الأربعاء 24 إبريل 2024
اقتصاد

رشيد حسناوي: المداخل الخمسة لنهوض المغرب من الصدمة بعد جائحة كورونا

رشيد حسناوي: المداخل الخمسة لنهوض المغرب من الصدمة بعد جائحة كورونا رشيد حسناوي مع خلفية كورونية

أبرز د. رشيد حسناوي، خبير اقتصادي وأستاذ باحث بجامعة ابن طفيل القنيطرة، في حوار أجرته معه «الوطن الآن»، الدروس المستخلصة من جائحة «كورونا»؛ موضحا أن على المغرب مراجعة مجموعة من الخيارات، منها عودة المغرب إلى اعتماد استراتيجية اقتصادية موجهة للداخل لصالح المواطن عوض التوجه نحو الخارج. وإعادة النظر في الخدمات الصحية.

والمسألة التي ينبغي أن تكون لها الصدارة لتحقيق ذلك هي الاهتمام أكثر بالتعليم والبحث العلمي. وتكوين خبراء طبيين وعلماء أحياء وجيل جديد من الأطباء متخصصين في علم الفيروسات والبكتيريا، ودعم المختبرات العلمية الجامعية وتأهيل العنصر البشري.

 

+ كيف تبدو لك الإجراءات المتخذة من طرف المغرب للحد من وباء "كورونا"؟

- بفضل توجيهات الملك محمد السادس وهو ينظر إلى الأرقام وتطورها في الشرق والدول الغربية، اتخذت الحكومة حزمة من الإجراءات ألخصها في ثلاثة أنواع:

أول إجراء متعلق بطبيعة الحال بالجانب الاجتماعي والإنساني فقد تم إغلاق المدارس ومنع التجمعات وتعليق جلسات المحاكم. ثم إعلان حالة الطوارئ الصحية وكل ما يرتبط به من منع التنقل وإغلاق الحدود البرية والجوية وما إلى غير ذلك. ولم يتم إغفال توفير المساعدة المالية للأسر المعوزة وحتى إعادة الجدولة الزمنية للقروض لفائدة المواطنين.

ثاني إجراء هم توسيع الطاقة الاستيعابية للمستشفيات بزيادة عدد الأسرة في العناية المركزة وتعبئة الأطقم الطبية وشبه الطبية المدنية والعسكرية.

ثالث إجراء يهم الاقتصاد والمقاولات، فقد تم إلغاء مساهمات صندوق الضمان الاجتماعي لفائدة المقاولات والعاملين لحسابهم الخاص من أجل التخفيف من التكاليف الاجتماعية، كما تم أيضا تمديد الآجال المرتبطة بالالتزامات الضريبية (تأجيل التصريح الضريبي على الدخل والضريبة على الشركات..

الهدف من كل هذا هو الحد من مشكل تسريح الأجراء وإفلاس المقاولة ببلادنا. ففي تقديرنا المملكة اتخذت إجراءات صارمة تسير في الاتجاه الصحيح منذ بداية الأزمة. فكما لاحظنا حتى بعض الدول المتقدمة التي تأخرت في التدابير الاحترازية اضطرت إلى الاقتداء بالمغرب، وبطبيعة الحال الدول التي استخفت بالموضوع واستأثرت الجانب الاقتصادي، ضحت كثيرا على المستوى البشري، مما يعني أن الدول بطيئة الاستجابة هي من تعيش الآن تجربة مرة مع الكوفيد: أمريكا إيطاليا وإسبانيا على سبيل المثال.

 

+ ما هو تقييمك للآثار على هذه المستويات التي ذكرت؟

- للأسف الشديد تقييمي ليس متفائلا. والتدابير تعبر عن رغبة المملكة في الحفاظ على أرواح الأفراد وضمان سلامتهم. وهذا شيء جيد، ولكن في نفس الوقت له وقع سلبي على الاقتصاد.

سأحاول في ثلاث نقط أو أربعة أن أركز على بعض الجوانب. ولكن أود في البداية أن أؤكد على أننا لسنا البلد الوحيد الذي سيتأثر بالأزمة الصحية، لا يجب أن ننس أن العالم ما زال لم يتعاف بشكل كلي من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية لسنة 2008. في الوقت الحالي الاقتصاد العالمي متأثر بشكل كبير، فقد خلقت هذه الأزمة خللا كبيرا على مستوى الطلب العالمي (معبر عنه بعدد السكان) وكذلك على مستوى العرض بحيث عطلت الأزمة وخفضت من دورة الإنتاج بسبب حالة الطوارئ.

