الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

الباحث محمد حفيظ يقرأ الخطاب الإعلامي في زمن كورونا (1)

الباحث محمد حفيظ يقرأ الخطاب الإعلامي في زمن كورونا (1) محمد حفيظ

حل محمد حفيظ، الأستاذ الباحث بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، والصحافي سابقا، ضيفا على حلقة من حلقات الجامعة الرقمية، التي تنظمها حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية، خلال فترة الحجر الصحي؛ وكان موضوع الحلقة هو "قراءة في الخطاب الإعلامي في زمن كورونا".

"أنفاس بريس" تنقل لقرائها، في حلقات، هذا الحوار مع محمد حفيظ الذي جرى بثه على اللايف مساء يوم السبت 25 أبريل 2020.

 

الحلقة الأولى: كان أمام المغرب خيار واحد هو الحجر الصحي لمواجهة كورونا رغم كلفته الاقتصادية والاجتماعية

 

شكرا وأحييكم على الدعوة وعلى اختيار هذا الموضوع، نظرا لراهنيته ولأهميته. فالمغاربة اليوم كلهم معنيون بهذا الموضوع.، وله آثار اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية.

 

بالنسبة إلى وضع المغرب، حينما نقارنه مع الدول الأوروبية، يمكن أن نلاحظ الفرق، وبالتالي نحكم على وضعنا. وكذلك حين نقارن بين عدد الحالات المؤكدة خلال الأسابيع الستة الأولى وعدد الحالات المسجلة ما بعدها، يمكن أيضا أن نلاحظ الفرق، وبالتالي يمكن أن نحكم على الوضع الحالي. إذن لكي نصدر حكما ينبغي أن نستند إلى وقائع ومعطيات. وفي رأيي، كان يمكن أن نتفادى هذه البؤر التي شهدناها في الأيام الأخيرة، سواء في بعض المؤسسات الصناعية، أو في الساحات التجارية الكبرى، أو في سجن ورزازات وفي القاعدة العسكرية  ابن جرير وغيرها... إذن يمكن أن نتحدث عن نوع من التراخي. وإذا كانت الدولة تتحمل المسؤولية فيه، فحتى المواطنون، وخاصة المعنيين لهذه المؤسسات التي أشرت إليها، لهم نصيب من المسؤولية.

 

لماذا أقول هذا؟ لأن مسؤولية الدولة تتمثل في الحرص على أن تحترم المؤسسات التي مازالت تزاول عملها كل الإجراءات الضرورية والاحترازات المطلوبة، من قبيل مسافة الأمان داخل مكان الشغل والمحلات التجارية، ووسائل النظافة والتعقيم المستمر وكذا وسائل النقل المناسبة للعمال الذين يشتغلون.

 

هذا في ما يخص الملاحظات عن المستجدات الأخيرة، لكن بصفة إجمالية، لاحظنا أن الجميع تقريبا أو نسبة غالبة من المغاربة سجلوا أن الدولة أقدمت على إجراءات استباقية. ويبدو أنها استفادت مما شهدته بلدان أخرى لا مجال لأن نقارن وضعها الاقتصادي والاجتماعي بوضع المغرب، ولا مجال لأن نقارن وضع منظومتها الصحية بوضع منظومتنا الصحية الهشة.

 

ولم يكن أمام المغرب أي خيار آخر غير هذا الذي أقدم عليه. ولذلك لم يتأخر. إذا تأملنا وضعنا بهذا الخصوص، سنسجل شيئين: أولا المغرب لا يتوفر على اقتصاد ضخم وقوي قد ينهار إذا ما أقدمت الدولة مثلا على قرار قد يكون خاطئا في حالة ما إذا أعطت للوباء حما أكثر من حجمه، خلافا لما هو عليه الحال في الكثير من الدول الأوروبية التي تستحضر هذا الأمر. ثانيا، نجد أن المغرب لا يتوفر على منظومة صحية قوية يمكن أن نعول عليها في مواجهة الوباء، سواء من حيث في البنيات  التحتية أو من حيث وسائل العمل أو من حيث الموارد البشرية.

 

وبالتالي، فإن خيار المواجهة لم يكن أبدا مطروحا، كما كان مطروحا عند بعض الدول الأوروبية. كان أمامنا خيار واحد فقط، هو الحجر الصحي التام، رغم كلفته الاقتصادية والاجتماعية، ولكنها كلفة ستكون أقل  ضررا مما كان يمكن أن يترتب لو تأخرت الدولة في اتخاذ الإجراءات التي أقدمت عليها.

 

 

ولذلك، أعتبر أن سلوك الدولة في ما يتعلق بالحد من انتشار الفيروس كان واقعيا. وإلى حد الساعة نلاحظ أن نتائجه إيجابية. وأشدد هنا على أنني أتحدث عن إجراءات الحد من انتشار الفيروس، وليس إجراءات أخرى.

