الإخبار والتثقيف، فإنني استحضر ما يرتبط بهما من شرح وتفسير وتحليل ونشر الآراء... فمجموعة من المعلومات لا يمكن للجمهور أن يفهمها إذا لم يتم شرحها له كما ينبغي، وإذا لم يتم تفسيرها وتحليلها، ولكن ليس من قبل الصحافي، بل بالرجوع إلى المختصين وإلى الخبراء، فذوو الاختصاص هم من يمكن أن يقوموا بالشرح والتفسير والتحليل.

 

ومن ثمة يسهم الخطاب الإعلامي في نشر المعرفة في عموم الناس. وهو هنا لا يميز بينهم، فهو موجه للجميع. وإذا استحضرنا هذه الظرفية التي نعيشها اليوم في ظل مواجهة جائحة كورونا، هل تتصوري كيف كنا سنعيشها بدون إعلام؟! هل يمكن أن نتصور أننا كبشر يمكن أن نعيش هذه الجائحة بدون إعلام؟! انظري إلى حجم المعلومات والمعارف التي يستقبلها الناس يوميا؛ إنهم يحصلون عليها من الإعلام. وهنا تتبين الأهمية الكبرى للإعلام. وحين نتحدث عن الخطاب الإعلامي نستحضر أيضا عن صانعه. وصانع هذا الخطاب هو الإعلامي أو الصحافي الذي يعتمد على قواعد مهنة الصحافة ويستند إلى أخلاقياتها.

 

إذا رجعت إلى سؤالك عن تغطية وسائل الإعلام المغربية لجائحة كورونا؟ وعن طبيعة الخطاب الإعلامي المستعمل؟ فإن أهم ما أثارني هو الانتقائية التي طبعت هذا الخطاب. ويمكن أن أقدم أمثلة عنها.

 

نحن نعلم أن الصحافي حين ينزل إلى الميدان لمتابعة واقعة معينة أو تغطية حدث معين، فهو لا ينشر كل ما يجمعه من معلومات وما يعاينه من وقائع، بل ينتقي ما تكون له أهمية بالنسبة إلى الجمهور. ولا أقصد هنا هذه الانتقائية التي تعتبر انتقائية مهنية، حيث نتحدث في إطار مهنة الصحافة عما يسمى الانتقائية الدالة؛ حين يختار الصحافي المعلومات والتفاصيل التي لها حَمولة صحافية، أو ما أسميه بالإفادة الصحافية. فالمعلومة التي ليست لها إفادة صحافية لا حاجة للصحافي بها ولا داعي لأن يثقل بها على الناس.

 

لكن المشكل يُطرح حين يتم تعمد إخفاء معلومات مهمة في مقابل إبراز أخرى. وهنا، يسعفنا تحليل الخطاب، لأنه حين نريد أن نحلل يجب أن ننتبه حتى للمعلومات التي تم إخفاؤها. فحتى ما يتم إخفاؤه يمكن أن يدخل في الخطاب، مثله مثل ما يتم إظهاره؛ إذ يمكن أن نحكم على خطاب إعلامي بالنظر إلى ما يظهره وكذا ما يخفيه. والإخفاء بهذا المعنى يصدق على الوقائع والأحداث، وكذا على الآراء والمواقف، وحتى على التيارات والشخصيات التي نجدها مستبعدة من إعلام عمومي.

 

وأريد أن أتوقف عند الإعلام الموصوف بالإعلام العمومي، الذي يوصف بالرسمي وهناك من يسميه الأعلام السلطوي.

 

ففي ظرفية الأزمة هذه، إذا استثنينا بعض الوصلات التوعوية والتحسيسية وبعض البرامج التعريفية بما تقدم عليه الحكومة من إجراءات، ظل الإعلام العمومي كما عهدناه منذ عقود. لاحظنا أنه لا يفسح المجال لمختلف تيارات الفكر والرأي للتداول في هذه الأزمة، تعامل الإعلام مع هذه الأزمة لا يجب أن يتوقف عند الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الدولة للحد من انتشار الفيروس والحد من أخطاره، وإنما الإعداد للمرحلة القادمة. اليوم كان على الإعلام العمومي أن يلعب دورا كبيرا في إشراك المغاربة جميعا بمختلف فئاتهم وتياراتهم في التفكير في المرحلة القادمة، مرحلة ما بعد كورونا، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو السياسي، والأكيد أن مرحلة ما بعد كورونا لن تكون مرحلة سهلة. وينبغي أن يشارك الجميع في الإعداد لها.

 

مع الأسف وبكل موضوعية، ألاحظ أن وسائل الإعلام العمومي رجعت بنا إلى أسطوانة "كَولو العام زين". لا يمكن أن نتوقف عند التثمين والتصفيق والتبريك، وهناك من بالغ في هذا. وأحيانا يتم استغلال حتى فاقة المواطنين الذين يصرف لهم الدعم المالي. هل من الضروري أن ننقل طوابيرهم وهم ينتظرون صرف الدعم؟ هل من الضروري أن نكشف وجوههم ليتحدثوا في تصريحات عن فقرهم وفرحهم بتك المبالغ التي تسلموها. لا نريد أن نرجع إلى "إعلام البروباكندا. وهذا مخالف حتى بالنسبة إلى ما تنص عليه القوانين الموجودة عندنا التي تنظم الإعلام العمومي، والتي تتحدث عن أن هذا الإعلام عليه أن يشتغل باعتباره مرفقا عموميا وتنص على ضمان تعددية مختلف تيارات الرأي وتشدد على أن يعكس التعددية الموجودة في المغرب ويضمن حرية الرأي والتعبير. وهذا لا نلاحظه على مستوى الممارسة.

 

ومعلوم أن النهوض بهذه المهمة لا يكون حكرا على الإعلام العمومي فحسب، بل يجب أن يقوم بها حتى وسائل الإعلام التابعة للقطاع الخاص، لأن الأمر يتعلق بقواعد العمل الصحافي. وهنا، نتحدث عن مبدأ التعددية، ولكنني أتحدث عن الإعلام العمومي لأنه يمول من أموال المغاربة، وعليه أن يعكس آراء كل المغاربة.