وهنا أذكر فقط أن الولايات المتحدة والصين تنتجان لوحدهما تقريبا ما يزيد عن 60 في المائة من الإنتاج العالمي ومن القيمة المضافة. وهناك سيناريو "متفائل" يتنبأ بركود اقتصادي عالمي سنة 2020 في حالة استمرار الحجر الصحي لثلاثة أشهر بحيث يقدر ان يصل معدل النمو العالمي هته السنة بأقل من 1.5 في المائة حسب البنك الدولي ويتراجع الاستهلاك بنحو 13 في المائة والاستثمار بأزيد من 20 في المائة في ظل الغموض وعدم اليقين الذي يطبع هذه الأزمة الصحية.

بالنسبة للحالة في المغرب، صحيح أن الإنسان عندنا هو بمثابة العرض والطلب وقد تأكد ذلك خاصة بعد تمديد مدة الحجر الصحي لشهر إضافي. ولكن خلال الأزمة وبعدها سيكون هناك تأثير كبير على عدة مستويات:

أولا، تأثير على المستوى الاقتصادي والقطاعي بحكم طبيعة الاقتصاد الوطني الذي تمثل فيه السياحة والزراعة والقطاعات التصديرية (فوسفاط، قطع السيارات، النسيج والألبسة..) أنشطة أساسية في الناتج الداخلي الخام (PIB). وبكل واقعية، فالمقاولات خاصة الصغرى والمتوسطة التي تمثل 90 في المائة من النسيج الاقتصادي، ستعاني وستتضرر أكثر مما سيؤدي إلى ارتفاع البطالة في صفوفها وسيلحق الضرر أكثر العمال غير المنظمين الذين يعملون بشكل يومي لأن المساعدات الحكومية التي تعتبر التفاتة مواطنة قد لا تصل إلى كثير منهم لأنهم مطالبون بالبقاء في بيوتهم.

ثانيا، على المستوى المالي، الموقف صعب جدا بالنسبة إلينا لأننا نعاني أصلا من مشاكل في الموازنة قبل الأزمة الحالية، فالحزم المالية التي يتم تقديمها صحيح أنها تعتبر رسائل أمان إلى الأفراد والأسر والمقيمين والمقاولات، ولكن هناك سؤال بسيط يمكن طرحه: من سيتحمل الكلفة المالية وعلى من ستسحب الموارد المالية التي يتم تخصيصها لدعم الفئات والقطاعات التي ليست لها قدرة على الصمود؟ الجواب سهل للغاية فالمغرب يعتمد دائما على القطاع العام لتدبير الأزمات.

وهذا القطاع يعاني من ضغط كبير على مستوى الإنفاق، وهذا الضغط كما نلاحظ الآن يزداد بشكل كبير. لأنه في المرحلة الحالية يتم السماح بتجاوزات أكبر من تلك التي كان مسموح بها على مستوى عجز الميزانية ويتم اللجوء أكثر فأكثر إلى المديونية والاقتراض بالعملة الصعبة لتعويض النقص في الرصيد الموجود من العملة بسبب انهيار عائدات الاستثمار والسياحة والمغتربين المغاربة، وكنتيجة ايضا للمرحلة الثانية لتعويم الدرهم ما بين 5- و5+، لأنه بدون عملة صعبة لن يتمكن المغرب من استيراد المواد الأساسية من نفط وغذاء..

ثالثا، هناك مشكل آخر متعلق بالأمن الغذائي خاصة في ظل الجفاف الذي يطبع السنة الفلاحية الحالية. ولا يخفى عليكم أن المغرب، وكما هو الحال بالنسبة لمجموعة من الدول العربية يواجه تحدي كبير على هذا المستوى. للإشارة هذه السنة نحن في حاجة إلى استيراد أزيد من 50 مليون قنطار من الحبوب وفي سياق الأزمة حتى الدول النفطية التي تتوفر بها سيولة كبيرة من العملة لا تستطيع شراء كل مستلزماتها لأن كل الدول لها نفس الهاجس ألا وهو توفير الغذاء لشعوبها.

 

+ هل العالم في نظرك مستعد لإدارة هاته الأزمة، وما هي الآفاق في المستقبل؟

- كما نرى كل الدول أغلقت حدودها وأخذت تدبر الأزمة بشكل أحادي، للأسف منظومة التعاون الدولي أسقطت لفائدة الأمن الاجتماعي والأمن البشري والغذائي. هذا في اعتقادي راجع إلى مجموعة من الأمور أهمها كون العديد من الدول، خاصة في العالم العربي، غير متوفرة على ميكانيزمات إدارة الأزمات، ثم أن في ما مضى كان الإنفاق يتم في المجال العسكري على حساب القطاعات الحيوية كالأمن الغذائي والأمن الصحي والتعليم والبحث والتكنولوجيا الرقمية.

