الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

مارية الشرقاوي: الفقر في المغرب.. الأسباب والتداعيات

مارية الشرقاوي: الفقر في المغرب.. الأسباب والتداعيات مارية الشرقاوي

الفقر معضلة من جملة المعضلات التي عرفتها الشعوب مند الأزل بل شكلت لها التحدي الأكبر، فكانت من أهم أسباب الثورات الاقتصادية والاجتماعية، كما يعتبر الفقر من أهم أسباب تخلف المجتمعات ولعله المعيار الكاشف لمدى تقدمها. وقد اختلف تعريف الفقر اصطلاحا من مجتمع لآخر ومن حقبة تاريخية لأخرى وكذلك بتغير الخلفيات الفكرية والسياسية. فالفقر مثلا في الدول المتقدمة ليس هو نفسه في الدول المتخلفة، الشيء الذي يفسر اختلاف عتبته من دولة لأخرى. لذلك نجد تقرير التنمية في العالم لسنة 1990 الصادر عن البنك الدولي للإنشاء والتعمير عرف الفقر تعريفا شموليا؛ وهو كالتالي: "الفقر هو عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة". ويبقى التعريف الأشمل للفقر هو حالة اقتصادية تتمثل في نقص المتطلبات الأساسية للفرد كالتغذية والتعليم والصحة .

 

وأسباب الفقر متعددة ومتداخلة، منها ما هو داخلي؛ أذكر على سبيل المثال لا الحصر عدم تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع، عدم تنمية الثروة تنمية مستدامة، وأيضا سوء تدبير الثروة وعدم توزيعها بشكل عادل بين جميع أفراد المجتمع، مما يؤدي إلى غياب التوازن بين طبقاته؛ ومنها ما هو خارجي كجشع الدول العظمى واشتغالها ليلا ونهارا على عدم تطور الدول المتخلفة والسائرة في طريق النمو لتبقى لقمة صائغة يسهل نهب ثرواتها، وبالتالي تفقير شعوبها .

 

وبالنسبة للمغرب فقد أفاد التقرير الذي أنجز بشراكة مع البنك الدولي، والذي حمل عنوان “الفقر والرخاء المشترك في مغرب الألفية الثالثة بين سنتي 2001 و2014” أن الطبقة المتوسطة انخفضت إلى 41,8 في المائة، والأشخاص الذين يعيشون تحت وطأة الفقر الشديد ارتفعت إلى 12.1 في المائة، كما كشف تقرير صادر عن المفوضية السامية للتخطيط، أن معدل الفقر بالمغرب ارتفع إلى 45 في المائة بعد أن كان يبلغ 41,8 في المائة سنة 2007، وكذلك كشف تقرير عن مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن 45,7 في المائة من المغاربة يعانون الفقر الشديد. والشيء المؤسف له أن المغرب استفحل فيه الفقر بهده النسبة الصادمة موازاة مع ارتفاع المديونية، حيث نجد وزارة الاقتصاد والمالية تقول بأن مديونية المغرب بلغت 823.4 مليار درهم متم شهر مارس من سنة 2017، 506.9 مليار درهم من الدين الخارجي و316.5 مليار درهم من الدين الداخلي.

 

كما صدر مؤخرا تقرير عن مؤسسة "سوشيال بروجرس إمبيراتيف" الأمريكية في مؤشرها السنوي حول "التقدم الاجتماعي" أن المغرب احتل المرتبة 82 عالميا من أصل 149 دولة شملها التصنيف بعد أن كان يحتل المرتبة 76 عالميا سنة 2018، مما يعني أن هناك تراجعا في المجال الاجتماعي بالمغرب.

 

