الخميس 25 إبريل 2024
اقتصاد

بعد أن هجرها سياحها.. مراكش تتحول لمدينة أشباح

بعد أن هجرها سياحها.. مراكش تتحول لمدينة أشباح ساحة جامع الفنا الشهيرة خاوية على عروشها

في ظلِ الإجراءاتِ الاحترازية التي يتبعُها العالمُ للحد من انتشار كورونا، أصبحت المدينة الحمراء شبهَ مهجورة تماما، سواء من سكانها أو حتى من السائحين، خاصة بعدما أعلنت سفارة فرنسا في الرباط، يوم الأحد الماضي 15 مارس 2020، تمكين  مواطنيها من سياح ومقيمين من مغادرة المغرب نهاية الأسبوع المنصرم، غالبيتهم من مدينة مراكش؛ حيث تحدثت مصادر لـ "أنفاس بريس" أن مطار مراكش المنارة الدولي استغل 66 رحلة استثنائية في ظرف يومين في اتجاه فرنسا وبعض الدول الأخرى، من أجل نقل أزيد من 5000 سائح وسائحة، وزاد من رسم ملامح هذا الوضع، القراران الأخيران  لكل من وزارتي الداخلية  والأوقاف والشؤون الإسلامية.

 

"جليز أشباح"، هكذا وصف مواطن مغربي هذا الحي المراكشي الذي اعتُبر لسنوات محجا أساسيا للسياح الأجانب والمقيمين من الأوروبيين والمغاربة على حد سواء، عقب تنفيذ قرار لوزارة الداخلية على الصعيد الوطني، القاضي بإغلاق جميع المقاهي، والمطاعم، والقاعات السينمائية، والمسارح، وقاعات الحفلات، والأندية والقاعات الرياضية، والحمامات، وقاعات الألعاب وملاعب القرب، في وجه العموم، ابتداء من يوم الاثنين 16 مارس 2020 وحتى إشعار آخر. وهو القرار الذي زاد من منسوب القلق والخوف لدى الفاعلين والمهنيين في قطاع السياحة محليا، ليس من الفيروس، ولكن من شبح الإفلاس الذي يطال العديد من المؤسسات السياحية وغيرها؛ وبعده كان الحديث عن إلغاء عشرة آلاف من الحجوزات والأنشطة التي دأبت الوحدات الفندقية على احتضانها، كل هذا بسبب توسع دائرة انتشار فيروس "كورونا" كافة أنحاء العالم. ما لوحظ خلال زيارتنا لهذا الحي اللاتيني الذي وضع خريطته المعمارية الفرنسيون أنفسهم؛ ولا يمكن لأي سائح تطأ قدمه مدينة مراكش، إلا أن يزور "جليزها"، لما تتوفر عليه من محلات تجارية وترفيهية وفنادق كبرى، أن العديد من مقاهيه ومطاعمه التي كانت قبل أيام مكان لقاءات واستجمام، تحولت إلى  مجرد محلات مغلقة يخيم عليها سكون الخوف من الغد، في ما بدت باقي الفضاءات التجارية الكبرى للألبسة ومحلات الإكسسوارات ذات العلامات التجارية العالمية، شبه مهجورة، وهي تجتهد لكسر حاجز القلق، الذي بدأ يسيطر على نفوس زبنائها، باعتمادها أسلوب التخفيضات، لجلب أكبر عدد المواطنين المغاربة والمقيمين من الفرنسيين، الذين قد لا يكترثون لنهج العودة إلى الديار مهما كلف الثمن.

 

الوضع بحي جليز لا ينفصل بتاتا عن الوضع بساحة جامع الفنا الشهيرة، بروادها وبسياحها الذين يؤمون إليها من كل بقاع العالم، فقد أضحت هي الأخرى ساحة مهجورة،  بعد أن انهارت فيها الحياة بشكل مفاجئ وملفت، خاصة بعد إعلان المغرب عن إغلاق أجوائه في وجه الرحلات الجوية القادمة أو المتجهة إلى بعض الدول الأوربية التي اجتاحها فيروس كورونا، ليجد السياح الأجانب الذين حلوا إلى المدينة الحمراء قبل عدة أيام، أنفسهم عالقين بمطار مراكش المنارة الدولي، طالبين العودة إلى أوطانهم، ما دفع بفرنسيين إلى مطالبة قنصلية بلدهم بمراكش بالتوسط من أجل ترحيلهم. وبشكل استثنائي سيمنح المغرب تراخيص لبعض الدول من أجل إجلاء رعاياها، حيث تم الشروع في عملية المغادرة منذ مساء يوم السبت 14 مارس 2020، حتى "إجلاء" آخر سائح أجنبي ظهر الأحد، ما دفع بالعديد من الحلايقية  وأصحاب المطاعم الشعبية والمشروبات بالساحة إلى رفع أكف الاستغاثة إلى الباري تعالى، أن ينقذهم من هذا الجائحة الاقتصادية. أما أصحاب البزارات ومحلات الصناعة التقليدية بالمدينة وأصحاب الكوتشيات، فلم يقتنعوا بعد بما حل بهم، بعدما كانوا على أبواب موسم تجاري، كانوا يتمنوه أن يكون أفضل من سابقيه، حيث تكثر تنقلات السياح المغاربة والأجانب وتزدهر بهم الحياة، قبل أن يجدوا أنفسهم أمام هول الواقعة، مطالبين بتدخل الدولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فإلغاء الرحلات والحجوزات والأنشطة والمؤتمرات، لم يؤثّر فقط على الفنادق، بل ستكون له انعكاسات سيئة جدا على دور الضيافة  والمطاعم والملاهي الليلة، وعلى جميع العاملين في القطاع السياحي بمدينة مراكش، ما دفع بالنقابات العاملة في قطاع الفنادق إلى توجيه مراسلات عاجلة إلى نادية فتاح العلوي، وزيرة السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، قصد تدارس التدابير المرتبطة باحتمال تشريد المئات من العمال العاملين في القطاع السياحي، كما ستُفيد بذلك، نقابة عمال ومستخدمي الفنادق والمهن السياحية، بأن كل قرار بالتخلي على هؤلاء العمال في كل المؤسسات السياحية التي تعرفها مدينة مراكش في خضم هذا الوضع، قد يوقع بالقطاع وبالأسر المغربية التي يشتغل رب بيتها في السياحة محليا، في خسائر وأزمات اجتماعية  واقتصادية خطيرة، بعدما أعلنت فنادق كبرى عن نيتها توقيف عمالها مؤقتاً إلى حين عودة النشاط السياحي إلى حالته الطبيعية، بينما أقدمت مؤسسات أخرى على توقيف بعضهم لفترات محددة بين خمسة وخمسة عشر يوماً مع بداية الأزمة.

 

فأكثر من خمسين في المائة من اليد العاملة بمراكش، تشتغل بالفنادق والمقاهي والمطاعم ودور الضيافة وفي مهن أخرى لها ارتباط وثيق بالسياحة، كالنقل ووكالات أسفار وكراء السيارات والمرشدين السياحيين، وجدت نفسها عاطلة عن العمل ابتداء من السادسة يوم الاثنين 16 مارس 2020، ناهيك عن الالتزامات المالية والقروض التي قد تثقل كاهل المهنيين وأصحاب المشاريع السياحية الحالية أو المؤجلة، أي أن هذه الأزمة ستضرب بقوة تفوق ضربة حرب الخليج، مخلفة وضعا اجتماعيا من نوع آخر، ستكون له انعكاسات خطيرة على مهنيي القطاع بعد أن صنعت لنا فضاءات أشباح.