الدينامية التي عبر عنها المجتمع في وجدة، والرافضة لما سمي ب"الطريقة المتجددة للدفن" ،في مقبرة السلام"،والتي داست على حرمة الموتى، كل هذا يسائل بجدية رئيسي الجماعة الحضرية، والمجلس العلمي المحلي.ومن ورائهما يساءل بالتبعية الإدارة الترابية ،والمجلس العلمي الأعلى.
1-لقد درجت مختلف المؤسسات من المجالس المنتخبة وغيرها، بما فيها المجالس العلمية المحلية، على طلب رأي المجلس العلمي الأعلى ،في كل ما يرتبط بالمقابر.فمثلا، لما ارتأى مجلس مقاطعة أكدال - الرياض سنة 2011 اقتراح طريقة جديدة للدفن في المقابر(الدفن الأفقي قبرا فوق قبر)،عرضه على المجلس العلمي الأعلى،فأفتى هذا الأخير، ب"أن يبقى الدفن على ماهو مقرر ومعلوم شرعا ومتعارف عليه اجتماعيا،وما هو مستمر عليه حالا،من انفراد كل متوفى في قبر خاص به، على وجه الأرض وبجانبه قبور أخرى،فذلك هو الوجه الأسلم شرعا وعرفا،والأليق الذي يتماشى مع كرامة المتوفى،والذي ينسجم مع نفسية وشعور المجتمع المغربي ،المحافظ منذ كان طيلة عهود وقرون ، على أصالته الدينية وعوائده الاجتماعية الراسخة". فما الذي جعل جماعة وجدة تستبدل مفاتحة المجلس العلمي الأعلى حول الطريقة المتجددة للدفن بمقبرة السلام،بمحاولة فرض الأمر الواقع على الجميع، أفرادا ومؤسسات؟أليس في هذا المسلك اعتداء على صلاحيات مرجعية إمارة المؤمنين،ومن ثم إشاعة الفتنة في الدين ؟
2-مصطفى بنحمزة وهو يفتتح هذه المقبرة بعنجهية الفوضى والتدليس،كان في موقع الاستهتار ب"الوثيقة الإطار التي أعدتها الهيأة العلمية المكلفة بالإفتاء والمتضمنة للأحكام الشرعية العامة بمقابر المسلمين"،لسنة 2006 ،وبالفتوى "حول كيفية دفن موتى المسلمين من الوجهة الشرعية الإسلامية"،لسنة 2008،وبغيرها من فتاوى المؤسسة العلمية ذات الصلة.وهذا يبين طبيعة عقلية بنحمزة المتمردة على كل الضوابط القانونية والمذهبية ،للتمكين للمخطط الأصولي.وهذا ما يفسر لجوءه ل"شرع اليد" في هدم الأضرحة وتسوية القبور بالأرض، ومحاولة حمل الناس بقوة أمر الواقع على الطريقة الوهابية في الدفن، وهو يجسد من خلال ذلك، تحالف الأصولية ولوبي العقار والحسابات الانتخابية، على حساب كرامة موتى أهالي وجدة.وبهذا يكون بنحمزة قد فقد أهليته في الدفاع عن قيم الجهة الشرقية، وزكى في المقابل صورة "العالم"/المقاول، وبالتالي فقد صفة العالم الرباني للحفاظ على الأمن الروحي بوجدة.
لكن لما يضيق الخناق عليه، نراه يقول بالتصوف، ونراه يتحصن بالإمامة الكبرى، كما فعل بعد نازلة مقبرة السلام. هو هكذا يتلون ليستغفل الغافلين، حتى تهدأ العاصفة.
3-في سنة 2016،وأثناء تفقد ورش المقبرة، كان الوالي المهيدية يسير في ركاب بنحمزة بخصوص رؤيته لطبيعة الدفن في هذه المقبرة،على عكس عمر احجيرة،الذي كان يومئذ معارضا لبنحمزة،على خلاف موقفه اليوم الداعم له.ومن الطبيعي أن يكون موقف الإدارة الترابية المبارك لبنحمزة، قد بقي متواصلا بالرغم من أن الوالي المهيدية انتقل اإلى الرباط، ومنها إلى طنجة.
وبالرغم من كون الإعلام تحدث آنذاك عن الطابع الوهابي للمقبرة،فقد بقيت سلطة الوصاية خارج التغطية، حتى تمت هذه الهبة الآن، الرافضة لافتتاح بنحمزة لهذه المقبرة بالمضمون الوهابي،فحاولت استدراك الأمر،ونجحت إلى حد معين في ذلك. علما أن الرأي العام ما زال ينتظر النتائج النهائية لصحوة سلطة الوصاية،فالأمور ستقاس هنا بخواتيمها.وفي تقديري أن غالبية التقنوقراط -وهم أكلة سائغة للأصولية-يجب أن يبتعدوا عن الأمور السياسية، بما فيها السياسة الدينية،والأمور الأمنية،بما فيها الأمن الروحي.
4-بالرغم من كون المجلس العلمي الأعلى قد راكم من الآراء ما يمكن أن ينهض دليلا للوقوف في وجه أصولية مصطفى بنحمزة،فإنه سكت مع ذلك عن هذا الانفلات.
وهذا السكوت منذ 2016 غير مبرر.إذ من الواضح أن نفس الحيثيات التى بنى عليها رفضه لمقترح مجلس مقاطعة أكدال - الرياض حول الدفن الأفقي، فإنه يمكن أن يرفض بها الطريقة المتجددة للدفن في مقبرة السلام،ناهيك عن آثام انتهاك حرمة الموتى بالنبش ونحوه.ولعل هذا السكوت قابل لجملة تأويلات،منها أن "أصولية" الأمانة العامة هي ظهيرة لأصولية بنحمزة، وأن "الرش الإحساني" لبنحمزة، وليس العلم، يخرس كل الألسنة،وفي كل المواقع.
وتحملنا كل هذه المآخذ،إلى الالتفات إلى الجهات التالية:
أ- لا بد من التنويه بمحسني الجهة الشرقية،لمسارعتهم لفعل الخير. لكن لتنزيه برهم وإحسانهم من خدمة المخططات الأصولية الهدامة، وحتى يبقى خالصا لوجه الله، عليهم بتنظيم هذا الإحسان خارج الاحتكار الأصولي لبنحمزة.
ب- يفترض في يقظة حواس الدولة، أن تثمر بدائل موضوعية لحماية الأمن الروحي للمغاربة، بتجاوزمحطة تدبير الأزمة، إلى بناء مشروع للدولة منسجم مع التحملات الحقيقية لمرجعية إمارة أمير المؤمنين.
ج- إن الوعي بمتطلبات الإسلام المغربي،الذي عبر عنه أهالي وجدة في العالم الافتراضي، يجب أن ينتقل إلى مبادرات ملموسة لحماية الموروث الحضاري لوجدة، من القتل المادي والرمزي للأصولية.
د- على الوزير التوفيق أن يستخلص مما حصل مع بنحمزة،من تنطع من داخل عمل المؤسسات، وحتى من الإنزال الأصولي في جنازة الشيخ بوخبزة، على مستوى الأفق المنفلت للتعليم العتيق، ما تستوجب مسؤولية قول الحقيقة كما هي بدون تدليس، لصاحب الأمر،أمير المؤمنين . فبنيات هيكلة الحقل الديني، المتواطئة مع الأصولية، خلقت أعباء إضافية لحواس الدولة. وعلى الله قصد السبيل!