الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

جمال المحافظ: حرية الصحافة بين زمنين

جمال المحافظ: حرية الصحافة بين زمنين جمال المحافظ

يحلو لكثير من المسؤولين أن يؤكدوا من حين لآخر، أن المغرب في مقدمة البلدان التي تتمتع بصحافة حرة، ويحلو لبعض المسؤولين وأبواق الدعاية الحكومية، أن تمن من حين لآخر على الشعب بأنه يملك حرية التعبير والصحافة استنادا الى الدستور والى قانون الحريات العامة الصادر سنة 1958.

 

وكان من حقنا أن نفخر بهذه الحرية لو كانت حقيقية، وكان من حقنا أن نشيد بها لو لم تكن صحافتنا الوطنية في محنة كبرى، ذلك أن نصوص الدستور وقانون حرية الصحافة، قد أصبحت كلها حبرا على ورق بعد التحدي الذى أظهرته الحكومة الحالية للصحافة الوطنية. وككل حكم يضيق بالحرية  أخدت الحكومة تصادر وتحجز وتمنع الصحف وتقدمها للمحاكمة لمجرد رغبة أو شهوة، بهدف اضطهاد الصحافة واستغلال اسم القانون لهدم الحرية التي كفلها الدستور والقانون. لقد قدمت الصحافة الوطنية عدة مرات الى المحاكم، ولم تخسر الصحف وانما زادت مكانتها عند الشعب، فالمحنة التي تجتازها اليوم، انما هي جزء من المحنة التي يجتازها الشعب بأسره.

 

هذه ليست افتتاحية تم تدبيجها في الزمن الراهن، ولكنها كانت في أواسط الستينات بعنوان "محنة الصحافة الوطنية"، جاءت في جريدة "العلم" بتاريخ 13 مارس 1965، حررتها في خضم مواكبتها لمحاكمة إدريس الفلاح مدير جريدة "الأمة الافريقية"، بسبب نشر ما ردده علال الفاسي خلال افتتاح المؤتمر السابع لحزب الاستقلال، نقلا عن جمال الدين الأفغاني "يمكن لشعب أن يعيش بدون ملك، ولكن لا يمكن لملك أن يعيش بدون شعب". واعتبرت أن المحاكمة "محاكمة لحرية الرأي وحرية التعبير والتفكير مع الزج بالقضاء في قضايا  سياسية مصطنعة ".

 

وبعدما تساءلت "العلم" "لماذا مطاردة الصحافة..؟" قالت إن معركة الصحافة اليوم هي في صميم معركتنا الوطنية، إذ رغم أحكام الدستور وكل القوانين، ورغم الوضعية الحرجة التي تجتازها البلاد والتي تحتاج إلى إنارة الرأي العام، رغم كل ذلك، فإن الادارة قد شنت حربا شعواء على الصحافة الوطنية.

 

وأصدرت المحكمة الإقليمية بالرباط في سادس أبريل 1965 بعشرة أشهر حبسا نافذا مع غرامة مالية قدرها 5000 درهم في حق مدير الجريدة مع توقيفها لمدة ستة أشهر. ويبدو أن الأجواء السياسية المتوترة التي كانت سائدة في مارس 1965 بين الفرقاء السياسيين، أرخت بظلالها على هذه المحاكمة التي جرت قبيل الاضراب العام الذى شنه الطلبة في 23 مارس بالمؤسسات التعليمية والجامعية والذي أعلن خلاله عن حالة الاستثناء.

 

وكتبت "العلم" في عددها لسادس أبريل 1965 في مقال لها بدون تحت عنوان "صديقي ادريس الفلاح، ما أعرف قلما حرا لم يعاقب صاحبه، وما أعرف فكرا رائدا نجا من المطاردة والعقاب والانتقام.. السجن شرف لك.. أبشر يا صديقي فقد نجحت في أن تجعل الكفاح في سبيل الحرية يسقى مرة أخرى باضطهاد الحرية في شخصك وقلمك، وهو وقود لا يزيد نار الحرية إلا اتقادا"..

 

وإذا كانت هذه محاكمة ادريس الفلاح في أواسط الستينات، ففي المقابل كادت في نهاية الخمسينات، جملة "الحكومة مسؤولة أمام الرأي العام"، تصدرت الصفحة الأولى من جريدة "التحرير"، أن تلقى في السجن برئيس تحريرها عبد الرحمان اليوسفي الذى خضع إلى استنطاق الشرطة أحيل بعده على قاضي التحقيق.

 

وفي معرض تطرقه لهذه المحاكمة، قال الوزير الأول في حكومة "التناوب" ما بين 1998 و2002 "لقد شرحنا للقاضي جيدا أثناء فترات التحقيق، أن الرأي العام تمثله الصحافة التي أصبحت سلطة رابعة معترف بها في العالم كله الى جانب السلطات الدستورية. وزدنا في التوضيح، أن كل المفكرين يجمعون على أن هناك قوة رابعة في المجتمع هي قوة الرأي العام الذى تمثله الصحافة، فنحن لم نخترع شيئا جديدا أو شيئا ما من وحي خيالنا، إن هذا الآمر معمول به في كل المجتمعات المتحضرة".

 

وتحت عنوان "حبل الخيانة قصير" تساءلت جريدة "الرأي العام" في افتتاحية في 18 دجنبر1959 "هل يعقل أن يكون اليوم في زنزانات السجن من كانوا دائما للملك عونا ولقضيته جندا؟ في حين كيف يكون على رأس بعض المسؤوليات من ركعوا الى بن عرفة؟"

 

وهكذا، فعلى الرغم من الإقرار باختلاف السياقات والمحاكمات التي تعرضت لها الصحافة بين الأمس واليوم، يجذر التساؤل، حول هل ما زالت السلطة الرابعة تضطلع بنفس الأدوار وتحظى بنفس التقدير والاحترام ولها ما يكفي من المصداقية، تجعل منها قوة مجتمعية، كما كان لها ذلك في الماضي السلطوي؟ هل ظلت الأساليب واحدة في التعامل مع الصحافة رغم التحولات الطارئة والقوانين؟ إنها في الواقع أسئلة تظل مشرعة في زمن "المواطنين الرقميين" الذين لا يهمهم الحاضر بقدر ما يريدون معرفة الغد، فبالأحرى الماضي.

 

- جمال المحافظ باحث في الاعلام والاتصال