الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

نوفل البعمري: لجنة النموذج التنموي، ملاحظات تأسيسية!! 

نوفل البعمري: لجنة النموذج التنموي، ملاحظات تأسيسية!!  نوفل البعمري
فور إعلان عن تشكيلة اللجنة الملكية المكلفة بإعداد النموذج التنموي وانطلاق أولى اجتماعاتها الممهدة لانطلاق عملها الذي من المفترض أن ينتهي متم يونيو بتقديم الخلاصات الأساسية حول المشروع و النموذج التنموي الذي يحتاجه المغرب لتحقيق نهضته الاقتصادية و الإجتماعية،و تجاوز حالات" التشوهات" التي عرفها الاقتصاد المغربي نظرا لعدم قدرته على تحقيق العدالة الإجتماعية و في قلبها العدالة المجالية كأحد محددات المؤشر التنموي لكل بلد. 
لجنة النموذج التنموي و هي تتقدم في عملها ا للوصول للصيغة المثلى للإجابة على كل الأسئلة المعلقة بالتنمية في المغرب لابد من أن إبداء الملاحظات التالية للتأسيس لعمل يستجيب لتطلعات الملك و الشعب في إخراج هذا المشروع للوجود،ذلك من خلال الانطلاق مما يلي:
اللجنة و عملها هو تقني بالأساس وليس سياسي ولا بديل عن المؤسسات المنتخبة والسلطتين التنفيذية و التشريعية، بمعنى أن ما يمكن أن يثار من نقاش حولها خاصة الدستوري و السياسي منه، و كما سبق للملك أن أكد على ذلك أنها ليست بديلا عن الحكومة و الأحزاب و المؤسسات، ليس المقام لطرحه، اعتبارا لكون عملها تقني و استراتيجي سيحدد أسباب فشل و انحصار النموذج السابق،أي التشخيص، و كيفية تحقيق الإقلاع الإقتصادي المنشود لمواكبة الإصلاح السياسي الذي شهده المغرب مع دستور فاتح يوليوز،إذ أن هذا الإصلاح المؤسساتي و مع استمرار تعثر المغرب تنمويا، كان يعطي انطباع و كأننا نسير بسرعتين، سرعة سياسية و مؤسساتية متقدمة تسير بخطى ثابتة نحو الإصلاح منذ إقرار دستور فاتح يوليوز،و عجلة اقتصادية متعثرة أثرت سلبا على التنمية و مؤشراتها وطنيا،و محليا،إننا أمام لحظة تقارب و تشبه الدينامية التي انخرط فيها المغرب مع خطاب 9 مارس و ماتلاه من إصلاحات دستورية و مؤسساتية. 
المغرب له سابقة في عمل مثل هذه اللجان، كلجنة تعديل الدستور التي تظل المشاورات الواسعة التي أطلقتها نموذجا جيدا،و جلسات الاستماع التي نظمت بمناسبة عمل هيئة الإنصاف و المصالحة ،حيث يمكن اعتماد اسلوبيهما أو اسلوبا قريبا منهما يحقق المشاورات الواسعة التي على اللجنة القيام بها مع مختلف الفاعلين سواء كانوا حزبيين، نقابيين، مدنيين، نساء، شباب،مقاولات صغرى و متوسطة، أي الإستماع لوجهات نظر مختلف المعنيين بهذا النموذج قصد تضمين مختلف المقترحات و المخرجات في المشروع. 
اللجنة و هي تنطلق في عملها يجب أن تستحضر الحاجيات الملحة و الآنية لمختلف الفئات الإجتماعية لتحقيق العدالة و المساواة، و الحد من مختلف مظاهر الهشاشة الإجتماعية التي كانت موضوع نقد ملكي و مجتمعي و كانت المسبب الرئيسي وراء  ازدياد حجم المظاهرات الإجتماعية الغير المنظمة، كانت إحدى تمظهراتها الصارخة هو ما تعلق بالفوارق المجالية التي حولت الهوامش بالجهات و المدن إلى عامل توتر بسبب عدم استفادتها من الثروة، و تعرضها لتهميش أحدث نوع من الفارق بينها و بين الجهات و المدن التي تمركزت فيها المشاريع الكبرى،مما أحدث نوع من الفوارق انعكس على ساكنتها و أدى إلى خلل اجتماعي خلق ضغطا مجاليا محليا في كل مناسبة ينفجر هنا أو هناك. 
اللجنة عليها أن تقرئ بشكل جيد الحركات الاحتجاجية داخل المجتمع، خاصة منها التي عرفها المغرب مؤخرا كانت ذات طابع قوي، متنامي، تمركزت في المدن البعيدة عن المركز و كانت قياداتها مفصولة نهائيا على كل ما هو منظم و مؤطر من أحزاب، نقابات و جمعيات، مع ما طرح من أسئلة حول وسائل الوساطة،بمعنى أنه يجب قراءة علاقة الحركات الاحتجاجية بوسائل التأطير المجتمعي و المساحة التي خلقت بينهما إلى الحد التي دفعت اغلب الحركات الاحتجاجية إلى رفض مختلف وسائل الوساطة عن حق او باطل مما خلق تعقيدات مضاعفة للمحتجين و للدولة خاصة عندما تحولت هذه الحركات في مواجهة مع مؤسسات الدولة. 
اللجنة عليها تحليل مختلف المسارات و الاختيارات الحكومية على مر السنين، السياسات الإجتماعية التي أوصلت الوضع إلى هذه الاختلالات المجالية مما انعكس على مستوى توزيع الثروة مجاليا، بين الجهات و  داخل الجهة بين الأقاليم،و هو توزيع أدى إلى إحداث فوارق مجالية خطيرة انعكست على الجهات،ثم ما بين المدن و الأقاليم في الجهة الواحدة، و اذا ما ربطنا الأمر بتلكئ سياسي من طرف الحكومة فيما يتعلق بالبطئ الإداري الكبير على مستوى تنزيل مشروع الجهوية الموسعة و ما يقترن معه بإعادة هيكلة جديدة على مستوى الجهات و الأقاليم كل حسب حاجياته و احتياجاته المحلية،و المجالية،فالأمر أدى إلى الانتقال من مستوى المغرب النافع و الغير النافع، إلى الجهات و الأقاليم النافعة و أخرى غير نافعة، بل تحول بعضها إلى عبئ بسبب هذه الاختيارات على مراكز الجهات بفعل الضغط المتزايد على إقليم او مدينة واحدة من خلال الهجرة الكبيرة نحو مدن بعينها كطنجة في الشمال، الدار البيضاء، اكادير، مراكش… و هو ضغط تسبب في بروز اختلالات إجتماعية كبيرة مع ما صاحبها من تفاوتات مجالية و إجتماعية،و هو ما تسبب في انفجارات اجتماعية محلية ببعض المدن الصغرى، صفرو، الحسبمة، جرادة…. 
اللجنة مطالبة بتحليل المتغيرات العديدة التي شهدها الحقل الشبابي المغربي خاصة في العشريتين الأخيرتين و مختلف المتغيرات التي عرفتها هذه الفئة، في علاقتها بالتعليم خاصة الجامعي منه و تخصصاته ذات العلاقة بالاقتصاد، في علاقتها بالثقافة، في علاقتها بالفن، في علاقتها بالدولة في علاقتها بفعل الإحتجاج و ممارسته و هو ما سيكون موضوع مقالة مستقلة مقبلة. 
إن هذه الملاحظات محاولة للمساهمة في النقاش العمومي حول عمل اللجنة و مستقبل المغرب التنموي و الإجتماعي.