الخميس 25 إبريل 2024
سياسة

عمر الخيراوي: هذه دلالة خروج المغرب من اللائحة السوداء لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب

عمر الخيراوي: هذه دلالة خروج المغرب من اللائحة السوداء لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب عمر الخيراوي

يرى  عمر الخيراوي،  محامي ونقيب سابق، أن المنتظم الدولي يربط دائما مكافحة الإرهاب وتمويله، عن طريق السعي، بالموازاة مع ذلك، لتحقيق التنمية والسلام والأمن وحقوق الإنسان، لأن كلا منها تعزز الأخرى، ولأن غيابها هو المصدر الرئيسي لخلق إرهابيين. وشدد نائب رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب سابقا، على أن العائدات المالية الناتجة عن غسيل الأموال تفوق على الصعيد العالمي مبلغ تريليون دولار سنوياً، وهو ما يمثل نسبة هامة من الحجم الإجمالي للتجارة العالمية.

 

+ ما هي دلالات خروج المغرب من اللائحة السوداء لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب؟

- في سنة 1989 قررت الدول السبع الكبرى المسماة G7 إحداث منظمة أُطلق عليها اسم الحركة المالية بشأن غسيل الأموال (كافي) Action Financière sur le Blanchiment de Capitaux (GAFI).  والغاية الأساسية من وراء خلق هذه المؤسسة لم تكن بالمصداقية الذي تدل عليه تسميتها، بل هدفها الأساسي كان يرمي إلى المزيد من فرض الوصاية على الدول النامية، ولاسيما منها ذات الاقتصاديات الصاعدة، عن طريق فرض شروط عليها لكبح جماحها إذا اقتضت الضرورة ذلك، وهي الشروط التي تتحكم فيها هي وحدها، من خلال وضعها للوائح، تنطلق من اللائحة السوداء ثم ذات اللون الرمادي، مع التهديد بالرجوع القهقرى إلى السواد، والاستمرار صعودا ونزولا على هذا المنوال لسنوات طويلة، قبل تسليم صك الغفران، والقابل للإلغاء دوما. علما أن الدول السبع المذكورة، ومن في محيطها، هي ذاتها التي تخرق الركائز الأخلاقية التي من المفروض أن تؤسس للتنظيم الذي أحدثته، باعتبار الدول المذكورة لا تهتم بمحاربة غسيل الأموال عندما تستقطب من لصوص دول العالم الثالث ثروات طائلة مختلسة من أفواه الجوعى وجيوب الفقراء، وهي عالمة بالمصدر الوسخ لتلك الثروات.

وقد أحدثت هجمات 11 شتنبر 2001 تغيرا جوهريا في المنظور الذي قامت عليه المنظمة، عندما ضغطت الولايات المتحدة، وتمكنت من دمج التوصيات الأممية المتعلقة بمكافحة تمويل الإرهاب ضمن الأهداف التي تعتمدها منظمة (كافي)، لتصنيف الدول، بعدما أصبحت تضع في اعتبارها الحاجة إلى معالجة الظروف التي تؤدي إلى انتشار الإرهاب، بمنظور عام وغامض، مع العلم أن المنتظم الدولي يربط دائما مكافحة الإرهاب وتمويله، عن طريق السعي، بالموازاة مع ذلك، لتحقيق التنمية والسلام والأمن وحقوق الإنسان، لأن كلا منها تعزز الأخرى، ولأن غيابها هو المصدر الرئيسي لخلق إرهابيين.

ومنذ إحداث منظمة (كافي) حاول المغرب السير في الاتجاه المرسوم من خلال التقيد بالالتزامات التي فرضتها هذه المنظمة على دول المعمور. إلا أن الحادث المأساوي والمؤلم، والمتجلي في الهجمات الإرهابية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء في 16 ماي 2003، وما تسبب فيه من وفاة وجروح لعدد من الضحايا الأبرياء، دفعت المسؤولون المغاربة، من كل المستويات، يسابقون الخطى، على الواجهتين الميدانية والقانونية، لبلوغ الأهداف المرسومة.