 

فالإجراءات الأخرى تطرح عددا من المشاكل، ويمكن أن نسجل عليها ملاحظات وانتقادات. فتثمين الإجراءات التي اتخذتها الدولة واعتبارها إيجابية لا يعني السكوت على قرارات أخرى قد تكون الدولة غير موفقة في اتخاذها، أو على تدبير الإجراءات نفسها.

 

وأكتفي هنا ببعض الأمثلة التي تابعناها وعاشها المغاربة جميعهم:

 

أولا، مشكلة الكمامات، فالدولة اتخذت القرار بإلزام الموطنين بارتدائها، بينما هي حين اتخاذ ذلك القرار المباغت لم تكن الكمامات موجودة في السوق أو كانت قليلة بالمقارنة مع الطلب. وهذا الوضع بقي تقريبا طيلة الأسبوع الذي أعقب القرار. كنا نستغرب؛ الحكومة تخبرنا بأنها تصنع يوميا ملايين الكمامات، بينما المواطنون حينما يخرجون لاقتنائها لا يجدونها.

 

ثانيا، غياب الجرأة المطلوبة، فالقرارات التي أقدمت عليها الحكومة لمواجهة الآثار الاجتماعية التي ترتبت وبسرعة عن الحجر الصحي التام لم تكن بالجرأة المطلوبة. أنا لا أتحدث هنا عن الإجراءات الاستباقية للحد من انتشار الفيروس، ولكن عن القرارات المتعلقة بمواجهة الآثار الاجتماعية للحجر. لقد اعتمدت الحكومة فقط ، وإلى حد الساعة، على الدعم أو التبرع الذي يصل إلى صندوق مواجهة كورونا. لم تظهر الحكومة حنكة واجتهادا. فلا ينبغي الاكتفاء فقط بتبرعات المواطنين والمؤسسات... فهذا عمل تضامني يعكس روح التضامن عند المغاربة لا زمن الشدة ولا في زمن الرخاء، وهو يُفترض أنه عمل طوعي.

 

ولاحظنا أنها كشفت عن اجتهادها باللجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، حين لجأت إلى استخدام خط الوقاية والسيولة كخط ائتمان احتياطي بسحب 3 مليار دولار (7 أبريل 2020).

 

فإلى حد الساعة، أرى أن الحكومة تعتمد فقط على تبرعات المغاربة والمؤسسات وعلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، ولم نلمس أي اجتهاد في التعامل مع هذه الأزمة يعيد ترتيب الأولويات لمواجهة تداعياتها.

 

ثالثا، وضعية المغاربة العالقين بالخارج: لقد لاحظنا أن الحكومة منذ البداية ظلت تتفرج، ولم تعلن عن أي إجراء لمعالجة المشكل أو تحديد برنامج لعودتهم. ولم تتحدث عن الموضوع الذي تحول إلى قضية رأي عام بالشفافية المطلوبة، وتركت العالقين يعانون أوضاعا سيئة. تعاملها كان هو التهرب. وأنا أرى أن الحكومة لم تتحمل مسؤولياتها اتجاه مواطنين هي المسؤولة عنهم في كل الظروف والأحوال.

 

رابعا، الملاحظة الأخيرة تتعلق بالتعليم، ولن أتحدث هنا عن المشاكل الكثيرة المتعلقة بالتدريس عن بعد، ويمكن أن نتحدث عنها في مناسبة أخرى وحتى بعد انتهاء هذه الجائحة بخير. أتوقف هنا عند ذلك القرار المثير بتأجيل العطلة الربيعية وتعليقها إلى حد الساعة. أنا لم أفهم دواعي ذلك القرار. يُفترض أن المسؤولين عن وزارة التربية الوطنية وعن التعليم بمختلف أسلاكه يعرفون أن العطلة ضرورة للتلميذ، وعدم برمجتها في مواعيدها تكون له آثار بيداغوجية وتربوية وذهنية ونفسية على كل أطراف العملية التعلمية التعليمة، من تلاميذ وطلبة، وأساتذة، وإدارة واليوم على الأسر. أظن أن على الوزارة أن تتحمل مسؤوليتها وتبرمج باستعجال العطلة الربيعية. لا يعقل أن ننتظر إلى أن ينتهي الموسم الدراسي باستعجال. ويجب أن تكون العطلة في الأيام المقبلة. وبما أن فاتح ماي يوم عطلة وهو يصادف يوم الجمعة المقبل، فأرى أن من الأفيد أن تبدأ العطلة ابتداء من الأسبوع المقبل (الاثنين 4 ماي).

 

هذه بعض الملاحظات التي يمكن أن أدلي بها في هذا التقييم السريع للكيفية التي تعاملت بها الحكومة مع الجائحة. سجلت أن هناك شقا إيجابيا في ما يتعلق بالإجراءات الاستباقية ، ولكن هناك شقا سلبيا يتمثل في عدم الاجتهاد في التعامل مع الآثار الاجتماعية التي ترتبت عن الجائحة والإجراءات المتخذة لمواجهتها.