وأمام التراجع الذي عرفه المغرب في المجال الاجتماعي، وأمام ارتفاع نسبة الفقر، وهي أشياء نلاحظها على أرض الواقع قبل أن تتحدث عنها التقارير الوطنية والدولية، فمن البديهي أن تكون لها تداعيات تؤثر سلبا على المجتمع، وذلك بانتشار العديد من الظواهر الغير صحية التي تنخره وتؤثر على قيمه، منها انتشار الجريمة كالسرقة والقتل والاعتداء على حقوق الغير، ارتفاع نسبة الأمية. وتجدر الإشارة هنا أن نسبتها في المغرب بلغت 45 في المائة وهذا رقم صادم، الهذر المدرسي والذي يعتبر السبب الرئيسي في تشغيل الأطفال والقاصرين، هجرة الشباب بما فيهم حملة الشواهد العليا إلى الضفة الأخرى أي ضفة النعيم بالنسبة لهم لتحقيق أحلاما عجزوا عن تحقيقها في بلدهم مما يدفعهم إلى ركوب البحر مغامرين بأرواحهم، فإما الوصول إلى جنة النعيم أو الموت. وهنا تحظرني مقولة ابن المعتز في فصوله: (لا أدري أيّهما أمر، موت الغنيّ أم حياة الفقير؟)، انتشار الدعارة والرذيلة في صفوف النساء والرجال والأطفال كون الجهل إذا اقترن بالفقر غابت وانقرضت القيم، تزويج القاصرات، حيث جاء في تقرير أصدرته وزارة العدل أنه تم تسجيل 32 ألف و104 طلب تزويج قاصرات ما بين سنة 2011 و2018 تم قبول 80 في المائة. وتجدر الإشارة هنا أن العدد الحقيقي لزواج القاصرات الوارد في الإحصاء لا يعطينا النسبة الحقيقية، فالواقع يحكي عن نسبة أكبر بكثير مما صدر عن الوزارة المعنية بحيث ينتشر بالمغرب زواج قاصرات من نوع آخر يسمى زواج الكونطرا... وعن هذا النوع من الزواج أصدر المجلس الاقتصادي والبيئي تقريرا جاء فيه أنه منتشر في مناطق معينة وبنسب متفاوتة كجهة مراكش أسفي والتي تحتل المرتبة الأولى تليها جهة الدار البيضاء سطات.

 

وللقضاء على الفقر والتقليص من حدة الفوارق الاجتماعية أطلق المغرب مجموعة من المبادرات وأحدث عدة صناديق سبق أن ذكرتها في مقال سابق تحت عنوان "التنمية في المغرب...أي واقع".

 

لكن رغم كل المجهودات وكل ما رصد من ميزانية لم يتحقق الهدف المنشود، بل وللأسف الشديد زادت نسبة الفقر كما ذكرت أعلاه وزادت حدة الفوارق الاجتماعية، وهو الأمر الذي أشار إليه جلالة الملك، بل أعطاه أهمية قصوى في خطابه الأخير الذي ألقاه بمناسبة الذكرى العشرين لاعتلائه العرش في المقتطف التالي:

"شعبي العزيز، لقد أبان نموذجنا التنموي، خلال السنوات الأخيرة، عن عدم قدرته على تلبية الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين، وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية، ومن التفاوتات المجالية. وهو ما دفعنا للدعوة لمراجعته وتحيينه"...

 

وبما أنه لكل معضلة أسباب، فحسب وجهة نظري المتواضعة أسباب الفشل وعدم الوصول إلى المبتغى أي القضاء على الفقر والتقليص من حدة الفوارق الاجتماعية هي كالتالي :

+ الفاعلين لم يكونوا بالكفاءة المطلوبة وهو الأمر الذي نستشفه من خلال دعوة جلالة الملك إلى تكوين لجنة من الكفاءات تتكفل بموضوع النموذج التنموي الجديد.

+ عدم تجديد النخب، فعوض فتح المجال أمام الكفاءات والطاقات الشابة يتم تهميشهم عمدا.

+ مشكل فساد وسوء تدبير طال مجموعة من المؤسسات والإدارات العمومية عرى عليهما التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2018، مما يستلزم تحريك متابعة قضائية في حق كل ثبت تبديده المال العام، في حق كل من تهاون في أداء واجبه الذي يتقاضى عليه راتبا مهما وامتيازات كبيرة، فالمحاسبة أصبحت ضرورة ملحة كآلية للردع ومنح العبرة لكل من تخول له نفسه الاستهانة بالمسؤولية الملقاة على عاتقه أو الاستفادة من ثروة الوطن بدون وجه حق.. ويكفي إطلالة على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتضح بأن تفعيل الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور الذي ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة أصبح مطلبا أساسيا لدى السواد الأعظم من المواطنين المغاربة .

 

وخير ما أختم به المقال هو مقتطف من الخطاب الملكي ".... لا ينبغي أن نخجل من نقط الضعف، ومن الأخطاء، التي شابت مسارنا، وإنما يجب أن نستفيد منها، وأن نتخذها دروسا لتقويم الاختلالات، وتصحيح المسار..."

 

- مارية الشرقاوي، كاتبة وباحثة في قضايا النوع الاجتماعي