وهكذا، وفي الواجهة الميدانية، فإن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية قامت بتحركات فعالة وناجعة، أدت إلى حل لغز ما وقع في زمن قياسي، رغم ما رافق ذلك من تجاوزات أدى بعض الأبرياء ثمنها. كما استمرت نفس الأجهزة على نفس النهج من خلال تدخلاتها الاستباقية لوأد أي محاولة إرهابية في مهدها، وتقديم الشروح لعموم المواطنين بإعمال كل وسائل الاتصال المتاحة، وبأسلوب في الخطاب راقي ومهذب. وهو ما غير نظرة جل المغاربة لجهاز المخابرات من بعبع كان يوسم بأقبح الأوصاف والنعوت، إلى جهاز محترم يحمي حرمة الوطن وحقوق وحرية المواطنين وأرواحهم. علما أن أنشطة جهاز الاستخبارات لم تقتصر على تدخلاته بأرض الوطن، بل تعدتها بتبادل المعلومات الاستخباراتية مع أجهزة دول أخرى، كان لها أثر فعال في تفادي ما لا تحمد عقباه لديهم، كما أقر به هؤلاء أنفسهم. أما في الواجهة القانونية، فقد تم تغيير وتتميم القانون الجنائي بمقتضى القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، الصادر الأمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.140 بتاريخ 26 من ربيع الأول 1424 (28 ماي 2003)، والظهير رقم 1.07.79 الصادر في 17 أبريل 2007 بتنفيذ القانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، والمعدل بالظهير الشريف رقم 1.11.02 الصادر بتاريخ 20 يناير 2011.

 

+ ما القيمة المضافة التي سيجنيها المغرب، من انخراطه في المنظومة الدولية للتصدي لجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب؟

- لعل كل ما ذكر أعلاه هو ما دفع مسؤولو منظمة (كافي) إخراج المغرب من اللائحة السوداء لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وما ينجم عن هذا القرار من ارتياح لدى أوساط رجال الاقتصاد والمستثمرين، الوطنيين والأجانب. ومن تأثير إيجابي ينعكس على ارتفاع التصنيف الائتماني للمغرب من طرف وكالتَي موديز وفيتش، مما يساعد على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، ويقدم خدمة جليلة للسياحة، باعتبارها أحد المصادر الأساسية للعملة الصعبة بالبلاد، ولاستقطاب اليد العاملة، المباشرة منها وغير المباشرة.

 

+ ما هو تقديرك لحجم الأموال الرائجة التي تدخل ضمن نشاطات تبييض الأموال؟

- حسب بعض الخبراء في الاقتصاد فإن العائدات المالية الناتجة عن غسيل الأموال تفوق على الصعيد العالمي مبلغ تريليون دولار سنوياً، وهو ما يمثل نسبة هامة من الحجم الإجمالي للتجارة العالمية. بل إن البعض الآخر لا يتردد في تحديد المبلغ في ما يفوق ذلك، مؤكدا على تراوح النسبة بين 30 و50  في المائة  من حجم الاقتصاد  العالمي. كما أن تقارير صادرة عن الأمم المتحدة أكدت كون سويسرا وحدها تستقطب سنويا مبلغ 750 مليون دولار، والبنوك السويسرية تتوفر على رصيد من الأموال التي جاءت من مصادر محرمة يفوق تريليوني دولار. وعلى نفس النهج، وإن كان بحجم أقل، تسير كل من اللوكسمبورغ وإمارة موناكو والنمسا وجمهورية التشيك وإسرائيل.

أما في المغرب فلا توجد إحصائيات صادرة عن مصادر موثوق بها يمكن اعتمادها علميا في تقدير حجم تلك الأموال. إلا أن الكل، من قمة الهرم إلى أسفله، يتحدث بلغة اليقين عن الحجم الهائل للأموال المغسولة، والناجم أغلبها عن الفساد المستشري في منظومة المال العام، من رشوة من المستوى العالي، لها قواعد ونسب وطرق التحصيل محددة مسبقا، ومتفق عليها بين الراشي والمرتشي، وتمارس بطريقة عادية، حتى كادت أن تفقد مفهومها الجُرْمي وتبدو وكأنها نشاط مباح. أو عن طريق اختلاس جزء من الأموال العامة، إما بواسطة السرقات المباشرة، أو، وهو الأخطر والمكلف حسابيا، بالاستيلاء على المال، عاما كان أو خاصا، بطرق تبدو في ظاهرها مشروعة، بينما هي ناجمة عن مخططات إجرامية جهنمية، وما قضية 1.700,00 مليار الناجمة عن تحرير أسعار الوقود عنا ببعيدة.

 والخطير في مثل الممارسات أعلاه، هي أنها بسبب فقدها للأساس الشرعي، فإن الوطن يُحرم منها، لأن أصحابها، بحثا منهم عن الملاجئ الآمنة، يهربونها خارج الوطن لتستفيد منها اقتصاديات دول أخرى، أو حتى إذا ظل بعضها داخل البلاد فإنها تُصرف على المتع والبذخ، وتُهدر في الكماليات والتباهي بين أفراد الطبقات المستفيدة من الريع واللصوصية.