الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى المتوكل: قرار إغلاق دور العبادة وغيرها من الفهم السليم للمصالح شرعا وعقلا

مصطفى المتوكل: قرار إغلاق دور العبادة وغيرها من الفهم السليم للمصالح شرعا وعقلا مصطفى المتوكل

إن كل  من يعتبر المغرب دار حرب بناء على قصور في الفهم، أو لتعمد إثارة البلبلة والفتنة، قد وقع في خطأ جسيم  باعتباره "كفر" من أمر بإغلاق المساجد للحفاظ على أرواح الناس وحياتهم، وقوة الأمة بسلامة صحة أفرادها. إن بعض القصص والأحداث من تاريخ البشرية، منذ عشرات القرون قبل البعثة المحمدية، وردت في القرآن الكريم، وبادر غير المختصين ممن يجهلون دلالات الآيات القرآنية في الاستنجاد بما يسمى الإسرائيليات والمدسوسات في آثار السابقين، حتى جعلوا التصديق بها وبرأي "شيوخهم" مقدم على التشبث بالحق والوحي المدعم بالحكمة بما يخدم الناس ومصالحهم المؤمن منهم وغير المؤمن ..

 

إن القرار بإغلاق المساجد ومرافقها الصحية، والذي جاء بعد سلسلة من الإجراءات الاحترازية والوقائية والتي قد تتبعها إجراءات أكثر صرامة لا قدر الله، كان من أجل التصديق الفعلي  قوله تعالى: (... مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا...) سورة المائدة.

 

وكان قيام أولي الأمر بما لا يمكن أن يقوم به العامة إن كان بينهم أمثال التكفيريين والمتشددين. وفي هذا السياق نذكر أنفسنا والناس بما قام به عمر  بن الخطاب (ض)، ولما ذهب لزيارة الشام التي انتشر بها الطاعون سنة 18 هجرية، فأخبره أبو عبيدة بن الجراح ومرافقيه وهم على مشارف الشام بانتشار مرض خطير بها، فاستشار أمير المؤمنين البعض من الناس في الأمر، واتبع رأي العقلاء بعدم الدخول، فقال مخاطبا من رافقه: (إني مُصْبِحٌ على ظَهْر، فأصبحوا عليه)؛ فقال له أبو عبيدة بن الجراح: (أفرار من قَدَر الله)، فأجابه  عمر (ض): (نعم، نَفِر من قَدَر الله إلى قدر الله).

 

إن قرار العقل والشرع في قضية عدم الدخول للشام هو عينه قرار تجنيب المصلين بالمساجد أن يسهلوا وييسروا لعدو خطير، أن يصيبهم ويضعفهم ويقتلهم وأسرهم، ذلك العدو الذي أصبح الشغل الشاغل لكل سكان العالم مخاطره أكثر من الحروب، وهو اليوم (فيروس كورونا) الذي إن لم يتجند له الجميع بالانضباط لتوصيات وقرارات الحكماء بوطننا والعالم لكانت كوارثه وخساراته مهلكة للنسل والاقتصاد والاستقرار والنمو ..

 

إن من أوجه طاعة أولي الأمر شرعا احترام وتنفيذ إجراءات وقرارات المسؤولين عن أمن وصحة المواطنات والمواطنين، التي اعتمدها ليس المغاربة فقط في بلادنا بل لجأت إليها دول كبيرة ورائدة ومتقدمة علميا، ومنها إغلاق كل المؤسسات التعليمية ثم المقاهي والحمامات، وحظر حضور الجمهور الرياضي بالملاعب والتجمعات ولو كانت ببضعة أفراد، إلى التناوب على العمل لتجنب الازدحام بالمكاتب، إلى إغلاق المساجد، ثم تجنيب المحاكم الاكتظاظ بإجراءات أعلن عنها في منشورات رسمية خاصة.. وقد تقتضي  المصلحة لا قدر الله منع التجول والتنقل إلا للضرورات القصوى التي سيحددها المسؤولون بالدولة.

 

إن موضوع الشأن الديني في وطننا يطرح على الدولة أن تتعامل معه بالجدية اللازمة اعتبارا لمقتضيات القواعد الشرعية، ودستور المغرب، والعقل السليم، فشؤون الإفتاء وأمور المواطنين والمواطنات لا يجب أن تترك لغير المؤسسات، ويجب القطع  التام مع كل خروج عن ضوابط الإفتاء المحددة من طرف الدولة بمؤسساتها المختصة .

 

إن مخاطر التكفيريين والتضليليين الذين يشددون على الناس، هم أشد فتكا وخطرا بالأمة؛ ولنا في التاريخ عبر ودروس، حيث كفر البعض البعض الآخر، فاقتتلوا حتى هلكوا، وأهلكوا الأمة، وأدخلوها في متاهات التخلف مدا وجزرا منذ قرون، فسفكوا وأهدروا دماء  الخيرين والفضلاء من الناس ومن العلماء المجتهدين والربانيين، وتسببوا في التخلف بكل أنواعه.

 

إن النهوض بالتأطير الديني الذي يرتكز على التجديد ومواكبة التطور، وإعمال العقل والاجتهاد المتنور على الوجه الأرجح والأفضل، أمر لا يحتمل البطء في التنزيل ولا المزايدات المخلة بالوسطية والاعتدال، إنه لم يعد مسموحا لأي كان أن يكفر أيا كان في هذا الوطن تحت أي مبرر، لأن الأمر لله وحده ولا أحد من الأحياء ومن سبق  أطلعهم الله على حقيقة إيمان الناس.

 

إن كل من يتسابق لفتح أي باب من أبواب الفتنة ومنها التكفير والتكفير المضاد، يسعى ليناقض الدين، ويمزق لحمة الشعب، ويضعف الوطن ويخرب العمران...

 

قال الرسول الكريم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره… كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله)، رواه البخاري ومسلم.

 

وقال تعالى: (.. وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) سورة البقرة.