لهذا مما لا شك فيه أن خريطة العلاقات الاقتصادية الدولية ستتغير كثيرا بعد الأزمة. فتبادل المزايا التنافسية يمكن ان يتغير بين الدول وفي العالم الجديد ربما ستنتقل الريادة من الغرب إلى الشرق و دولة الصين، مهد الكوفيد 19، سيكون لها دور كبير فيما بعد الأزمة لأن الصين ستقوم بإرسال خبراء لها إلى عدة دول متضررة لتقديم المساعدة في إطار نوع من "الدبلوماسية الصحية". وما نلاحظه الآن أنها بدأت تقوم بذلك مع بعض الدول الأوروبية كإيطاليا، وبالتالي فجميع الدول مطالبة بإعادة ترتيب أولوياتها.

 

+ ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه الأزمة الصحية؟

- أول درس هو أن هناك الآن نوع من القطع مع الأسس والقيم العالمية لصالح القيم الجهوية والوطنية. لذلك لابد من تفعيل التعاون والتضامن العربي بين الدول النفطية والدول الزراعية وتلك التي تتوفر على اليد العاملة، وذلك لرفع تحدي الأمن الغذائي لأن الفاتورة الغذائية مرتفعة عند مجموعة من الدول. وهناك الآن منها التي تواجه خطر المجاعة إذا استمرت الأزمة لشهور، وهذا رغم أنها تملك إمكانيات لتطوير زراعتها وتحقيق اكتفاء ذاتي (الجزائر أكبر مستهلك للقمح المستورد والسعودية كذلك).

إذن من أهم الأمور هو وضع خطط تسير في هذا الاتجاه، ويتعين على الدول العربية إعادة صياغة الخطط التنموية السابقة لما يحقق التكامل الاقتصادي ويطوي الخلافات السياسية. وفي هذا السياق أريد أن أؤكد على ضرورة العمل على أن تكون هناك رؤية اقتصادية موحدة لتحقيق الأمن الغذائي لكل لشعوب المنطقة العربية.

من المؤكد أيضا بالنسبة للمغرب أنه يجب مراجعة مجموعة من الخيارات.

أولها، عودة المغرب إلى اعتماد استراتيجية اقتصادية موجهة للداخل لصالح المواطن عوض التوجه نحو الخارج.

ثانيا، يجب أن نعيد النظر في الخدمات الصحية ونوجه القطاع الصحي في الاتجاه الصحيح. والمسألة التي ينبغي أن تكون لها الصدارة لتحقيق ذلك هي الاهتمام أكثر بالتعليم والبحث العلمي (0.8 في المائة من الناتج الداخلي الخام هي نسبة ضعيفة) وتكوين خبراء طبيين وعلماء أحياء وجيل جديد من الأطباء متخصصين في علم الفيروسات والبكتيريا ودعم المختبرات العلمية الجامعية التي تعنى بالدراسات الصحية والبيولوجية وتأهيل العنصر البشري والرفع من وعيه لأن العالم سيبقى دائما مهددا بالأزمات، ويجب تكوينه تكوينا جيدا للتعامل مع الأزمات. واؤكد لكم أنه إذا لم نسر في هذا الاتجاه سيكون ما بعد الأزمة أسوأ مما كان عليه الحال قبلها.

ثالثا، يجب تطوير منظومة الحماية الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية وتعزيز التكافل والتضامن وتطوير الاقتصاد الاجتماعي وكذلك استثمار التكوين في مهن جديدة كالرقمنة.

رابعا، هذا يحتاج إلى تعبئة موارد مالية إضافية، فالحكومة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بسن سياسة ضريبية فعالة، لأن النظام الضريبي لم يعد يساير واقع الحال بالمغرب فالاتجاه الحديث في هذا المجال يهم توسيع الوعاء الضريبي وليس تخفيض ورفع معدلات الضريبة، فهناك مثلا مجموعة من التعاملات الرقمية والإلكترونية التي ينبغي تضريبها ومجموعة من القطاعات الريعية التي يمكن إخضاعها للقواعد الجبائية. ثم أيضا إعادة النظر في المزايا الضريبية التي يقوم عليها هيكل النظام الضريبي.

خامسا وأخيرا، علاقة بمسألة المزايا الضريبية وفي خضم هذه الأزمة هناك فئات لا غنى للناس عنهم تستحق أن نوفر لها مزايا ضريبية، ألا وهي فئة العاملين في قطاع الرعاية الصحية والقطاعات الأخرى ذات الصلة بالطوارئ، من أجل مكافأتهم على الساعات الإضافية والظروف الخطيرة التي يعملون فيها: مثلا إعفاء بسيط من الضريبة على الدخل سيكون محفزا لهم على مزيد من العطاء. وإذا كانت منحة استثنائية سيكون أفضل. للإشارة فرنسا قدمت 1000 أورو إضافية صافية من الضريبة كمنحة لهؤلاء الموظفين الذين شرفهم لله بإدخال السرور على المرضى، وشمل التحفيز كذلك الأساتذة المكلفين بحراسة أطفال كل الموظفين المشتغلين بواجهة حرب الكوفيد...